يعدّ كل من تبقّى من أهل فلسطين ومن نسلهم، وان منحوا الجنسية الإسرائيلية، وخضعوا لقوانين الدولة العبرية، خارج المجتمع الإسرائيلي، من وجهة النظر الصهيونية التي لا تفصل بين المواطنة والذات اليهودية. وقد سنّت الدولة قوانين اقتصر تطبيقها عليهم وحدهم فيما نظر اليهم على أنهم مجرّد جماعات متفرقة اعتبرت عشائر عرقية أو طوائف دينية مختلفة من مسلمين ومسيحيين ودروز، توجد على هامش الحياة التي هيّأت للمواطن اليهودي في الدولة العبرية. وهكذا، أصبحت اسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تعتبر الدروز عرباً تأكيداً منها للفوارق بين الطائفة وأهل الدين السائد، وذلك اعتماداً على التماهي الذي اعتمدته بين الإسلام والهوية العربية. وفي مجابهة سياسة التمييز العنصري هذه، ورداً على استخدام كل الوسائل لطمس الوحدة التاريخية والثقافية للشعب الفلسطيني، جاءت أهم المنجزات الإبداعية التي قدّمها جيل الفلسطينيين الذين نموا وراء أسوار الدولة العبرية على مدى نصف قرن، لتشهد هويّتها العربية، بغض النظر عن الخلفية الدينية لصاحبها، انها لم تعكس غير روح التضامن والالتفاف حول الهموم الوطنية ذاتها للشعب الواحد. ولربما تعتبر شهادة الفنان التشكيلي أسد عزّي من أهم هذه الشهادات، لا لأنه ينتمي الى الجيل الأول من الفنانين الذين ولدوا في وطنهم الأم بعد قيام الدولة العبرية فحسب، بل لأنه ينتمي الى الطائفة الدرزية أيضاً. ولد أسد عزي عام 1955 في بلدة شفاعمرو في الجليل التي اعتزت بلديتها باحتضان نصب فني نادر قام بتنفيذه الفنان الرائد عبد عابدي. وقد جاء خصب عزّي الإبداعي ليعكس تحدّياً ذا طبيعة مختلفة عن التحدّي الذي جاهرت به أعمال عابدي. وكانت خلفيّته الدرزية بمثابة النصل الذي أوقف عزي على شفرته مختلف الأعراف الفنية المتأصلة في الثقافة المهيمنة، إذ منحته هذه الخلفية، وفق اعتبارات التمييز القائم، فرصاً استثنائية جعل الفنان كلاً منها جبهة لمباغتة أهل الثقافة السائدة في المحيط الإسرائيلي. ومن خلال حرفته التقنية المتميزة، تمكّن عزّي أن يطرح عمله الإبداعي، كفضاء مساءلة أمام كل ناظر الى عمله، جاعلاً من تعدّدية أساليبه التي مارسها أحياناً في الفترة الزمنية الواحدة، لغة تعبيرية اعتمدت مكوناتها على التهجين المستمر لمختلف أنماط التشكيل. وقد كشفت لغته في التهجين عن ايقاع زئبقي تخلخلت بواسطته أنظمة التأويل التي أحاطت بالفنان، بقدر ما نجح اتقانها الفني في زرع بلبلة في الأوساط الفنية الإسرائيلية المهيمنة التي لم تقم نظرتها على أحادية الهوية العرقية فحسب، بل اعتبرت أي ابتكار في الفن المعاصر مجال احتكار خاص بها. استهل أسد عزّي مسيرته الإبداعية في مطلع الثمانينيات عندما كان في أواسط العقد الثاني من عمره وبعد أن تخرج من جامعة حيفا حيث تخصص بدراسة فن التصوير، إثر اتمام دراسته العليا في تاريخ الفن في جامعة تل أبيب. وكانت أولى المؤشرات التي لفتت الأنظار الى موهبة الشاب، مجموعة لوحات زيتية مثّلت مكوّناتها الرمزية صراع الإنسان مع قدره الظالم، وطاقة الفرد على الصبر والصمود في وجه جلاّديه. وقد