رياح الانترنت عصفت اخيراً بالسينما. وهنا لا نعني قطاع الانتاج والمؤثرات البصرية الخاصة بل توزيع الافلام وعرضها. وما حققته برامج "mp3" في ميدان نقل الاغاني والقطع الموسيقية وتسجيلها، اصبح ممكناً للافلام وحتى الطويلة منها عبر برنامج ال"mp4" المهرب والذي يسمح بضغط ملفات الصور المتحركة وتقليصها الى احجام تسرع تحميلها على الشبكة العالمية. وظهرت اخيراً على بعض مواقع الشبكة مجموعة من الافلام المقرصنة المحملة على برنامج "mp4" لكن شركات الانتاج السينمائي لم تتخذ بعد اي اجراءات قضائية ضد مطوري البرنامج المذكور لسبب بسيط، ان الشركة المطورة للبرنامج غير معنية بنشره، وهو الامر الذي تولته مجموعة من المتسللين نجحت في تفكيك رموز برنامج "ميديا بلاير" المخصص لنقل ملفات الفيديو عبر الانترنت لبيئات "الويندوز". وكانت شركة مايكروسوفت قد دعمت برنامج "ميديا بلاير" ببرنامج "كوديك" الذي يقلص ملفات الصور المتحركة الى احجام تسهل تحميلها. واكتشف "الهاكرز" المتسللون او المخربون على الانترنت ان هذا البرنامج يستطيع معالجة نسخ افلام فيديو رقمية على اقراص مدمجة DVD واعادة بثها على الانترنت مع ضمان نوعية نقاء مقبولة للصور. وبامكان برنامج "mp4" تحويل ملفات حجمها اكبر من 5 جيغابايت الى ملفات بحجم 350 ميغابايت تكفي لتحميل فيلم فيديو مدته ساعة واحدة. في حين ان كل ساعة موسيقى تعادل 60 ميغابايت عبر برنامج "mp3". وآلية عمل برنامج "mp4" مماثلة لبرنامج "mp 3" اذ يتجاهل البرنامج المذكور التفاصيل غير الاساسية عند الانتقال من اطار الى آخر ويتماشى نقل التفاصيل الرقمية المتشابهة بين الاطارات. ولذا تصبح الصورة او المشاهد مشوشة تماماً عندما تكون الاطارات الصور مختلفة عن بعضها بعضاً بصورة كبيرة كلقطات العنف او الحركة السريعة. وهنا يظهر ضعف البرنامج في تقليص حجم الملف المعالج. وعلى رغم ان مايكروسوفت اعادت ترميز برنامج "كوديك" حيث لا يستفاد من نسخته المطورة في نقل الافلام، الاّ ان الضرر قد حصل بالفعل، حيث يوزع عدد من المواقع الآن نسخاً مقرصنة عبر برامج "m p 4" لافلام منها "ماتريكس" و "ويزارد اوف اوز" و"انقاذ المجند ديان". ونظراً الى رداءة الصورة بسبب اعتماد برنامج "كوديك" غير المكتمل لا يتوقع المراقبون ان تحقق برامج "mp4" نجاحاً مماثلاً لما حققته برامج "mp 3"، خصوصاً ان عملية تحميل ملفات الصور المتحركة لا تزال تستغرف ساعات طويلة. هذه الانطلاقة غير المشجعة للسينما عبر الانترنت لم تحبط المشاريع القانونية لتوزيع الافلام. فقد اعلنت شركة "سايت اندساوند" Sight and Sound.com الاسبوع الماضي انها ستوزع عدداً من الافلام التي تملك حقوق اعادة توزيع على الشبكة عبر برنامج "جنيوتيلا" Gnutella المرمز. وتملك الشركة المذكورة حقوق توزيع ل12 فيلماً من انتاج شركة "ميراماكس" الاميركية. وسيتم توزيع هذه الافلام على المشاهدين الذين سيسددون ثمن كل فيلم على حدة قبل تحميله عن موقع الشركة. وعلى رغم استخدام البرنامج الجديد لضغط ملفات الافلام تبقى احجامها مرتفعة وتتجاوز المئة ميغابايت للفيلم الواحد. وتؤكد الشركة ان هذه العقبة ليست اساسية لان الشركة تستهدف ملاحي الانترنت المتصلين بالشبكة العالمية عبر كابلات رقمية عالية السرعة. وتتوقع الشركة ان يطرأ تحسن كبير على سرعات "المودم" مما ينعكس ايجاباً على عمليات التحميل. وقبل يومين بدأت الصالات الامريكية بعرض فيلم "تيتان.اي.