حملت عودة برنامج «الاتجاه المعاكس» على «الجزيرة»، عناوين طموحة. فمن حلقة موضوعها «خرافة الجماعات المسلحة في سورية» الثلثاء الماضي إلى «هل ما زال النظام السوري صالحاً للحكم؟» في الحلقة الأخيرة، لم يخب أمل المشاهد المنتظر «لمعارك» تليق بالعناوين. يلقى البرنامج إقبالاً شعبياً، وربما «افتقده» كثر في فترة غيابه حين توقفت البرامج على القناة بهدف تكريس جل الوقت للحديث عن الثورات العربية. وكانت عودته المكرسة لسورية على العهد من حيث الانصراف إلى تسجيل النقاط والضربات بدلاً من الحقائق والإثباتات. ففي جو ساده الصراخ وتبادل التهم والإهانات التي تليق ب «خناقة» في الشارع بين من لا يعرف كلمة حوار، ضاع المتفرج بسبب الضجيج والمقاطعة بين المتحاورين أنفسهم وبينهم وبين المحاور بحيث إن حصل ووردت عبارة ما تستحق الاستماع، فإن اختلاطها مع سباب الخصم ومحاولته طمسها كان يشتت تركيز الجميع من الجمهور إلى الثلاثي التلفزيوني المقدم والخصمين. في برنامج اختفت فيه أدنى شروط الحوار، مع ممثلين معارضين ومؤيدين للنظام السوري لم يسمع بمعظمهم أحد، فلا يكفي أن يكون المرء كاتباً وباحثاً ليكون ناراً على علم ( فأين يكتب وبماذا يبحث؟!)، كانت تأكيدات فيصل القاسم (المعد والمقدم، لمن لا يعرف) الملحة على عدم الانحياز إلى أي من الطرفين تثير هي الأخرى نوعاً من عدم الارتياح. فلِمَ هذه التأكيدات اللجوجة؟ حرص القاسم مرات على إبراز موقفه هذا وحين كان يطرح سؤالاً «خطيراً» فيه الكثير من الحقائق أو الاتهامات الملفقة كان يلحقه بالقول: «ما أنا بقول هيك، هم بيقولوا» أو «لست مع هذا أو ذاك». صحيح أن دوره كإعلامي يفترض منه الحياد لكنه ليس بحاجة إلى الإشارة إليه باستمرار إلا إذا كان يخشى حقاً أن ترشح ولو أدنى إشارة إلى ميوله الشخصية. لم يسلم البرنامج من انتقادات لاذعة على شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت منبراً لتعليقات مثيرة في طرافتها في بعض الأحيان. فبعد حلقته الأولى تلك تساءل بعضهم عن حقيقة موقف القاسم من الثورة السورية ونعوا «المهنية الإعلامية» كونه أتى «بمعارض لم يسمع به أحد» ومؤيد «ماسح حذاء النظام...». وفي الحلقة الماضية انهالت التعليقات الساخرة على المؤيد للسلطة السورية بعد ترديده طوال الوقت لحصول مؤامرة مؤكدة وجلية وواضحة تتعرض لها سورية، فتعرض بدوره «لمؤامرة» الكرسي في نهاية الحلقة حين وقع من على كرسيه. وظهر مونتاج فيديو له على الشبكة وهو يقع مرفق بأغنية شعبية مصرية «ما بحبش الكراسي...». البرنامج كان في المرتين كمسرحية هزلية سوداء تثير الابتسام في الكثير من الأحيان، وأتت التعليقات دقائق بعده على الإنترنت لتزيده طرافة، وشر البلية ما يضحك.