تنتشر في أنحاء الكويت عشرات المحلات والفروع المتخصصة في بيع العطور والاخلاط العطرية الطبيعية التي تشكل امتداداً لتراث عريق عمره آلاف السنين. وثبتت بيوتات العطور الغربية نفسها في السوق المحلية في الكويت حيث يشكل الوافدون ما يزيد على 60 في المئة من عدد السكان، إلا ان سحر العطور والدهون العطرية يبقى مستحوذاً على مكانة كبيرة لدى أبناء البلاد الذين لا يترددون في انفاق مبالغ طائلة ثمناً لحُقّ من البخور أو "دهن العود". ويستخدم الرجال والنساء العطور نفسها من دون تمييز. ويشكل العطر جزءاً من النظام المعقد للطقوس الاجتماعية التي تحكم ايقاع الحياة اليومية والمناسبات الاجتماعية في المجتمع الخليجي، بما في ذلك الكويت. وتعتبر مؤسسات "الشايع" و"أطياب المرشود" و"أمل الكويت" أبرز سلاسل بيع العطور والبخور والاخلاط العطرية، التي يملكها عطارون كويتيون توسعت أعمالهم منذ عشرات السنين في هذا المجال. وتنافس في السوق المحلية سلسلة "القرشي" السعودية الكبيرة، و"أجمل" الإماراتية اللتان تملكان محلات عدة للبيع إلى الجمهور. وتُطلق في منطقة الخليج كلمة "بخور" في إشارة إلى خشب العود الذي يعتبر العود الهندي أفضل أصنافه وأغلاها يليه الكمبودي ثم البورمي. ويحتل العود الماليزي والياباني وبعدهما الاندونيسي والتايلندي أدنى المراتب. وتبيع محلات العطارين اخلاطاً تجهزها وتحمل اسماء خاصة بها. وتتنوع هذه الأخلاط بين "رش" وبين خلطة عطرية مركزة. وتعتبر الأولى أرخص وهي مزيج زيتي خفيف من العطور يضاف إلى مياه مقطرة خاصة ويوضع في عبوات كبيرة للرش على الملابس والمراتب. أما الخلطات المركزة فباهظة الثمن وصغيرة الحجم. ويقول علي شهاب من مؤسسة "أطياب المرشود": "لدينا مجموعات عدة من الأخلاط المركزة باتت بحد ذاتها اسماء ماركات معروفة لدينا منها مجموعة سليمان ومجموعة سعود ومجموعة ايمان ومجموعة افصاح وغيرها". وتستخدم وسيلة قياس محددة لوزن العطور والأخشاب الثمينة هي ال"تولة"، وهي حقّ صغير يسع ما وزنه 6.11 غرام. وبوسع المرء أن يشتري تولة أو نصف تولة أو ربع تولة، علماً أن كل المشترين من الكويتيين والخليجيين. ويبلغ سعر كيلو البخور العود الهندي ستة آلاف دينار كويتي نحو 20 ألف دولار والتولة الواحدة منه 70 ديناراً نحو 232 دولاراً. وانخفض السعر في صورة كبيرة في الاعوام الماضية بعدما كان كيلو البخور الواحد يكلّف 20 ألف دينار، قبل ازمة المناخ. وتعتبر النساء أكبر فئات المشترين. ويحتاج الحصول على هذه العطور إلى امتلاك قدرات شرائية عالية، مما يحصر الأمر بالبالغين والاثرياء. ويقول أحد الباعة: "نشاهد عادة مشترين يطلبون كيلوغرامات عدة من البخور وتولات مختلفة من أخلاطنا العطرية. أما محدودو الدخل فيكتفون بتولة واحدة أو أقل". ويعتمد العطارون على مستخرجات عطرية متنوعة لصناعة أخلاطهم، من خشب الصندل والتك وروح الورد والعنبر والمسك والزعفران. ويقول أحمد الحيّان، الموظف في "مؤسسة البترول الكويتية": "لكل مناسبة عطرها. ومن الطبيعي ان استخدم الخلطات العطرية التقليدية في المناسبات الاجتماعية وفي تعطير المنزل والفراش والملابس الداخلية". ولاستخدام العطور والبخور طقوس عدة تزداد جدية كلما تعلق الأمر بمناسبة اجتماعية بارزة. ويقول أبو بكر، العامل في مؤسسة "الشايع": "الأفضل استخدام الرش على الثياب في البداية ثم التبخير بالعود المحترق ثم دهن أحد الاخلاط المركزة. وهذا المزيج سيكسبك رائحة منعشة وجميلة تبقى معك وفي ملابسك كل النهار طالما لم تغسلها بالصابون". وللبخور ايضاً استخدامها خاصة في الكويت التي يعتقد السكان فيها بشرور الحسد، ويتحفظون لذلك عن كشف ما لديهم من اموال او محاسن خشية "العين". ولا يختلف في ذلك رجل الاعمال الثري عن الطبيب المثقف الذي تلقى تعليمه في الغرب او المرأة المشبّعة بالمعتقدات الشعبية. ولعل هذا السبب هو الذي كان يجعل مسؤولي البورصة يبخرونها كل يوم قبل بدء المداولات المالية درءاً ل"العين الشريرة".