غريغوريو فوينتس يبلغ من العمر الآن مئة عام وعام. كان قبطان مركب ارنست هيمنغواي للصيد - البيلار - من 1935 وحتى 1960. وحينما غادر هيمنغواي 1899 - 1961 كوبا قبل انتحاره بأقل من عام، قيل ان فوينتس كان نموذجاً للصياد الكوبي "سانتياغو" في رواية هيمنغواي القصيرة "العجوز والبحر" 1952. وهي الرواية التي وصفها كاتبنا فيما بعد بأنها "شعر مكتوب في نثر" وبأنها "اصعب الاعمال التي انجزتها". وفي هذه الشهادة التي نشرتها أخيراً مجلة نيوزويك الاميركية، يحكي لنا فوينتس للمرة الاولى عن ذكرياته مع هيمنغواي الروائي الاسطورة الذي افتتن بكوبا والبحر وحياة البسطاء وصوّر في اعماله محنة الوجود الانساني ازاء اخطار الطبيعة واخطاء البشرية. **** كنت قبطاناً لسفينة صيد كوبية وحينما ارسلني الكوبيون في رحلة الى مدينة نيواورليانز في اميركا. بدأت عاصفة مدارية في الهبوب، وكان كل بحار أو صياد على متن السفينة قلقاً ومنزعجاً للغاية، لذا اعتزمت ان ألقي مرساة السفينة الكبيرة وأن اشق عباب الامواج العاتية الى اليابسة في قارب اصغر حجماً. وفي طريقنا الى الساحل، ابصرت رجلاً في زورق يتقدم بجهد في العاصفة، سارعت صوبه لنجدته، وحينما شرعت في محادثته، بدت لغته الاسبانية جد غريبة حاولت ان اقنعه بأنه يجدر به أن يصاحبني في قاربي ويمكننا ان نقطر زورقه خلف قاربنا، عجز عن تفهمي في أي حال، لكنه ظل يقول: "اشكرك، اشكرك". في آخر الامر، صعد على متن قاربنا، ومضينا معاً الى جزر "دراي ترتوجاس" الواقعة قرب ساحل فلوريدا. حينما وصلنا الى اليابسة، بدا الرجل مندهشاً ومبهوتاً إذ أنه لم تكن ثمة مظاهر للحضارة. هناك قال لي: "ما من اميركي كان بوسعه ان يتصور مدى عزلة هذه المنطقة". لذلك سألته: "سامحني على التساؤل، لكن ما هي جنسيتك؟" قال: "أنا اميركي واقطن مدينة كايو هويسو كي وست في فلوريدا". واردفت: "اقصى الشرق"! ثم سألني الرجل: "هل لديك اي فكرة عن كيفية مغادرة هذا المكان؟ قلت له: "لا تقلق، هناك مركب تابع لحرس السواحل الاميركي يمر على مقربة كل ثماني ساعات، سأعينك على اطلاق اشارة". وقال الرجل: "حسناً لنتفق بعد ان تنهي رحلتك على ان نتلاقى مجدداً لتجاذب اطراف الحديث، افضل ان نتلاقى مجدداً في كوبا لاني اعرفها جيداً". وهكذا قلت: "دعني اعطيك عنواني" لكن الرجل رد: "افضل ان تقابلني في فندق امبوس موندوس خلال اسبوعين". في اقل من اسبوعين التقيته في الفندق. تكلم بلغة اسبانية فصيحة سريعة، قال انه يبتني مركباً ويحتاج الى قبطان، "لكن ليس اي قبطان، اريدك ان تكون قبطاناً لمركبي، الرجل الذي انقذ حياتي"، ولم اكن مندهشاً قلت: "موافق سأكون قبطاناً لمركبك". حدث هذا في عام 1935. عملنا معاً لفترة وجيزة، وبعد ذلك اندلعت الحرب العالمية الثانية، اخبرني هيمنغواي بأنه سيخوض غمار الحرب، وارادني ان اعده بأن اعتني بنفسي قلت له: "دعني ابوح لك بشيء، اينما ذهبت، سأمضي معك، وإذا وافتك المنية، فسأموت الى جانبك، والآن ليس ثمة ما يقال أكثر من ذلك". سألني هيمنغواي: "ما خطتك؟" اخبرته بالتالي: "سنكون جنباً الى جنب، لكننا نحتاج الى ان نغير اسمينا، لان كل الاسبان والطليان والانكليز يعرفون اسمك وهذا سيكون مشكلة عويصة، سيكون اسمك "بابا". وهكذا حصل هيمنغواي على اسمه الشهير، وقلت "وأنا سأكون شيئاً ايطاليا، غريوغوريني". وبهذين الاسمين خضنا غمار الحرب كي نصيد الغواصات الالمانية بعيداً عن الساحل الكوبي وكان كل شيء على ما يرام. كتب هيمنغواي كل كتبه على متن المركب، كان يفضل الكتابة على متن المركب، لكنه كان يراجع كتاباته ويعدلها في مطعم لا تيرازا، وتم تصوير فيلم "العجوز والبحر" هنا في هذه المنطقة بالاستعانة بصيادين حقيقيين. ذات مرة رحنا لنصيد في بيرو، ووقعت في شباكنا اضخم سمكة على الاطلاق، كانت تزن 1542 رطلاً، وفي عام 1956، كان هذا رقماً قياسياً سمكة مارلين سوداء، ظلت محفوظة في كوبا لاربعين عاماً، حتى عام 1996، وبعد ذلك استبدلوها بمنحوته ضخمة. كان هيمنغواي هو الصياد، وكنت اعنى بالمركب في حين كان هيمنغواي يصطاد السمك. كنا معاً نشكل ثنائياً عظيماً. كان له قلب كبير للاطفال والنسوة العجائز، وكان يمنح الناس هدايا على الدوام، لم يقم بدعوة احد الى مركبه للصيد مطلقاً، على أنه كان يقوم بدعوة الناس الى مركبه كضيوف، لكنه حينما يذهب الى الصيد، كان يفضل ان يركز في صيده وحسب. ترجمة: طاهر غانم