"لن يحدث هذا طالما انا على قيد الحياة... واتمنى ألا يحدث ابداً". قائلة هذا الكلام كانت السيدة مارغريت ثاتشر، التي كانت في ذلك الحين رئيسة وزراء بريطانيا العظمى وسيدتها الحديدية. أما الشيء الذي لن يحدث ابداً طالما انها على قيد الحياة والذي تعبر عن رغبتها وأملها في الا يحدث، فهو قيام الولايات الأوروبية المتحدة. جاء كلام مارغريت ثاتشر، الذي بدا يومها قاطعاً، خلال خطاب كانت ترد به على ما كان عبّر عنه الفرنسي جاك ديلور، رئيس المفوضية الأوروبية في ذلك الحين، هو الذي كان يتحدث عن ضرورة تطوير الاتحاد الأوروبي وحتميته، حيث يتحول الى ولايات متحدة على غرار الولاياتالمتحدة الأميركية. ومارغريت ثاتشر كانت أول من بادر الى الرد، رافضة الفكرة، وذلك في التاسع والعشرين من تموز يوليو 1988. والحال ان رفضها السريع ذاك، اثار الكثير من القلق لدى أوساط بريطانية اقتصادية، كانت ربما تشارك ثاتشر رؤيتها، لكنها كانت تعرف ان الرفض بسرعة وعلى تلك الشاكلة سيشكل عقبة في وجه النهوض الاقتصادي البريطاني الذي كان في ذلك الحين يعيش عز ازدهاره، وتحديداً بفضل سياسة كانت السيدة ثاتشر هي التي احيت مواتها وفرضتها وجعلت لها شعبيتها الكبرى. صحيح أن السيدة الحديدية لم تكن قد اشتهرت بالاعتدال في مواقفها، لذلك كان يتوقع منها اي موقف وكل موقف، لكن ذلك الرفض القاطع للفكرة الأوروبية كان فوق ما يمكن ان تحمله دقة العلاقات بين لندن وجاراتها، ولا سيما منها باريس وبون. وكان جاك ديلور قد تنبأ بأنه، خلال ما لا يزيد على عشرة أعوام سوف يصبح نحو 80 في المئة من التشريع الاجتماعي والاقتصادي اتحادي النزعة أوروبيها، بدلاً مما هو الآن مرتبط بالبرلمانات المحلية. ورداً على هذا الكلام قالت رئيسة الحكومة البريطانية يومها: "ان هذا السيد يقفز مرة واحدة الى الأعلى. والحقيقة انه لم يكن له ان يقول هذا الكلام ابداً". وأما بالنسبة الى الاتحاد النقدي الأوروبي وانشاء بنك مركزي أوروبي فإن السيدة ثاتشر قالت ان هذا الكلام هراء، و"لقد خسرنا الكثير من الوقت ونحن نبحث فيه". وفي هذا السياق اعتبرت السيدة ثاتشر ان من الخطورة بمكان السماح للناس بالسفر بين الدول الأوروبية من دون جوازات سفر، ومن دون رقابة عند الحدود. وفي اختصار قالت ثاتشر انها سوف لن تتخلى عن سيادة البرلمان البريطاني على الاطلاق. ومن المعروف ان السيدة ثاتشر كانت أبدت الكثير من المؤشرات التي تفيد برغبتها من تخفيف حركة ايصال الاندماج الأوروبي الى غايته، قائلة في الوقت نفسه ان هذا لا يعني انها، من ناحية المبدأ، ضد الوصول الى تعاون وثيق بين أمم السوق الأوروبية التي كان يبلغ عددها 12 أمة في ذلك الحين، شرط ان يكون التعاون حول أمور تحسن احوالنا جميعاً". وأضافت "انه لمن الأفضل لنا ألا نهرول مهما كانت الظروف". والحال أن هذا الكلام اتى في سياق حملة صليبية كانت ثاتشر تشنها في ذلك الحين ضد الوحدة الأوروبية. وهي خلال الأسابيع التالية قامت بجولة في الكثير من الدول الأوروبية، وراحت في كل دولة تخطب وتطلق تصريحات كانت من العنف حيث انها أرعبت الكثيرين، إذ قالت في لوكسمبورغ ان "قيام حكومة أوروبية مركزية لن يكون سوى كابوس"، وفي بروج في بلجيكا قالت: "انه سيكون من قبيل الجنون ان يتم حشرنا جميعاً لنناسب النوع نفسه من الشخصية الأوروبية المتطابقة". وفي لحظة من اللحظات سئلت ثاتشر عما اذا كانت تمانع دون مقارنتها بالزعيم الفرنسي شارل ديغول فقالت: "ابداً، فهو كان مثلي من اعداء هذا النوع من الانصهار الأوروبي" الصورة: مارغريت ثاتشر