تبرز القراءة البانورامية للعالم العربي بوضوح نهايات هذا العام في القرن الحادي والعشرين: فالجزائر والعراق الدولتان اللتان كانتا مرشحتين للوصول إلى مصاف الدول الغربية، وفق تقرير الأممالمتحدة في منتصف السبعينات بسبب قدراتهما الذاتية الكبيرة وإمكاناتهما البشرية، انغمستا في شبه حرب اهلية لا تهدأ حتى تتصاعد، مما أعادهما إلى ما تحت الصفر وهذا ما حفز الولاياتالمتحدة في شكل رئيس على احتلال إحداهما (العراق) بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل. وتبددت بعيداً أحلام التنمية وأوهام التقدم في الجزائر حيث أصبحت عرضة للفساد والنزاع الأهلي وتورط الدولة في عمليات القتل والصراع مع الجماعات الإسلامية. أما العراق، فإن الحصار أنهك قواه الذاتية على مدى اثني عشر عاماً. أما قدراته البشرية والعلمية فقد تبددت في المهاجر، وخضع في النهاية لاحتلال أجنبي لا يبدو أنه سينتهي قريباً. الصورة بلا شك تبدو قاتمة، والاحباط المجتمعي نلاحظه باستمرار في تصاعد معدلات الهجرة إلى الخارج، وازدياد معدلات الانتحار والبطالة والجريمة في الداخل. السلطة في الدولة العربية الراهنة لا تملك في حقيقتها عقيدة ذاتية خاصة بها، لا قومية ولا تنموية ولا تحديثية. عقيدتها الحقيقية هي سلطتها ووجودها وأجهزتها، أي وجودها كأداة ضبط وسيطرة. ومما يلاحظ أن الأنظمة العربية قابلة لتغيير سياستها من النقيض إلى النقيض، فنراها تنتقل من برامج اشتراكية إلى برامج ليبرالية انفتاحية من دون أن تشعر بضرورة الحاجة إلى تغيير أو تبديل الحكومة أو الأشخاص. لقد أضحت البنية الاستبدادية لهذه المنظمة كامنة بحيث أصبحت تسأل عن استمرارها وبقائها من دون السؤال عن شرعيتها وحاجتها إلى التعبير عن رغبات مجتمعها. وهذا ما جعل مستقبل البلاد العربية يكاد ينتهي إلى آفاق مسدودة، لا سيما في غياب آفاق التغيير والتحديث في ضوء الواقع العربي الراهن. هذا التشخيص السياسي الاجتماعي يجعل الديموقراطية خياراً حتمياً لا بد من الولوج فيه حتى تتحول الأزمة السياسية إلى نقاش علمي علني وسلمي يشارك فيه الجميع، ويساهم بالتالي في تحقيق البدائل السلمية من طريق التداول السلمي للسلطة. وقد يطرح بعضهم الديموقراطية نظاماً وأداة فاعلة. الديموقراطية على رغم كونها النظام السياسي الأكثر قدرة على التكيف مع الاختلافات والنزاعات، فإن الوصول إليها في العالم العربي ليس سهلاً، أو ربما يكاد أن يكون شبه مستحيل ومسارها يكاد أن يكون عصياً وممتنعاً على التحقق، لا سيما بعد حدوث اصطفافات جديدة نتيجة الاستبداد السياسي الطويل الذي عاشته معظم البلاد العربية. هذه الاصطفافات ارتبطت معها مصالح اقتصادية فئوية ومكاسب مالية يصعب التنازل عنها. وهذا يحتم على الباحثين النفاذ إلى عمق الأزمة السياسية لنزع فئاتها تدريجاً من طريق الإصلاح المتدرج والمتتابع، والتصميم على النهج الديموقراطي واحترام حقوق المواطن. * كاتب فلسطيني