اعتبر عمر كوش في "الحياة" الاثنين 27 آذار/مارس 2000أن كتابات النهضويين العرب تضمنت بدايات الوعي العربي المعاصر بمفهوم حقوق الإنسان. إن ذلك على صحته بحاجة الى مراجعة أشمل وأدق تتعلق بطبيعة ما يسمى الاكتشاف العربي لمفهوم حقوق الإنسان، فإذا أردنا أن نرصد بداية الوعي العربي المعاصر بمفهوم حقوق الإنسان، فإن تلمس ذلك إنما يتم من خلال النصوص الأولى لدى رواد النهضة العربية الحديثة، الذين شكّلوا بداية الاحتكاك العربي - الغربي ما مكنهم من التعرف على الإنجازات الغربية الحديثة في ميادين السياسة والاجتماع والتكنولوجيا وغيرها من العلوم. لقد خلقت البعثات الديبلوماسية والعسكرية والجامعية والتجارية الأولى التي تعرف فيها العرب على الغرب الانبهار لدى أصحاب هذه البعثات بالتقدم التكنولوجي والنظم السياسية الراقية في الغرب، مما دفع أمثال الطهطاوي وخير الدين التونسي وابن أبي ضياف ومحمد السنوسي ومحمد بيرم الخامس، الى البحث عن أسرار نجاح أوروبا، ووصلوا في النهاية الى الربط بين الظاهرتين: أي ظاهرة التقدم التكنولوجي وظاهرة حسن التنظيم السياسي، ورأوا أن ازدهار أوروبا مترتب عن نزوعها الى العدالة وحسن نواميسها السياسية. وهكذا أعجبوا بحماية الحقوق وحرية العقيدة والتعبير، كما تتجسد في الدساتير والنشر والصحافة، إلا أنهم، وبحكم مرجعيتهم الفكرية والفلسفية استشفوا من إعجابهم أسس فكر الغرب المبنية على العقلانية والعلمية، فلم يَسْلَمُوا، هم أيضاً، من الوقوع تحت سيطرة رواسب ثقافية تقليدية، ولم يخامرهم الشك في أن تلك الثقافة بما تحمله من نظرات الى الإنسان والكون، من أهم عوائق التقدم الذي يصبون إليه. كما عبَّر عمارة بن رمضان. وإذا عدنا الى نصوص رفاعة رافع الطهطاوي 1801-1873م في كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" نجده يتحدث عن حق الفرنساوية المنصوب لهم ويبدأ في عرض الدستور الفرنسي في تلك الفترة 1831 الذي ضمن حقوق الفرنسيين. فالمادة الأولى تنص على أن سائر "الفرنساوية" مستوون قدام الشريعة، والمادة الخامسة تنص على حرية العقيدة، والمادة الثامنة تنص على حرية الرأي والتعبير لا يمنع إنسان في فرنسا أن يظهر رأيه، وأن يكتبه، ويطبعه، بشرط أن لا يضر ما في القانون، فإذا ضر أزيل، ثم يتحدث عن حقوق الناس التي يضمنها الديوان. فضلاً عن ذلك، فإنه يخصص فصلاً خاصاً بعنوان في الإنسان وإن قراءة عناوينه الرئيسة لتوحي بمضمونه بشكل كبير في الإنسان كحيوان ناطق، في سلطان الإنسان على ما عداه من المخلوقات... في المساواة الإنسانية...، ولا بأس في أن ننقل نصه هنا لنترك التعليق عليه في ما بعد: وإذا أنعمنا النظر وأمعنا الفكر في تنظيم بنية الإنسان وتركيبه القويم، وخلقه في أحسن تقويم، وتأملنا أوصافه الجسمية وفضائله العقلية، تبين لنا أنه مخلوق من أصل فطرته بعقله وحسه لأنه يعيش بالتآنس والاجتماع مع أبناء جنسه، وأن قوته البشرية تميل الى الاحتياج الى غيره. أما حديث الطهطاوي عن الحرية فحقوق جميع أهالي المملكة المتمدنة ترجع الى الحرية، فإنه يقسمها الى خمسة أقسام، الحرية الطبيعية وهي التي خلقت مع الإنسان وانطبع عليها، والحرية السلوكية والتي هي حسن السلوك ومكارم الأخلاق، والحرية الدينية وهي حرية العقيدة والرأي والمذهب، والحرية المدنية وهي حقوق العباد والأهالي الموجودين في مدينة، بعضهم على بعض، والحرية السياسية وهي تأمين الدول لكل أحد من أهاليها على أملاكه الشرعية المرعية، وإجراء حريته الطبيعية من دون أن تتعدى عليه في شيء منها، فهذا يباح لكل فرد أن يتصرف في ما يملكه جميع التصرفات الشرعية. لا حاجة بنا الى القول بعد ذلك إن الطهطاوي كان مدركاً للأصل الفطري للإنسان، لذلك فهو يخاطبه مجرداً عن معتقده ومذهبه وملَّتِهِ، وما عناوين الفصل السابق وكلامه عن الحريات وأقسامها وخصوصاً الحرية المدنية والسياسية إلا لتدل دلالة موحية على أننا نستطيع أن نعثر لدى الطهطاوي على مفهوم للإنسان مجرد بذاته، وعلى خطاب أنشئ حول الإنسان بغض النظر عن جنسه أو عرقه، وإذا استكملنا قراءة نصوصه فإننا نعثر على فصل قد عقده للحديث عن حقوق المواطن، ولا شك أن ذلك مستوحى بشكل أو بآخر من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الذي أعلن في فرنسا عام 1789. وإذا انتقلنا الى خير الدين التونسي 1889 الذي كان معاصراً للطهطاوي وعصره، وكانت كتاباته مشابهة لكتابات الطهطاوي، ودافعا عن منهج واحد يقوم على أساس الدفاع عن الاستفادة من المؤسسات السياسية الغربية، وتعتبر مقدمة كتابه "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" حجر الزاوية في تجربة النهوض في المرحلة السابقة للهيمنة الاستعمارية، لقد وضعت هذه المقدمة بحسب دارسها ومحققها الدكتور معن زيادة، وضعت الأسس النظرية للتحديث والتجديد، لذا استحق عليها صاحبها اسم "أبو النهضة" لأنها كانت بمثابة الباب الواسع للدخول الى العصر الحديث. وهكذا نجد التونسي يبدأ مقدمته بالدعوة إلى أن أسباب العمران لا تتأسس إلا على دعامتي الحرية والعدل وأن الظلم مؤذن بخراب العمران. ويعتبر الحرية أصلاً سامياً، ويرى أنها تقسم الى قسمين رئيسين: الأول هو الحرية الشخصية وهو إطلاق تصرف الإنسان في ذاته، وكسبه مع أمنه على نفسه وعرضه وماله، ومساواته لأبناء جنسه لدى الحكم، حيث ان الإنسان لا يخشى هضيمة في ذاته ولا في سائر حقوقه، ولا يحكم عليه بشيء لا تقتضيه قوانين البلاد المتقررة لدى المجالس، وبالجملة فالقوانين تقيد الرعاة كما تقيد الرعية. أما الثانية فهي الحرية السياسية، وهي تطلب الرعايا التداخل في السياسات الملكية والمباحثة في ما هو الأصلح للمملكة. ثم يتحدث عن حرية المطبعة والمقصود هنا حرية التعبير وهي أن لا يمنع أحد أن يكتب ما يظهر له من المصالح في الكتب والجرنالات التي تطلع عليها العامة، أو يعرض ذلك على الدولة والمجالس ولو تضمن على سيرتها. مما سبق نجد بشكل واضح أن تعريف الحرية الشخصية إنما هو مستمد بشكل أو بآخر من سياق المفهوم القانوني الحديث لحقوق الإنسان، مما يعكس لدى التونسي كما لدى الطهطاوي من قبله ليس اطلاعاً على إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي فحسب، بل وإعجاباً به لدرجة الدعوة الى تبني بنوده والمطالبة بالعمران البشري