عشية الانتخابات الرئاسية في روسيا كان مفترضاً وفق "سيناريو" أعده مساعدو فلاديمير بوتين ان يقبل طفلاً، لكن الصغير الذي لم يلقن كما ينبغي اجهش بالبكاء فأفسد الصورة. وهذا الحادث يدفع الى التساؤل عن طبع الرئيس المنتخب وعلاقته بالمحيطين به. بعد الثورة البلشفية كان حكام الكرملين ينقسمون الى فئتين: الذين لا ينسون الأقارب والأماكن التي نشأوا فيها، ومن هؤلاء نيكيتا خروتشوف الذي جعل صهره اليكسي اجوبي عضواً في قيادة الحزب الشيوعي رئيساً لتحرير واحدة من كبريات الصحف السوفياتية. وغدت القرية التي ولد فيها خروتشوف واحة رخاء وسط صحراء فقر. وعلى المنوال ذاته أبدى خلفه ليونيد بريجنيف حرصاً على رعاية أقاربه ورفاق دربه وابناء مدينته دنيبروبتروفسك. وأبرز ممثلي الفئة الثانية جوزف ستالين الذي كان قاسياً حتى مع زوجتيه التي انتحرت احداهما، ومع ولده الذي أسره الألمان ورفض والده مبادلته بالمارشال باولس. أما ميخائيل غورباتشوف فأبدى تعلقاً شديداً بزوجته وابنته، لكنه لم يهتم بشقيقه الذي ظل فنياً مغموراً يعمل في الريف على رغم ان أخاه يقود واحدة من أكبر دول العالم. ولم يُعرف عن زوجة غورباتشوف الراحلة رايسا حنوها على شقيقتها المقيمة في مدينة اوف وأخيها الأكبر الذي كان مدمناً على الكحول وتوفي فقيراً فيما شقيقته تتألق في المحافل الدولية. وعُرف عن بوريس يلتسن حبه الشديد لابنتيه ومساعدته صهريه على تكوين الثروة وبلوغ الجاه، لكنه لم يبد اهتماماً يذكر بأخيه الأصغر ميخائيل، ولم يعن بأمور قريته "بوتكا" في الأورال، مما دفع سكانها الى الاقتراع لمنافسه الشيوعي غينادي زيوغانوف في الانتخابات الرئاسية عام 1996. والرئيس الجديد أقرب الى الفئة "القاسية القلب" أو ربما لا يريد ان يظهر "مبالغة" في ابداء العطف على أقاربه. وخلافاً ليلتسن الذي أرسل ابنه الى احدى المدارس الارستقراطية في بريطانيا ثم الى واحدة من أرقى الجامعات الاميركية، نقل بوتين، فور تعيينه رئيساً للحكومة، ابنتيه من المدرسة التابعة للسفارة الالمانية في موسكو الى مدرسة روسية، ثم تقرر ان تتعلما على أيدي مدرسين يأتون الى المنزل، خوفاً من عمليات ينفذها الشيشانيون انتقاماً من الرجل الذي بدأ الحرب في القوقاز. لكن بوتين يعد من الذين يردون الجميل ويحفظون الوفاء، فهو بكى أثناء تشييع "عرابه" المحافظ السابق لسانت بطرسبورغ اناتولي سويتشاك، ولم ينس الطبيب يوري شيفتشينكو الذي أجرى جراحة ناجحة لزوجته، فصار الرجل وزيراً للصحة، يرد اسمه الآن كواحد من المرشحين لمنصب نائب رئيس الوزراء. وعلى عكس رايسا غورباتشوف فإن لودميلا بوتين نادراً ما تظهر مع زوجها الا في مناسبات رسمية قليلة، تبدو فيها متواضعة في ملابسها واختيار حليها. وما برحت اختها اولغا تعمل مضيفة في الخطوط الجوية الروسية، وهي المهنة التي احترفتها لودميلا قبل ان تتعرف الى زوجها اثناء عرض مسرحي للممثل الهزلي الشهير اركادي رايكين. وما زالت أم لودميلا تتقاضى راتباً متواضعاً بوصفها موظفة بسيطة في شركة نقل، ولم تغير بيتها الذي يحتاج الى ترميم شامل. وهي تغضب حين يسألها الجيران لماذا لا تشكو لصهرها كي يعاقب المجلس البلدي بسبب إهماله. ويقال ان حماة الرئىس الروسي الجديد لم تفرح كثيراً حين سمعت ان يلتسن اختاره خليفة له، اذ ان أحداً في روسيا لا يدري ماذا تخبئ الأقدار لقادة الدولة.