اي" Titan A.E. وهو انتاج ضخم لشركة "تونتيث سنشوري فوكس". واهمية الفيلم المذكور انه دخل تاريخ الانترنت قبل اسبوعين عندما بث عبر الشبكة العالمية من استوديوهات هوليوود غرب الولاياتالمتحدة الى قاعة سوبركوم في مدينة اتلانتا الاميركية في الطرف الآخر من البلاد. ويشارك في بث الفيلم المعد في نسخة رقمية عبر شبكة سريعة الدفق شركتا "سيسكو سيستمز" و"كيوفيس" المتخصصتان في صناعة الانترنت. وتدور احداث فيلم "تيتان" العلمي الخيالي في كوكب الارض بعد آلاف السنين حيث يسعى مراهقان، مات دايمون ودرو باريمور، لانقاذ الجنس البشري من الفناء نتيجة تعرض الارض لهجوم مدمر من مخلوقات فضائية. وهدفت عملية البث الانترنتي الى القاء الضوء على امكانات التوزيع السينمائي الهائلة التي تتيحها الشبكة العالمية بما يلغي الكلفة المرتبطة باساليب انتاج وتوزيع الآلاف من نسخ الافلام والمعتمدة من دون تغيير يذكر منذ اكثر من ثمانين عاماً اي منذ ولادة السينما تقريباً. ويقول نائب رئيس "سيسكو" لاري لانغ "ان السينما الرقمية يمكن ان تعود بالنفع الكبير على قطاع التسلية بالطريقة نفسها التي اتاحت بها الانترنت لصناعات كثيرة تقليل كلفتها واستكشاف وسائل اداء جديدة". ويرى رئيس شركة "فوكس" توم شراك ان البث الانترنتي "خطوة نحو المستقبل" ولكنه في الوقت نفسه يبدي بعض التحفظ عندما يقول واصفاً تفاعله مع العرض "كأنني اشاهد معرضاً يعود الى فترة الستينات". واعرب القيمون على صناعة السينما عن قلقهم حيال النوع الجديد من التوزيع خشية اعمال القرصنة والتزوير. اما اصحاب دور العرض السينمائي فقلقون من ناحيتهم من الكلفة المرتفعة لمعدات العرض الجديدة. فآلة العرض الرقمي كلفت لوحدها مبلغاً تجاوز المئة الف دولار يضاف اليها تكاليف الشاشات المجهزة لتلقي البث الرقمي واجهزة الصوت والكومبيوتر لمعدّة لتحميل ملفات هائلة الحجم كفيلم سينمائي. وتجدر الاشارة الى ان فيلم "تيتان" مدته ساعة ونصف الساعة لم يعرض مباشرة من الاستوديو بل حمل في عملية استغرقت نحو اربع ساعات عرض بعدها على الشاشة. وتم استخدام معدات بالغة التطور في نقل ملفاته عبر الشبكة وبصورة اسرع بثمانمئة مرة من عمليته النقل التقليدية. وتقول الناطقة باسم "سيسكو" اريكا شرودر "من الناحية التقنية نحن نعرض اليوم ما ستشاهدون في المستقبل وبالرسائل المتطورة نفسها... ولكن القضايا المالية وحقوق النشر والتوزيع والحماية من القرصنة فهي مسائل لا تزال قيد البحث". والتغييرات التي حملتها الانترنت الى عالم السينما لن تقف عند حد التوزيع فقط بل ستتعداها على ما يبدو الى مجال اخراج وانتاج الفيلم نفسه او حتى اعادة صياغة احداثه. فقد كشفت صحيفة "الغارديان" الاسبوع الماضي خلال مقابلة مع المنتج سايمون روز عن مشروع رائد يتيح للمشاهدين التفاعل مع احداث الفيلم من خلال مكان تغيير السيناريو والشخصيات وتقديم اقتراحات لتبديل الحبكات. واصبح من الممكن اليوم لملاحي الشبكة متابعة مسلسل "الوقت يمر" وهو اول عمل تصويري يتيح للمشاهدين التفاعل معه. والمسلسل من اربع حلقات مدة كل واحدة منها خمس دقائق ولذا يتم تحميله بسرعة عبر الشبكة باستخدام اجهزة الكومبيوتر الشخصي او الماكنتوش بعد تحميل برنامجين مجانيين هما "ويل بلاير" و"كويك تايم". واستبقت شركات الانتاج الموسيقي شركات السينما في اللجوء الى الانترنت لتوزيع منتوجاتها. واتفقت 66 شركة اميركية من كبريات شركات الموسيقى مع نقابة الموسيقيين للسماح لها باعتماد الشبكة العالمية كقناة توزيع رئيسية للسيمفونيات اعمال الاوبرا بعد تراجع مداخيل اشرطة واقراص هذا النوع من الموسيقى في الاسواق الاميركية والعالمية. ويقضي الاتفاق الذي كان من بين الموقعين عليه فرق موسيقية مشهورة مثل "نيويورك فيلاهارمونيكا" و"اوبرا متروبوليتان" و"كليفلاند اوركسترا" بان ينال العازفون نسبة من عائدات تحميل الاعمال الموسيقية عبر نظام "دفق صوتي" يحول دون ان يخزن المستمع المقطوعة المحملة، بل يكتفي بسماعها مباشرة من شركة البث ولمرة واحدة. ويستطيع المستمعون تحميل المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية اما عبر مواقع الفرق الموسيقية على الشبكة العالمية او عبر مواقع شركات التوزيع الموسيقية. وبانتظار توافر كابلات توصيل مع الانترنت فائقة السرعة يبقى الذهاب الى صالة السينما وتناول "البوشار" تسلية مستوية على عرشها براحة وثقة. [email protected]