المهرجان الأول للأغنية العربية المصورة الذي أقيم في "كازينو لبنان" ونظمته شركة "فير أند أفير" العالمية. وحفل المهرجان بعلامات استفهام طالت الشكل، والتمثيل الفني للبلدان العربية، والأغنيات المختارة وعلى رغم أن هذه التساؤلات لم تلغ ريادة فكرة المهرجان وهو الأول من نوعه في البلدان العربية، فإنها تستدعي التوضيح ولفت النظر اليها. ونبدأ من مقدمي الحفل رلى بهنام ووسيم المنديل تلفزيون المستقبل اللذين بدوا كدميتين متحركتين خاليتين من العفوية وسرعة البديهة وظهرا في أحسن الأحوال كتلميذين يتلوان درسهما الذي أعدهما لهما آخرون، وبالتالي عجزا عن مد الحفل بالحيوية اللازمة. من ناحية أخرى، ارتكب المقدمان هفوات لا تغتفر فقد أعلنا مثلاً عن استقبال المطربة مليحة التونسية، التي لم تظهر على رغم عزف الفرقة الموسيقية لازمة أغنيتها مرتين، وعوضاً عنها عاد المقدمان ليعلنا استقبال المطرب عبد الرب إدريس، وتبين أنهما أخطأ في البرنامج مما سبب جواً من الارتباك الواضح أثار ضحك الجمهور. هفوة أخرى تكررت مرات أثناء توزيع الجوائز على الفائزين، فلا يذكر المقدم اسم متسلم الجائزة ومركزه إلا بعد عودته الى مقعده بين الجمهور هذه الملاحظات "الشكلية" على بساطتها أساءت الى مستوى الحفل لا سيما في نظر الضيوف الذين قدموا من الدول العربية. وأثبت سياق المهرجان أن المبدع قد كتب له دوماً ضياع حقه في التكريم الذي يؤول الى شخص سواه، وهو غالباً صاحب رأس المال. فقد تم تقديم جوائز أفضل فكرة، تصوير، مونتاج، اخراج ومؤثرات خاصة، وفي الجوائز الخمس لم نعرف من هو صاحب أفضل فكرة ومن هو المصور الذي أبدع مشاهد الأغنية ومن الذي ولّفها ونسّقها و"منتجها" ومن أخرجها ومن الذي لعب بالمؤثرات الخاصة وعوضاً عن ذلك نال الجائزة التكريمية ممثلو الشركات المنتجة. هذا الأمر يدفع الى لفت نظر المنظّمين الى ذكر أسماء التقنيين وتكريمهم شخصياً، في المهرجانات المقبلة لأنهم هم المبدعون والخلاقون الحقيقيون على رغم أهمية رأس المال ودوره. ووصولاً الى تمثيل الدول العربية، فقد برز غياب عدد كبير من المطربين والمطربات العرب من ذوي التجارب المميزة في مجال الأغنية المصورة. والواقع أن عدداً لا بأس به من مطربي لبنان ومصر "اعتكف" عن المشاركة في وقت كان الحضور الخليجي طاغياً وكثيفاً، وقبل التوسع في أسباب هذا الغياب لا بد من الإشارة الى امتناع المطربة التونسية لطيفة العرفاوي عن حضور المهرجان بعدما عبرت لدى حضورها الى "البروفة" عن اعتراضها على الفرقة الموسيقية بقيادة إيلي العليا معتبرة" اياها سيئة لأنها عاجزة عن اعطاء الايقاعات الخليجية. علماً أن لطيفة كانت ستؤدي أغنية مصرية بعدما رفضت طلب المنظمين أن تؤدي أغانية مغربية، وبالتالي لا حاجة لها للإيقاعات الخليجية. في المقابل، أبدى المطرب الكبير عبد الرب إدريس رضاه الكامل عن عزف الفرقة التي أبلت حسناً أيضاً في عزفها أغنية "ما أروعك" للمطرب الكويتي نبيل شعيل الذي لم يحضر أي بروقه لكونه عاد من اداء فريضة الحج ثم مرض ولازم فراشه، وحضر في اللحظة الأخيرة. ضمن هذا الإطار، أسرّت مصادر ثقات ل"الحياة" هي قريبة من المنظمين بأن "العلاقة الفنية المتوترة بين المطربة لطيفة والمطرب كاظم الساهر و"حدس" لطيفة بأنه سيفوز بالجائزة الأولى أمران دفعا المطربة التونسية الى التمنع عن المشاركة، علماً أن "أغنيتها "كرهتك" فازت بجائزة أفضل مونتاج. وتصف المديرة العامة لشركة "فير أند أفير" أمل جهشان تصرّف لطيفة ب "المتهور" معتبرة أنها "أساءت الى بلدها الأم تونس والى المغرب العربي فلم تؤد رسالتها كفنانة، مما دفع المنظمين في اللحظة الأخيرة الى الاستعانة بالمطربة مليحة التونسية التي أبدت استعدادها للغناء كرمى عيون تونس". أما "الخضة" الكبرى، فتمثلت في غياب معظم الوجوه الغنائية المصرية واقتصار المشاركة على محمد منير وهاني شاكر وأنغام. هذه المقاطعة المصرية اللافتة للمهرجان تعود حسبما أفضت مصادر ل"الحياة" الى سببين: الأول، طلب بعض المطربين تقاضي أجر لقاء مشاركتهم يضاف الى بطاقات السفر وتكاليف الفندق والتنقلات التي تكفلت بها شركة "فير أند أفير" مع المؤسسة الراعية للمهرجان. والثاني تضامن القسم الأكبر من هؤلاء مع بعض شركات الانتاج المصرية التي نددت باختيار بيروت عوضاً عن القاهرة لإقامة المهرجان وقد دعمتها الصحافة المصرية التي شنت حملات واسعة في هذا السياق وتضامن معها مطربو مصر. أما بالنسبة الى الحضور اللبناني، فقد غابت وجوه فنية معروفة إذ "اعتبرت نفسها أعلى وأهم من أي تقييم، أو أنها طلبت الاجتماع مع لجنة التحكيم التي اشترط عليها عدم الاتصال بأي فنان مشارك". أما نوعية الاغنيات المختارة فإنها جيدة في شكل عام وقد خضعت لتدقيق لجنة تحكيم ضمت اسماء معروفة فنيا، المخرج حسين كمال الكاتبة عائشة أبو النور مصر، المخرج نجدت أنزور سورية، المخرج رشيد فرشيو تونس، المخرج عبدالخالق الغانم، الكاتبة انتصار العقيل السعودية، وليد غلمية وغازي قهوجي لبنان. وعلى رغم ذلك لا يمكن التغاضي عن أن اختيار الأغنيات خضع وإن بصورة غير مباشرة للضغوط التي مورست على المهرجان وتجلت خصوصاً في امتناع عدد كبير من المطربين العرب عن المشاركة. وبالتالي جاء فوز أغنية محمد منير "سيّا... سيّا". بجائزة أفضل مؤثرات خاصة كأنه فوز بالتزكية نظراً الى شبه الغياب الكامل للمشاركة المصرية. والأمر سيان بالنسبة الى فوز أغنيتي "طول عمري بسمعهم" لعاصي الحلاني و"بياع القلوب" لفضل شاكر بجائزتي أفضل فكرة وأفضل تصوير نظراً الى غياب معظم الفنانين اللبنانيين عن المهرجان، أما فوز أغنية "أنا وليلى" للمطرب كاظم الساهر بالجائزة الأولى 50 ألف دولار فقد فاجأ بعضهم نظراً الى تصوير الأغنية في نهاية عام 1997 بينما كان المنظمون قد حددوا تاريخ تصوير الأغنيات المشاركة بعام 1999. وقد خالف هذا الشرط عدد كبير من الأغنيات المشاركة في المهرجان. وأخيراً ربما كان من المفيد، استحداث جائزة أفضل كلمات وأفضل لحن في المهرجانات المقبلة مساهمة في تطوير الأغنية العربية ورفع مستواها على صعيدي الشكل والمضمون.