اعتلت سلم رموزه التشخيصية في هذه المجموعة متوالية لصورة صيّاد الأسماك الذي كُتب عليه اكتساب لقمة عيشه من قلب بحر مروع، ومتوالية أخرى لصورة الإنسان الذي عُصبت عيناه وكُمم فاه وشدّت أطرافه ودُقّت أعضاءه بالمسامير، فيما أشارت ايماءة جسده المصلوب الى أنه صاحب عزّة لا تقهر. وقد تلت متواليات هذه الأعمال الرمزية التي تميزت بموضوعها البياني المباشر سلسلة أعمال ارتفع بها عزّي الى مستوى الإيحاء والمجاز بحيث أصبحت مكونات مادته التصويرية بحد ذاتها أداة مجازه. وقد تمحورت الأعمال التشخيصية التالية حول موضوع الأم والإبن، هذا الموضوع الذي سبق أن لاح في متواليات الأعمال الرمزية السابقة حيث اشتملت إحداها على صورة أم بصحبة رضيعها على شاطىء البحر وقد حمل الطفل وردة في شكل صليب. أما متواليته التي تصدّرها موضوع الأم وابنها، وان بدا تكوينها أنه مستعار من التراث الأيقوني المسيحي لصورة العذراء مريم وابنها الناصري، إلا أن عزّي اختار لأيقونته المعاصر أن تمثّل الأم اعتماداً على ملامح والدته الريفية، كما اختار لملامح الابن تفاصيل ملامح الفنان ذاته. ومن خلال هذه الأيقونة المعاصرة التي صوّرها عزّي، تمكّن الفنان أن يجعل من فضاء لوحته ترجمة للمجاز الذي شاع في الشعر الوطني الفلسطيني الذي ربط بين الأمومة والأرض وبين الذات والأرض الحبيبة. وقد تجسّدت هذه الترجمة على صعيد الأداء التشكيلي في لوحة عزّي بحيث كشفت كتل الجسد المصوّر وملمسه الخشن عن كثافة معجون لوني هو أقرب الى محاكاة طين الأرض وملمس ترابها، من محاكاة البشرة الآدمية وملمسها، فيما تبلورت أيقونية العمل من خلال غياب الجسدين المتلاصقين في سطح البعد الواحد. وفي الفترة التي أنتج فيها عزّي متوالية الأم والإبن لم تقتصر أعمال الفنان على تجسيد العلاقة المجازية بين الأم والإبن بل قام أيضاً بتحقيق لوحات مستقلة لكل من الإثنين اتسم كل منها بمكوّنات أيقونية مبتكرة. وبالقدر الذي تجلّت في لوحة الأم ملامح مريم فلسطينية كهلة، وقد اكتست ببياض الوشاح، وبياض الثوب وسط فضاء يشع بلون التراب الذهبي الذي تماثل مع لون بشرة الأم المتجعّدة ضمن سطح البعد الواحد، فقد جاءت صورة عزّي الذاتية بلطخات فرشاتها لتجسّد نورانية لونية تماهت عبرها ملامح الرسام الملتحي بصورة الناصري، كما تخيّله الفنانون الغربيون في لوحاتهم. أما رقم 5375494 الذي كرر عزّي ادخاله في تكوين الكثير من لوحات صورته الذاتية، فقد أضفى بُعداً آخر على أيقونة ابن مريم المعاصرة، إذ بدا تكرار الرقم بمثابة ترجمة بصرية لإيقاع الترداد البياني في الشعر الوطني الفلسطيني. فمقابل تهميش المواطن العربي الى مجرّد رقم في السجلات الإسرائيلية، كان الشاعر الفلسطيني قد قام بتحويل موضوع تهميشه الى ترديد اعتزازه بهويته المهمشة، وتحدّي الحاكم الصهيوني في تواصل صموده على الأرض. وبواسطة هذا الإيحاء الغرافيكي الذي يستعيد صدى الشعر الوطني، لم يوثق عزّي التماهي بين ابن مريم والذات المبدعة فحسب بل بدا الفنان وكأنه يهب عيسى الناصري رقم بطاقته الشخصية. وفي متوالية من الأعمال الأخيرة التي أطلق عليها عنوان "المسيح" نشهد كيف قام أسد عزّي بتوسيع مضمون استعاراته من المخزون المسيحي، لا ليظهر تحيّزه لمصوّرات دينية معيّنة، بل ليعبّر بواسطة طاقاتها المجازية على شمولية الإيحاء في عمله التشكيلي. ففي لوحات متوالية "المسيح" استخدم عزّي صورة فوتوغرافية التقطت لرجل ريفي ملتحٍ قادم باتجاه المشاهد وهو راكب حماره. ود نقل عزّي الصورة على القماش بواسطة طباعية تغيّر وضعها وحجمها في كل لوحة من المتوالية بحيث بدا راكب الحمار ضمن أبعاد متفاوتة من سطح اللوحة. وفي كل مرّة خرج الريفي وحماره من شبكة متصالبة من الخطوط التي خططها عزّي، أو تراجع شكلهما ضمن خطوط الرسم المنظوري التي اخترقتهما من دون أن يدل اتجاهها على أية نسبة معيّنة في البعد، حتى كاد التباس حركة اقدام الرجل الذي يحدق فينا وخطوط أبعاده، أن يغوي الناظر بالاقتراب من العمل. وما أن يتم الاقتراب حتى يتبدد أمام المشاهد شكل الرجل وحماره ويستوي الرسم في بعد سطح رصاصي واحد يتلاشى بدرجات متفاوتة وراء غشاوة ضبابية من اللون الشفاف. وفي محيط الصورة الفوتوغرافية أو في قلبها، قام عزي بتخصيص طرف هندسه بتفاصيل إيحائية مهجنة شملت تارة ما يشبه الرقط في كوفية الفلسطيني، وتارة أخرى ألصق شكل حجاب مطرز وقد تدلت منه الصلبان المذهبة. وفي عمل آخر من المتوالية ذاتها، ركز عزي تفاصيله على المساحات المحيطة بالصورة الفوتوغرافية ليغمرها بالزخارف الإسلامية، فيما قام في لوحة أخرى بإحاطة شكل القادم على الحمار بهالة ساطعة من البياض وقد أبرقت أطرافها بلون أزرق صارخ. أما هذا الالتباس في الفضاء المهجن الذي يصحب التباسه في تسمية المتوالية، فيستفز الناظر الى التحري عن مقصد التهجين في العمل الفني ويستحثه لأن يتساءل ان كانت الصورة المعاصرة للريفي الفلسطيني المجهول تمثل صورة المسيح الذي ينتظره اليهود، أم أن الفنان سعى من خلالها أن يستعيد أيقونة عيسى ابن مريم الذي صوره الأيقونوغرافيون المسيحيون داخلاً بوابة القدس على ظهر حمار وقد استقبله أهل المدينة بأغصان النخيل. هذا الاستفزاز الفني الجريء الذي تثيره متوالية أسد عزي بناء على خلخلة الحدود بين الإشارات والرموز الدينية ومن خلال تسخير تماهيها في صورة فوتوغرافية عابرة، نراه مجدداً في متوالية أخرى بعنوان "العروسان" تتوسطها صورة فوتوغرافية خاصة بعروسين عربيين. وإذا كان عزي قد أدخلنا في التباسات متوالية "المسيح" ضمن أبعاد المكان بواسطة الإيحاء بحركة الريفي القادم باتجاهنا في الصورة، ففي متوالية "العروسان" يدعونا الفنان للدخول في أبعاد الزمان بواسطة السكون الذي فرضته طبيعة الصورة التذكارية المنتزعة من ألبوم صور عائلية طالما احتفظ بها أهل المدينة. وفي استعادته لهذه اللحظة الاحتفائية للعروسين، بدا عزي في رسمه الرصاصي لهما وكأنه يسعى لاستخراج آثار شابين عربيين من صورتهما التذكارية. أما خطوط الرسم غير المكتملة في بعض لوحات المتوالية، أو التي وان اكتملت في غيرها يكاد الرسم أن يغيب بأكمله تحت طبقات من المسحات اللونية، فبدت وكأنها تعكس لحظة لم تكتمل في تاريخ علاقة حميمة لمجهولين في مقتبل العمر، أن