عقد في لندن، خلال شهر حزيران يونيو الماضي، مؤتمر "صورة الجسد" Body Image الذي هدف الى الحد من انتشار "وباء" اضطرابات الطعام Eating Disorder وهي مجموعة محددة من المشكلات الجسدية - النفسية التي تنفلت من عقالها بفعل الهوس بضبط الجسد، خصوصاً لدى المراهقات، على أساس المقاييس الصارمة التي تروج لها أجساد العارضات والممثلات ومجلات دور الأزياء وغيرها. وتفرض المقاربة العلمية لهذه المشكلة الإجابة على مجموعة من الأسئلة الدقيقة، أبرزها ما هو الفهم العلمي لوزن الجسم والآليات الفاعلة في ضبطه؟ وما مدى الفائدة الحقيقية من الحميات الرائجة؟ وما هو دور الرياضة؟ ما هي الطرق الصحية والفاعلة للسيطرة على الزيادة الضارة في الوزن؟ يوجد في الدماغ مركز لضبط الشهية Satiety Center، ضمن منطقة الجهاز الحافي Limbic System والتي يعتقد بتدخلها في الانفعالات والعواطف والمشاعر، كما أنها قريبة من منطقة ما تحت المهاد Hypothalamus التي تنسق عمل هرمونات الجسم. تتفاعل مختلف مراكز الدماغ لتؤلف نوعاً من "ضابط" للوزن عند حدود معينة تتفاوت حسب وزن الجسم في مراحل النمو المختلفة، ويميل "الضابط" الى تحديد وزن أعلى لمن يكون أكثر امتلاء في سن مبكرة، لكن هذه القاعدة غير ثابتة. عقب الطعام، يقوم الجسم بحرق جزء من السعرات الحرارية الكالوري بطريقة "سلبية" تماماً، أي من دون القيام بأي جهد. تسمى هذه العملية "المعدل القاعدي للاستقلاب" Basal Metabolic Rate. عند البعض، يكون مستوى الإحراق السلبي عالياً، مما يساعد على الاحتفاظ بوزن أقل حتى من دون حمية ولا رياضة. ويمثّل الإحراق السلبي جزءاً أساسياً وكبيراً من سيطرة الجسم الطبيعية على فوائض السعرات الحرارية الكالوري. يميل الجسم الى الاحتفاظ بمستوى معين من الوزن، فإذا نقص فجأة، حدثت "ردة" واندفاع صوب تناول المواد السكرية والدهنية والنشويات، والعكس بالعكس. يتدخل العديد من الهرمونات، مثل هرمون النمو الغدة النخامية والثيروكسين الغدة الدرقية والتيستوستيرون والإستروجين الغدد الجنسية وغيرها في تحديد وزن الجسم ومدى حرق السعرات الحرارية، مما يشير الى الآليات المعقدة والمتشابكة التي تتحكم في الوزن وتقلباته. بينت الأبحاث الحديثة على وجود هرمون خاص بتحديد آلية خزن الدهون في الجسم، وفي رد فعل الجسم تجاهها، وهو الليبتين Leptin. لكن تفاصيل الصورة الكاملة لعمل الليبتين، خصوصاً في الإنسان، ما زالت بحاجة الى المزيد من الدراسات. هنالك فيض من الأبحاث النفسية حول علاقة وزن الجسم وكمية الشحوم ومستوى الكوليستيرول، وكذلك تقلباتها، مع الحال النفسية للإنسان وظهور بعض الاضطرابات فيها، بالارتباط مع التقلبات الحادة والمفاجئة في الوزن. وكخلاصة، فإن وزن الجسم ليس أمراً سهلاً ومبسطاً لكي يتم التلاعب به اعتباطياً. ويزيد من الارتباك، الأثر السلبي للإعلام وميل الشركات الى الانتفاع من الهاجس العام بالقوام المثالي، فتروّج لأصناف المركبات والوسائل والأدوية التي يتضمن أكثرها ضرراً مباشراً على الصحة.