ذكرتني الضجة على المعانقة بين الشيخ صباح الاحمد وأبو عمار على هامش احتفالات عيد الوحدة اليمني أن ثمة اسباباً كثيرة للحزن على هذه الامة، وبعض شعوبها ولاؤه لوطن آخر قبل ولائه لوطنه، وبعضها الآخر منغلق على نفسه متقوقع، يلتزم وطنية شوفينية في زمن راحت فيه "موضة" الوطنية نفسها. غير ان اكبر اسباب الحزن عندي هو المعارضة العربية، فنحن من البلاد الوحيدة في العالم التي تبدو الحكومات فيها اكثر تفتحاً وانفتاحاً، واحياناً اكثر ديموقراطية، من المعارضة او الشعب نفسه. بعض الحكومات العربية متخلف، رجعي التفكير، وبعضها بوليسي قمعي، وافضلها يفتقر الى ممارسة ديموقراطية حقيقية. ومع ذلك فعندما تقارن بالمعارضة المتوافرة، تبدو افضل. لا احتاج ان احضر المناسبة التي اجتمع فيها الوزير الكويتي والرئيس الفلسطيني، لأعرف ان الثاني هجم على الاول معانقاً، وان ادب الاول وحسّه الوطني غلباه. الشيخ صباح الاحمد كان دائماً متقدماً على الشارع العربي، وبالتأكيد الكويتي، بسنوات، وهو كذلك في تقدمه على بعض البرلمانيين الكويتيين بعضهم لا كلهم. وهو عندما يعانق ابو عمار او لا يعانقه، يمثل الكويت وزيراً ونائباً لرئيس الوزراء، ويمثل رصيداص قومياً عمره عقود، ثم يأتي نائب فاز بمقعده بأقل من ألف صوت، وبفارق اقل من مئة صوت على خصمه الخاسر، وبفضل طائفته اولاً واخيراً، لينتقد شيخ وزراء الخارجية العرب. الشيخ صباح الاحمد كان اول من دعا الى الغاء عبارة "دول الضد"، وكنت شاهداً على سعيه لاعادة العلاقات مع الاردن قبل سنوات من تقبل الشعب الكويتي والبرلمان الفكرة. ولا اكشف سراً اذا قلت انني سمعت الشيخ صباح يشكو في صيف 1990، وبعد قمة ايار مايو المنكودة قبل ذلك في بغداد، من تصرفات الرئيس صدام حسين وغطرسته. وهو قال لي انه يخاف ان يؤدي غرور الرئيس العراقي الى كارثة، ولا اقول انه توقع كارثة من نوع احتلال الكويت، الا انه لم يخدع بالرئيس العراقي، وان عامله باحترام فقد كان ذلك واجبه كممثل لبلاده وازاء رئيس دولة عربية، هي في هذه الحال بالذات كبيرة وقوية وشقيقة. بكلام آخر، اعرف الشيخ صباح الاحمد منذ 30 سنة او نحوها، وثقتي بحكمته وحنكته وحسّه الوطني اساسها هذه المعرفة الشخصية، لا قرابة او جوار، واقول انه اذا عانق ابو عمار فهو مصيب، واذا لم يعانقه فهو مصيب ايضاً. اقول هذا وانا ادرك ان المعارضة البرلمانية الكويتية افضل من مثلها في بلدان عربية كثيرة. الاّ ان البرلمان الكويتي حرم المرأة حقوقاً حاولت الحكومة منحها لها، وخطا الى الوراء فيما خطت الحكومة الى الامام. لا اعتبر ان ما في العراق برلمان، واعضاؤه يهنئون الرئىس كل سنة بانتصاره في حرب الخليج. ولكن في مصر برلماناً حقيقياً يضم شخصيات واعية ناضجة. ومع ذلك فقد تابعنا في مصر محاولة حزب معارض منع كتاب، وموقف الحكومة المقابل في الدفاع عن الحريات، ولعلها المرة الاولى في تاريخ العالم الحديث الذي تطالب فيه معارضة بمزيد من الرقابة، وتصر الحكومة على ان الموجود يكفي. غير ان المعارضة الكويتية والمصرية، او اللبنانية والسورية، تصبح اسكندنافية في ديموقراطيتها مقارنة بمعارضة الارهابيين في الجزائر وغيرها، فهم يقتلون ابناء بلدهم ويدمرون اقتصاده، وقد يعتدون على اجانب من ضيوف هذا البلد، ثم يحاولون ايجاد الاعذار لجرائم او المبررات، مع انهم لا يستحقون غير ان يوضعوا في زنزانة يرمى مفتاحها في البحر ولعل القارئ لاحظ انني لم ادعُ لهم بأكثر من السجن مع انهم يتعاملون مع الرأي الآخر بالقتل. ماذا ازيد؟ لا اكتب مرة في موضوع اتناول فيه الدول العربية حتى اتلقى رسالة او اكثر تسألني لماذا لم اتحدث عن المملكة العربية السعودية. وأستبق هذه الرسائل، او اجهضها، فأقول ان السعودية مثل واضح على تقدم الحكومة العربية على المعارضة. ليس في المملكة العربية السعودية معارضة برلمانية بالمفهوم الغربي او احزاب سياسية. ومع ذلك فكل قرار تقدمي اتخذه الحكم من تعليم البنات وادخال التلفزيون، وحتى اليوم، وجدت له معارضة. والمعارضة المتخلفة النابعة من جهل تظل اهون من معارضة ارهابيين اساؤوا الى الدين وهم يدعون الانتصار له. واعود الى الشيخ صباح الاحمد، وزير خارجية كل العرب الذي تنطح له نائب ودعاه للاعتذار الى شعب الكويت، كأن الشيخ صباح يمكن ان يفعل ما يستحق اعتذاراً من شعب الكويت او اي شعب عربي. لم اكن سمعت، وانا صحافي، بالنائب عبدالمحسن جمال الا عندما طالب الشيخ صباح بالاعتذار. ولعل هذا كان جلّ قصده، وهو ينتقد رجلاً يعطي دروساً في الوطنية من قبل ان يدخل ذلك النائب الحضانة. وامام مثل هذه المعارضة تُحمل اي حكومة عربية على الاكتاف ويهتف بحياتها.