كأنه تستشف خيوط حلم عائلي محاه ما أتت به السنون. وتبدو شبكة الخطوط المتصالبة التي تخترق شكلهما المتعاضد وكأنها الفضاء المنتظم الذي تراءى للعروسين الواثقين من قرارهما لحظة التقاط الصورة. وقد أحاط عزي الجسدين المتلامسين بتفاصيل غير مكتملة لتشكلات أطفال واشارات مبهمة كالأسهم والدوائر والزخارف والأحرف العربية، وكأن كلاً من هذه التفاصيل لم يمثل أكثر من خيط حلم في دفتر أحلام أي شابين في حال الخطوبة. وفيما يدرك المشاهد العربي للوحات هذه المتوالية ما حل بأحلام مثل هذين العروسين نتيجة استئصال حياتهما بعد الشتات، إذ يدل لباس الزفاف الغربي الذي يعود طرازه الى عهد الانتداب البريطاني في فلسطين، أن هذه الصورة تعود الى عهد الانتداب، يدرك هذا المشاهد ما لم يدركه الشابان لحظة التقاط الصورة، ويرى من خلال نظرتهما الشاردة ورسم شكلهما الباهت، كيف تفكك حلم جيل من الشباب في عمرهما كما تفككت خيوط الرسم المحيط بالعروسين، أو كما كاد أن يتلاشى شكلهما اليافع تحت ضربات الفرشاة. أما المشاهد اليهودي الإسرائيلي فمطلوب منه وهو ينظر الى متوالية "العروسان" أن يساءل ما نشأ عليه من معتقدات حول ابن البلد العربي في ثقافته السائدة، فقد طالما اختار الصهيوني اراحة ضميره بإسدال ستار دامس حجب حقائق الفاجعة التاريخية التي أوقعها بأهل المدن الفلسطينية، علاوة على ما أنزل بأهل الريف من كارثة انسانية لإقامة دولته العبرية. وقد اكتنف القوالب الذهنية المهيمنة في الثقافة السائدة بألا يتعدى بعد المواطن العربي في المجتمع الإسرائيلي غير ظل تابع لأقلية متفرقة من الريفيين الذين احتمل وجودهم في حدود هذه الدولة، بصفتهم جماعات فولكلورية سمح لطائفة الدروز أن تتربع على رأسها. ويأتيهم ابن شفا عمرو الدرزي والذي ولد بعد قيام هذه الدولة، ليذكر جاره اليهودي بما اختار نسيانه حتى الآن، وهو أن العروسين العربيين في مثل هذه الصورة التذكارية لا يختلفان في لباسهما ولا في أحلامهما عن أمثالهما ممن وفدوا الى البلاد لتهويدها. وان الملامح الشفافة لذلك الآخر في الصورة الفوتوغرافية ما هي غير ملامح ابن المدينة العربي وابنة شواطئها اللذين أزيلا من الذاكرة اليهودية في حين برر الفكر المهيمن براءته من مسؤوليته التاريخية. أما فضاء العروسين الممحو في اللوحة فما كان غير مرآة لجوهر المأساة الإنسانية المستمرة التي طالما اختار الصهيوني أن يغمض العينين عنها. ولكي نلم بتشعب اللغة الهجينة التي صاغها عزي ببراعة تعبيرة نافذة وابتكر بواسطتها أداة مقاومته الشرسة لما ترسخ في الثقافة المهيمنة حوله، لا بد لنا من العودة الى سلسلة الأعمال التي أفضت الى متواليتي "المسيح" و"العروسان" والتي طغى عليها عنصر التزيين. ففي هذه السلسلة من الأعمال، طفحت اللوحات حيناً بمركبات هجينة من النقش الزخرفي والتخطيط الهندسي والتلوين الزيتي، وحيناً آخر بمركبات مجسمة بدت فيها اللوحات كالنوافذ البيتية التي لا تطل على الفضاء الخارجي للمكان وإنما تكشف لنا فضاءات داخلية تماهت مع فضاء البيت الشعبي. وضمن إطار هذه الفضاءات، يختلط ايقاع رسم النباتات والطيور