ساد هدوء حذر جبهة جنوبلبنان امس باستثناء بعض القصف المتقطع، فيما تكثفت الاتصالات السياسية والديبلوماسية، وأعلنت الدول العربية جميعاً تضامنها مع لبنان واستعدادها لمساعدته على معالجة اضرار القصف الاسرائيلي. راجع ص4 ودان مجلس الجامعة العربية في اجتماع طارىء عقده امس في القاهرة العدوان المتكرر على لبنان، وجدد دعوة الدول العربية التي لها علاقات مع إسرائيل في إطار عملية السلام إلى إعادة النظر في هذه العلاقات والى وقف كل المشاركات العربية في المحادثات المتعددة الأطراف "الى أن يتحقق تقدم جوهري في عملية السلام على كل المسارات". في غضون ذلك أعلن وزير الخارجية المصري عمرو موسى أن قمة مصرية - سورية ستعقد في الأيام المقبلة "للبحث في تطورات الأوضاع الحالية في المنطقة". ورفض تحديد موعدها، في حين توقعت مصادر عربية عقدها خلال ساعات في شرم الشيخ. وكان موسى أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره السوري فاروق الشرع وناقشا الموقف المتوتر في لبنان، وأوضح أنه على اتصال مستمر أيضاً مع بيروت. وقال: "أن مصر "ستتابع إنسحاب إسرائيل من لبنان، لأن النقطة الأساسية تتمثل في انسحابها وإنهاء احتلال لبنان، فهذا ما يجب أن يتم وهو ما نراه مسألة ضرورة، خصوصاً أن الانسحاب سيتم طبقاً للقرار 425 ومن كل الأراضي اللبنانية الى ما وراء الحدود الدولية المعترف بها، وأن يكون الانسحاب براً وبحراً وجواً، وهذا هو المهم". وأوضح موسى في تصريحاته إلى الصحافيين "أن الأمن بعد الانسحاب ستتحمل مسؤوليته الأممالمتحدة، كما جاء في بيان اجتماع تدمر الأخير الذي ضم وزراء خارجية مصر وسورية والسعودية، و هذا ليس أمن إسرائيل فحسب وانما هو أمن الحدود الإسرائيلية - اللبنانية"، مشيراً الى أن "أمن إسرائيل لا يمكن حمايته بالاعتداء على الدول الأخرى". ولفت إلى أن المفاوضات المتعددة الأطراف مؤجلة. تحرك لبناني وواصل لبنان حملته الديبلوماسية للضغط على اسرائيل مطالباً بلجم اعتداءاتها، فالتقى رئيس الحكومة وزير الخارجية سليم الحص قبل ظهر امس سفراء الدول العربية المعتمدين في لبنان. وكان رئيس الجمهورية اميل لحود تلقى اتصالاً من ولي العهد السعودي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء رئيس الحرس الوطني الامير عبدالله بن عبدالعزيز الذي اكد له ادانة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز العدوان واستعداد المملكة "لتقديم ما يلزم من اجل مساندة لبنان في صموده". وقال الرئيس الحص ل"الحياة" انه وضع السفراء العرب في اجواء الموقف اللبناني وأطلعهم على معطيات العدوان وحصيلته من القتلى 2 والجرحى المدنيين 15 على مدى ثلاثة أيام، مطالباً حكوماتهم بالضغط على الصعيد الدولي من اجل منع تكرار هذه الاعتداءات. وأطلعهم على الاتصالات التي اجراها مع سفراء الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن. وذكر مصدر ديبلوماسي عربي ان الحص تحدث عن الاضرار مقدراً قيمتها المباشرة بالنسبة الى محطة الكهرباء في بصاليم الجبل ومحطة التحويل في دير عمار شمال لبنان التي دمر الجزء الأكبر منها كلياً بنحو 40 مليون دولار اميركي، شاكراً للدول العربية المساعدات السابقة التي قدمتها من اجل إصلاح الاضرار التي نجمت عن الاعتداءات السابقة. وأكد للسفراء تعليقاً على اعلان اسرائيل انها اوقفت هجماتها على المنشآت المدنية ان لبنان لا يأمن لنياتها لأنها "تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر". وأوضح لهم تمسك بلاده في المحادثات مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة تيري رود لارسن، بالانسحاب من مزارع شبعا، لأنها ارض لبنانية خلافاً لما يقال انها ارض سورية، خصوصاً ان هناك اتفاقاً مع دمشق في هذا الصدد منذ العامين 46 و49. وابلغ الحص "الحياة" انه عرض ايضاً حاجات المنطقة الجنوبيةالمحتلة بعد تحريرها في مجال اعادة الاعمار "وذكرت ان بعض الدول الاجنبية اعرب عن استعداده للمساهمة في برنامج لاعمار الجنوب ونوهت بامكان مساهمة الدول العربية". وقال انه كان طلب من مجلس الجامعة اصدار موقف، إما بقرار وإما ببيان في شأن العدوان الاسرائيلي في ضوء قرار مجلس وزراء الخارجية العرب الذي عقد في بيروت في 11 آذار مارس الماضي، "لكننا لم نحدد طلباً معيناً". وكان وزراء الخارجية العرب اصدروا موقفاً يدعو الى "اعادة النظر" في التطبيع مع اسرائيل بعد حصول الاعتداءات على لبنان في شباط فبراير الماضي، ما أدى الى تدمير ثلاث محطات كهرباء في حينه. وأبلغ السفير الفرنسي في لبنان فيليب لو كورتييه الحص امس ان بلاده تسعى الى عقد اجتماع للجنة المراقبة المنبثقة من "تفاهم نيسان" ابريل التي كانت اسرائيل جمدت اعمالها منذ شباط الماضي. لارسن في دمشق ووصل مساء الى دمشق مبعوث الامين العام للامم المتحدة تيري رود لارسن لاجراء محادثات مع وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع تتعلق بالانسحاب الاسرائىلي من جنوبلبنان، بعد زيارة للجنوب تفقد خلالها القوات الدولية هناك. وقالت مصادر مطلعة ل"الحياة" ان الجانب السوري سيبلغ لارسن "اهمية الوصول الى سلام شامل وعادل في الشرق الاوسط وتنفيذ القرارين 242 و388، وانسحاب اسرائىل جواً وبحراً وبراً من جنوبلبنان وفق القرارين 425 و426 الى ما وراء الحدود الدولية من دون قيد او شرط"، وتكرار موافقة دمشق على قيام قوات "يونيفيل" ب"المهمات الامنية" المحدد لها وفق القرارات الدولية، الامر الذي يعني تحملها واسرائىل مسؤولية "اي خلل امني" يحصل بعد الانسحاب من الجنوب". وزادت المصادر ان الجانب السوري سيشدد على "وجوب انسحاب اسرائيل الى ماوراء الحدود المعترف بها دولياً بما في ذلك مزارع شبعا"، مع الاشارة الى ان "اي موضوع لبناني - سوري يبحث بين هاتين الدولتين وهو شأن بينهما"، استناداً الى "العلاقة المميزة التي تربطهما وفق معاهدة الاخوة والتعاون والتنسيق" للعام 1991. وجاء في بيان رسمي باسم قادة القوات المسلحة السورية ان "لا قوة في الدنيا تستطيع ان تفرض علينا الاستسلام" و"يخطىء من يظن ان اساليب المناورات المكشوفة او اساليب التهديد والوعيد يمكن ان تدفع سورية الى التنازل عن حقوقها او القبول بأقل من الانسحاب الاسرائىلي الكامل من الاراضي العربية في الجولان وجنوبلبنان". ارتياح في واشنطن... ولكن لا ضمانات في واشنطن، عزت مصادر رسمية نجاح المساعي في وقف دورة العنف في جنوبلبنان، إلى سرعة تحرك الديبلوماسية الأميركية، لكنها لاحظت غياب أي ضمانات تحول دون تكرار ما حصل في اليومين الأخيرين، واصفة الوضع بأنه "حساس جداً في هذه المرحلة وحتى الإنسحاب الإسرائيلي". وذكّرت بأن وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت بادرت، فور اندلاع العنف، إلى الإتصال بنظيرها السوري السيد فاروق الشرع، وطلبت من منسق عملية السلام دنيس روس الموجود في إسرائيل وسفيرها في لبنان دافيد ساترفيلد نقل حرص الولاياتالمتحدة على وجوب تجنب التصعيد. وأشارت المصادر نفسها إلى "تجاوب حكومة إيهود باراك التي قررت عدم الرد" على الموجة الأخيرة من الصواريخ التي أطلقها "حزب الله". ولاحظ مراقبون أن المسؤولين الأميركيين حرصوا على الظهور مظهر "المحايد" لتجنب اتهامهم بالإنحياز، كما حصل في المرة السابقة قبل أشهر عندما حملوا على "حزب الله". وبالفعل تعمد العاملون في الخارجية والناطق الرسمي باسمها على إدانة العنف واستنكار سقوط ضحايا وخسائر مدنية لدى الطرفين اللبناني والإسرائيلي، وحاذروا اتهام الحزب بأنه "المعتدي" كما كانوا يفعلون في السابق.