في البلاد الإسلامية على أساس من الحرية والمساواة والعدالة كما هي الشعارات التي رفعتها الثورة الفرنسية 1789. أما إذا انتقلنا الى تيار الإصلاح الديني وعلى رأسه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده فإننا لا نحصل لديهم على فهم، وإن كنا نجد لديهم الدعوة الى الشورى ورفض الاستبداد مما يعد إحدى الركائز الهامة في تحقيق دولة حقوق الإنسان مخصوص لحقوق الإنسان، ألا وهي الديموقراطية، ومرد ذلك في رأيي يعود الى طبيعة الظروف والتغيرات التي عاشاها، فالفترة التي قضياها من أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي كانت فترة المد الاستعماري المهيمن بكافة أشكاله، لذلك حملوا على أكتافهم عبء التنوير بضرورة التخلص من الهيمنة والاستبداد، لكي تحصل الشعوب على حقها الطبيعي في الحرية، وليس صعباً تلمس ذلك لدى كليهما، فالأفغاني حين يدعو الى الاستقلال ويرى أنه إذا صح أن من الأشياء ما ليس يوهب، فأهم هذه الأشياء الحرية والاستقلال، إنما يؤكد على حق الشعوب أن تعيش بحرية وكرامة. والأمر نفسه نجده لدى محمد عبده حين كان يدعو الى العدل والشورى ورفض الاستبداد وحرية الفكر والتجديد، وإن كان يمتاز بدعوته الى حقوق المرأة، ومطالبته بأن تحصل على حقوقها كاملة، وذلك بناء على صفتها الإنسانية. في تلك المرحلة نعثر على كاتب كان من الأوائل الذين تبنوا الدعوة الى حقوق الإنسان بوصفه مفهوماً مستقلاً، وخصص قسماً من مقالاته للمناداة أو التبشير بحقوق الإنسان، سواء على صفحات مجلته الجامعة التي صدرت في نيويورك ثم في ما بعد في القاهرة، أو ضمن مقالاته وكتبه. لقد اعتبر فرح انطوان 1874-1922 أن حقوق الإنسان لا يجوز أن يدوسها إنسان ويجب أن يبث المعلمون والأساتذة روحها في نفوس تلامذتهم، فضلاً عن ذلك فقد قام بترجمة كتاب اسكندر ديماس الكبير نهضة الأسد أو الثورة الفرنساوية الذي قام فيه بالتأريخ لأحداث الثورة الفرنسية بشكل روائي، مما يعكس بجلاء تأثر فرح أنطون الأولي بالثورة الفرنسية ومبادئها، مما دعاه الى الدعوة اليها والتبشير بإعلانها في الوطن العربي، إذ لا سبيل - بحسب رأيه - الى التطور والتقدم إلا الالتزام بتلك المبادئ. إننا نحصل لدى أنطون على تبنٍ كامل للمفهوم، فلم يعد الأمر كما هو لدى الطهطاوي أو التونسي استحضار نص من النصوص ينبئ عن حقوق الإنسان، بقدر ما هو إنتاج خطاب خاص بحقوق الإنسان والدعوة اليه كمفهوم متبلور وضحت معالمه مع إعلان حقوق الإنسان والمواطن. مما يمكن اعتباره بحق أول داعية لحقوق الإنسان في الوطن العربي، وسيكون له أثره على الكتاب العرب من بعده الذين سلكوا الخط نفسه الذي سلكه، من هؤلاء رئيف خوري في كتابه حقوق الإنسان من أين والى أين المصير؟ وقد صدر عام 1937 وحوى على مقدمة بقلم رجا حوراني يشيد فيها بمجهود فرح أنطون في الدعوة الى حقوق الإنسان والنظام العادل الذي يكفل هذه الحقوق. يبدأ خوري كتابه هذا بتمهيد يتعلق بالدولة والحكومة وحقوق الإنسان، فهو يرى أنه عندما نقول حقوق الإنسان في المجتمع، نقصد حتماً حقوق الإنسان بالنسبة الى دولة وحكومة المجتمع. إن ربط حقوق الإنسان بالدولة يقوم على أساس الدور المتكامل الذي يجب أن يقوم به كل منها للآخر، وبالتالي فالدخول الى حقوق الإنسان لا يتم إلا بالولوج من بوابة الدولة، هذا الفهم سيظهر بجلاء أكبر لدى حنا نمر، الذي ظهر كتابه عن حقوق الإنسان في عام 1940 وذلك ما سنبرزه في حينه. إلا أنه عند الحديث عن كتاب حقوق الإنسان لرئيف خوري يجب عرض المفهوم كما يراه هو، والغاية في ذلك هو تبيان التطور الحقيقي الذي شهده المفهوم في العالم العربي. إننا نجد خوري يرى أن حقوق الإنسان لن تبلغ أعظم مداها من السعة إلا بعد إنهاء الملكية الخاصة في وسائل الإنتاج وأدواته، وجعل هذه الوسائل ملكاً عاماً للشعب، أي بعد قيام الاشتراكية وتطورها حتى تنحل الحكومة والدولة اللتان تحميان ملكية طبقة احتكارية خاصة من المجتمع لوسائل الإنتاج وأدواته. هل نعتبر خوري يناقض نفسه، إذ نراه حيناً يربط حقوق الإنسان بالدولة، وحينا آخر يربطها بزوال الدولة؟ ليس الأمر أمر تناقض بقدر ما هو تأكيد على ربط حقوق الإنسان بالدولة، وهنا لنُعدْ قراءة نصه بصياغة أخرى مختلفة. إنه يرى أن حقوق الإنسان لن يتم ضمانها إلا من خلال نافذة الدولة، ولكن الدولة هي القمع والاحتكار، لذلك فحقوق الإنسان لن يتم الحصول عليها، إلا بعد إلغاء هذه الدولة وإحلال الملكية العامة للشعب. هذا الفهم الاشتراكي- إن صح ذلك - لحقوق الإنسان يفرض نفسه على الكاتب، ويبرز ذلك خلال استعراض عناوين فصول الكتاب فالإنسان بلا حقوق هو الإنسان الذي يعيش في فترة طغيان أسياد الكهنوت والإقطاع والملوك، والإنسان والحقوق السياسية والمدنية هو الذي عاش في عصر الديموقراطية والرأسمالية المساهمة، أما الإنسان كامل الحقوق فهو الذي يعيش في عصر الاشتراكية. وبالتالي فلا سبيل للإنسان كي يعيش في جنة حقوق الإنسان إلا طريق الاشتراكية. وينهي كتابه بخاتمة يجعل عنوانها نحن وحقوق الإنسان يدعو من خلالها العرب الى تأمل الموقف العالمي من حقوق الإنسان والوقوف في جانب الديموقراطية المخلصة كما يسميها والاشتراكية مقابل الفاشية والديكتاتورية. ويختم في صفحاته الأخيرة في ظل الديموقراطية وحقوق المواطنين وحرياتهم تنكسر شوكة الاضطهاد والتشريد وترتفع الأصوات بشرح ما هو جارٍ في البلاد وبطلب ما هو ضروري من الإصلاح، آمنة مطمئنة. وفي عام 1939م أعدت مجلة الطليعة نفسها ملفاً كاملاً عن حقوق الإنسان، وقد شارك فيه عدد من الأدباء العرب والفرنسيين، لقد خُصص الملف لإحياء ذكرى مرور 150 عام على صدور إعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا 1789، مما يشكل البادرة الأولى للمجلات العربية لتخصص موضوعاتها في جانب حقوق الإنسان، وستتبعها في ما بعد مجلات عربية أخرى ستحذو الحذو نفسه في الاحتفال بذكرى صدور إعلان حقوق الإنسان والمواطن أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومن كتب تلك الفترة أيضاً كتاب حنا نمر وهو تحت عنوان الإنسان والجماعة وحقوقهما في الماضي والحاضر أو حقوق الإنسان وحقوق الدولة. وفيه يعرض لحقوق كل من الإنسان والدولة على الآخر، ويرى أن حقوق الإنسان التي أعلنتها الثورة الفرنسية مشهورة وأهمها الحرية والعدل والمساواة والإخاء، إلا أن هناك حقوقاً أخرى للفرد على الدولة وعليها أن تقوم بها في سبيل رقي الأمة والفرد معاً، لأن الإنسان راقٍ باجتماعه، فعلى الدولة أن تقوي ميزاته الفردية وتساعده ليسيرا معاً في طريق التقدم والنجاح. وأول حقوق الإنسان على الدولة بعد حمايته من التعدي أن تكفل له معيشته، وتسهل له كسب طعامه وشرابه ولباسه وسكنه، وذلك بتنظيم الحياة الاقتصادية تنظيماً لا يجوع فيه المجتهد ولا يعرى فيه الذكي، حتى إذا اطمأن الإنسان على أسباب حياته ومعاشه أنفق قواه في تثقيف عقله وترقية أمته، واستخدم قواه العقلية في سبيل الابتداع والاختراع، ومن حقوق الإنسان على الدولة أيضاً أن تسعى في إسعاده ليتجلى بتلك الابتسامة التي كانت سبباً من أسباب رقيه. عذراً للاقتباس المطول، غير أني رغبت أن أعرض كيف تم التفكير في حقوق الإنسان في تلك الفترة، على اعتبار أنه مفهوم ناشئ لم تستقر جذوره في تربة الأرض الفكرية العربية، حتى أننا إذا استعرضنا عناوين أبرز فصول الكتاب لكشفنا آلية التعامل مع المفهوم، مما يحدد بدقة أكثر دائرة المفكر فيه بالنسبة لمؤلف الكتاب، فهو يتحدث عن المادية - العنصرية - الروحية - الدين - نشوء الأمم، فحقوق الإنسان لا يجري التفكير فيها على أساس أنها حقوق طبيعية من حق الإنسان أن يمتلكها، وفقدانه إياها لا يعني أنها ليست حقوقاً له، وإنما يتم التعامل مع مفهوم حقوق الإنسان على أساس أنها حقوق يجب على الدولة أن تكفلها وترعاها، إضافة الى ذلك فإن هذه الحقوق محددة بالحرية والعدالة والمساواة بحسب المبادئ التي أقرها إعلان حقوق الإنسان والمواطن 1789 في فرنسا. ما عرضته سابقاً قصدت منه أمرين اثنين: أولاهما: تفنيد الرأي السائد بأنه لم تظهر أي اشارة في الفكر العربي الحديث الى قضية حقوق الإنسان والمواطن العربي قبل ظهور جامعة الدول العربية الى الوجود سنة 1945، ذلك أن العرب المحدثين تعرفوا الى المفهوم في وقت مبكر وذلك مع بداية الاتصال الحضاري العربي- الغربي كما وجدنا لدى الطهطاوي وخير الدين التونسي وفرح أنطون وغيرهم، وإن كان تعرفهم عليه ونقلهم إياه كان من جملة المعارف الغربية التي تعرفوا عليها ووجدوا حسنها، فدعوا الى تطبيقها في الوطن العربي، ولم يكن فهماً مخصوصاً بالمعنى الذي عرفناه سابقاً. وإن كان يجب أن نذكر أن المفهوم على مستوى الفكر العالمي لم يكن متبلوراً بشكل كامل إلا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ثانياً: إبراز مدى الحضور القوي لإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي في نصوص الكتَّاب العرب الأوائل، بحيث مثَّل مرجعاً ومهمازاً رئيساً يتم التوكؤ عليه بشكل دائم عند المناداة بحقوق الإنسان في الوطن العربي. فضلاً من أنه سيظل مجالاً للمحاكاة والمقارنة عند دراسة الأوضاع العربية كما لدى محمد حسن رحمي الذي كتب أثر الجريمة في حقوق الإنسان والصادر في عام 1946، فبعد عرضه للحقوق التي يتمتع بها الإنسان وهي حقوق سياسية وعامة وخاصة يبدأ بدراسة هذه الحقوق مقارنة مع الدستور المصري لتلك الفترة ... وغير ذلك من الكتب. * كاتب سوري