المؤسلبة المستوحاة من النسيج الدرزي مع تكرار وحدات التوازي في التزيين الأوروبي. وأحياناً أخرى، تبدو اللوحة وكأنها الكوة الريفية برفوفها المرقطة ومقرنصاتها الإسلامية، وتستعيد زخرفتها المجسمة الفتنة الشعبية الكامنة بتشكلات صندوق العجائب. وقد وظف عزي شغفه الخاص بالشكل المجسم كي يجعل منه ايقاعاً معاضداً لتصويراته بحيث أدى تجاور الزهور المؤسلبة بما ألصقه عزي على سطح اللوحة من جدائل الخيوط الملونة الى الإيحاء بالعلاقة المجازية بين المرسوم والمجسم. أما الألوان التي استخدمها في سلسلة أعماله التزيينية هذه، فقد تقلبت بين مجموعة متقدة بالألوان النارية والنيلية والبنفسجية الزاهية، ومجموعة اتسمت بألوانها الغبارية والسماوية. وفي كلتا المجموعتين لاحق عزي هبات ألوانه بمسحات شفافة من اللون الأبيض بحيث بهتت سطوح الأعمال وكأن للزمن يداً في محو التوهج الأصلي لتشكلاته الهجينة. وفي لمسات من اللون الرقيق فوق اللون ذاته، والأبيض فوق الأبيض، خلق عزي فضاء بين ظاهر مرئي وغائب مبطن تكامل فيه الشكل المرسوم والشكل الممحو. وبدا كل ما يرى وما لا يرى من آثار لونية على القماش وكأنه آتٍ من ذاكرة محلية كلما مر الزمن عليها كلما نضرت معالمها الغبراء. وهكذا بدت المسحات المتتالية لألوان عزي في أعماله التزيينية ومركباته التشكيلية، متطابقة مع استعارته للصور الفوتوغرافية القديمة في متتالياته اللاحقة. أما هذه التقنية التي سخرها في استعاداته الإبداعية للزخارف المحلية، فلا تعبر عن "حنين" يسترجع فيه الفنان غياب الإنسان وما "اختفى" من آثاره الثقافية المحلية التي ولّت، كما يحلو للناقد الإسرائيلي أن يراها، بل هي - كما أفصحت لنا أولى لوحات عزي الرمزية والبيانية والأيقونية - وسيلة لتوكيد حضور الإنسان الفلسطيني، وتواصل ارتباطه بمكانه الرحمي. وتأتي لوحاته التي تعج بالزخارف المستعارة، تكريماً لاستمرارية الحياة التي أورقت بين أيدي الحرفي التقليدي. فإن كان أجداد عزي قد أسهموا في أسلبة تشكلات الطبيعة من حولهم وادخالها في كل ما لمست أيديهم من نسيج وقش وخشب ومعادن، فها هو ابنهم يتابع حياة هذه التشكلات في فضاءات جديدة بلورها بواسطة كل ما وقعت عليه يداه. وفي تهجينه الدائم لكل الروافد التقليدية في التراث الفلسطيني من منجزات شعبية أو حضارية، أكانت مسيحية الأصل أو إسلامية أو درزية، وصهرها بحرية إبداعية نادرة ضمن مراجع فنية أعجمية وأوروبية، عزز أسد عزي الحضور المنفتح للعربي الذي استقى ثقافته من تراث البحر الأبيض المتوسط والذي تميز عبر تاريخه بانصهاره في حضارات العالم المحيط. ومن خلال ابداعه المستمر، واصل ابن البلد العربي تفجيره لدعائم الفكر الصهيوني السائد حوله والذي تأسست دعائمه بناء على أحادية الجنس والعرق، هذه الأحادية العرقية التي بإسمها حلل اغتصاب أرض الغير ووطنه. * اقتبس هذا النص من كتاب: "استحضار المكان: دراسة في الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر" للفنان والباحث الفلسطيني كمال بلاطه. وسيصدر الكتاب هذا العام عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس.