السنة: لغة، كلمة اشتقت من "سنّ"، ومعنى سنَّ سناً في الاصل: بيّن وسهل واجرى. لكن معنى "السنة"، وهي اسم من المصدر، هو النهج والطريقة والسيرة والعادة: وجاء في اقوال الرسول، صلى الله عليه وسلم "من سنّ في الاسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل اجر من عمل بها، ولاينقص من اجورهم شئ. ومن سنّ في الاسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من اوزارهم شئ" رواه احمد في مسنده: 4ق/362. وجاء في تعريفات الجرجاني: السنة في اللغة الطريقة، مرضية كانت او غير مرضية. وفي الشريعة الطريقة المسلوكة في الدين. هذا بالاضافة الى ان اللغويين فرقوا بين معنى "سنّ الامر": بينه، وبين معنى "سنّ الشيء": سهله. ورد لفظ "سنة" في القرآن الكريم 13 مرة، اضافة الى ورود كل من: "سنتنا" مرة واحدة، و"سنن" مرتان، و"مسنون" مرات ثلاث. ولعل اول ما يطالعنا عبر هذه الآيات البينات، هو التمايز بين السنة الالهية، وبين سنة الرسل ورأو الاولين. وذلك كما في قوله سبحانه وتعالى: "سنة من قد ارسلنا قبلك من رسلنا ولاتجد لسنتنا تحويلا" الاسراء: 77. وكما في قوله تعالى: "ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له، سنة الله في الذين خلوا من قبل، وكان امر الله قدراً مقدوراً" الاحزاب: 38. وكما في قوله سبحانه: "واقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن اهدى من احدى الامم فلما جاءهم نذير مازادهم إلا نفورا، استكبارا في الارض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السييء الا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الاولين فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلا فاطر: 542- 43. اما عن السنة الالهية، اي: انضباط حركة الاشياء والظواهر على قوانين او نواميس لا تتبدل، لا بل: انضباط حركة التاريخ الانساني على سنن لا تتحول، لا يمكن لمسلم ان ينكرها ويبقى مسلماً. يقول سبحانه وتعالى: "سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا" الاحزاب: 62. ويقول سبحانه: "فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا" فاطر: 43. ويقول تعالى: "ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لآيات لقوم يعقلون" البقرة: 164. ويقول: "قل أرأيتم ان جعل الله عليكم الليل سرمدا الى يوم القيامة من اله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون، قل ارأيتم ان جعل الله عليكم النهار سرمدا الى يوم القيامة من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه افلا تبصرون" القصص: 71-72. وهكذا، نجد ان جانبا كبيرا من آيات القرآن الكريم يكاد يكون مقصوراً على تعليم الناس، بصيغ شتى، مدى ما في الكون من اتساق ونظام محكم. وهو، وان كان يأخذ من هذا دليلا على وجود الله وعلى وحدانيته، كما في قوله عز وجل: "لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون" الانبياء: 22... فانه، في الوقت نفسه، يدعو الناس الى ان يتأملوا من آيات ونواميس لا تتبدل، لا لمجرد التأمل، ولكن لمعرفتها والعمل وفق نظامها في اطارها لتحقيق غاياتهم واهدافهم. ولعل الامر الجدير بالانتباه، هنا، ان آيات القرآن الكريم لم تتوقف عند حدود الدعوة الى التأمل والمعرفة والعمل وفق نظام القوانين والنواميس المتعلق بالطبيعة المادية المحيطة بالانسان. فهناك العديد من الآيات التي تؤكد وتحث على الاستقرار والنظر والتدبير في "الحوادث التاريخية"، من اجل التعرف على النواميس والسنن الخاصة بالساحة التاريخية، وذلك من حيث كون هذه "الساحة" تشتمل على ظواهر متميزة نوعيا عن سائر الظواهر الكونية والطبيعية، وباعتبار هذا التميز النوعي: استحقت هذه "الساحة" سننا متميزة تميزا نوعيا عن نواميس بقية الساحات الكونية والطبيعية. يقول سبحانه وتعالى: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" آل عمران: 137. ويقول سبحانه: "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم" النساء: 26. ويقول تعالى: "وما منع الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم الا ان تأتيهم سنة الاولين او يأتيهم العذاب قبلا" الكهف: 55. ويقول: "سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا الفتح: 23. وفي ما يبدو، هكذا، من خلال هذه الآيات الكريمة، وغيرها، يبلور المفهوم القرآني في التأكيد على ان "الساحة التاريخية" لها سنن ولها ضوابط مثل ما ان هناك سنناً وضوابط لكل الساحات الكونية والطبيعية الاخرى. وفي محاولة الاقتراب من المفهوم القرآني هذا، يمكن ملاحظة ثلاثة جوانب اساسية: من جانب.. يمكن ملاحظة التأكيد والحث "القرآني" على الاستقراء والنظر والتدبير في الحوادث التاريخية للتعرف على النواميس والسنن التي تنتظم "الساحة التاريخية". ان المثال البالغ الدلالة، هنا، هو "القصص القرآني". يقول عز وجل: "ألر تلك ايات الكتاب المبين. انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون، نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن وان كنت من قبله لمن الغافلين" يوسف: 1-3. اذ يبدو واضحاً الربط بين "القصص" وبين "وحي القرآن" اي: القرآن الموحى به الى محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك عبر اداة الربط "بما" التي جاءت في سياق الآية بمعنى "بالذي". كما يبدو واضحاً، ايضاً، التأكيد على ضرورة النظر في هذا القصص القرآني لمعرفة السنن التي تنتظم حوادثه، وذلك في قوله: "وإن كنت من كنت قبله لمن الغافلين"، حيث تعود الهاء على القرآن، اي ان النبي صلى الله عليه وسلم قبل وحي القرآن - بما يتضمنه من احسن القصص - كان غافلا عن سنن التاريخ وحوادثه معاً. ولذلك، وتأكيداً على تأكيد، يقول عز من قائل في آخر السورة، - سورة يوسف - التي تعبر محتوياتها كلها عن قصص -: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الالباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه" يوسف: 111. ولا حاجة بنا هنا الى مزيد من توضيح للدلالات التي تشير اليها: "عبرة لأولي الالباب" في هذا السياق. من جانب آخر، يمكن ملاحظة تأكيد النسق القرآني. ليس فقط على السنن التي تنتظم الساحة التاريخية، ولكن أيضاً على عدد من السمات التي تتسم بها هذه السنن. من هذه السمات "الاطراد"، في معنى ان السنة التاريخية مطردة، ليست علاقة عشوائية، وليست رابطة قائمة على اساس الصدفة، وانما هي علاقة ذات طابع "موضوعي" لا تتخلف في الحالات العادية، او الاعتيادية بالاحرى، التي تجري فيها الطبيعة والكون على السنن العامة. ويبدو هذا واضحاً، كما في قوله سبحانه وتعالى: "لن تجد لسنة الله تبديلا" الكهف: 62، فاطر: 43، الفتح: 23. وكما في قوله سبحانه: "ولن تجد لسنة الله تحويلا" فاطر: 43. وكما في قوله تعالى: "ولا تجد لسنتنا تحويلا" الاسراء: 77. ومن هذه السمات، ايضا: "الهية السنة التاريخية"، في معنى ارتباط السنة التاريخية بالله سبحانه وتعالى. فهذه سنته وحكمته في الكون والتاريخ، يقول جل جلاله: "سنة الله التي قد خلت من قبل" الفتح: 23. ويقول عز من قائل: "سنة الله في الذين خلوا من قبل" الاحزاب: 38، 62. ويقول: "سنة الله التي قد خلت في عباده" غافر: 85. من جانب أخير، يمكن ملاحظة تأكيد النسق القرآني، ليس فقط على السنن التي تنتظم الساحة التاريخية، وليس وحسب على عدد من السمات التي تتسم بها هذه السنن، ولكن، اضافة الى هذه وتلك، على اشكال معينة تتخذها سنن التاريخ في القرآن الكريم. من هذه الاشكال: "القضية الشرطية"، بمعنى ان السنة التاريخية، في هذا الشكل، تتمثل في قضية شرطية تربط بين حادثتين او مجموعتين من الحوادث على الساحة التاريخية، وتؤكد العلاقة الموضوعية بين الشرط والجزاء، وانه متى ما تحقق الشرط تحقق الجزاء وهذه صياغة نجدها في كثير من القوانين والسنن الطبيعية والكونية في مختلف الساحات الأخرى. ولأن عدداً كبيراً من السنن التاريخية في القرآن تمت صياغته على شكل "القضية الشرطية"، لذلك يمكن ان نكتفي بمجرد امثلة ثلاثة من بين امثلة كثيرة. يقول سبحانه وتعالى "واذا اردنا ان نهلك قرية امرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً" الاسراء: 16. ويقول سبحانه: "وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماءً غدقا" الجن: 16. ويقول تعالى: "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" الرعد: 11. ومن هذه الاشكال، أيضاً: "القضية الاتجاهية"، في معنى ان السنة التاريخية، في هذا الشكل، تتمثل في صورة اتجاه في حركة التاريخ لا في قانون صارم حدي، وفرق بين الاتجاه والقانون: اذ ان هذا الاخير "حتمي" لايقبل التحدي، وفي حين ان الاتجاه يتسم بقدر من المرونة، اي انه يقبل التحدي ولو في المدى القصير، وان لم يقبل التحدي في المدى الطويل ففي هذا المدى سوف يتحطم التحدي قياساً الى سنن التاريخ نفسها. ولعل اهم الامثلة التي يعرضها القرآن الكريم لهذا الشكل من السنن التاريخية، هو "الدين" فمن خلال هذا العرض يمكن ملاحظة كيف ان "الدين" جاء في السياق القرآني على حالتين: احداهما، بوصفه "تشريعاً" كما في قوله جل جلاله: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه" الشورى: 13. اما الحالة الثانية، فهي ورود الدين بوصفه "فطرة". كما في قوله سبحانه وتعالى: "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن اكثر الناس لايعلمون" الروم: 30. ف"الدين"، هنا، ليس تشريعا، ولكنه "فطرة"، ولأن "لا" نافية، وليست ناهية، في قوله: "لا تبديل لخلق الله" لا يمكن ان ينفك عن الانسان، فهو "سنة" لهذا الانسان: قد تقبل التحدي على المدى القصير، كمواقف بعض الناس السلبية تجاهه، لذلك أشير الى هذه الخاصية في ختام الآية: "ولكن اكثر الناس لا يعلمون". هذه الجوانب الثلاثة تشير، باختصار شديد، الى ان ثمة سنناً وضوابط تنتظم "الساحة التاريخية"، مثل ما ان هناك سنناً وضوابط لكل الساحات الكونية والطبيعية الاخرى. بيد ان ثمة تساؤلاً يطرح نفسه، هنا، هو: هل هناك تناقض في ما بين "حتمية" السنن الالهية اي: التي لا تتبدل ولا تتحول، وبين حرية الارادة الانسانية؟ وفي محاولة مقاربة هذا التساؤل، لا بد، من تناول نقطتين اساسيتين: الاولى، ان هذا التساؤل نفسه، كان قد عرف في تاريخ الفكر الاسلامي بمشكلة "الجبر والاختيار"، تلك التي قسمت الفقهاء والفلاسفة والمتكلمين الى مدارس عدة. لا نريد، الدخول الى تفاصيل هذه المشاكل، ولكن، تكفي الاشارة الى ان انصار "الجبرية" الغوا حرية الارادة الانسانية، واستندوا في هذا الى عديد من "آيات القرآن"، قالوا انها تسند الارادة والفعل كليهما الى الله، وتحيل الانسان اداة لا ارادة لها ولا خيار "ان هو الا ذكر للعالمين، لمن شاء منكم ان يستقيم. وما تشاءون الا ان يشاء الله رب العالمين" التكوير: 27-29، "والله خلقكم وما تعملون" الصافات: 96. "ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" يونس: 99. اما انصار "القدرية" قدرة الانسان على الاختيار والفعل، فمع تسليمهم بانضباط الوجود بسنن محكمة لا تتبدل، اسندوا الارادة والفعل الى الانسان، واستشهدوا على هذا بعديد من آيات القرآن التي تضع الانسان امام مسؤولية ما يختار ويفعل، على اساس ان الحرية في الاختيار هي مناط المسؤولية. "وقل الحق من ربكم فمن شاء فيلؤمن ومن شاء فليكفر" الكهف: 29. "كل امرىء بما كسب رهين" الطور: 21. "لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" البقرة: 386. "فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون الا ما كنتم تعملون" يس: 54. وازاء صراحة النصوص القرآنية، لا يكون عسيرا ان نهتدي الى الوضع الصحيح للمسألة: فهم "حرية" الإرادة الإنسانية في نطاق "حتمية" سنن الله ونواميسه، فهم الخاص في نطاق العام، أو: فهم الحرية في نطاق الضرورة كما يقول المحدثون. فكأن "الرأي" هو: إن القدرة الإلهية كما تجسدها سنن الوجود التي لا تتبدل، هي الشرط الأول لمقدرة الناس على أن يختاروا وأن يفعلوا. والله على هذا الوجه هو "خالق ما يفعلون". أما الناس، فوثوقاً منهم بثبات ذلك الشرط وعدم قابليته للتبديل، يختارون ما يفعلون على مسؤوليتهم عن الاختيار والفعل. وبقدر ما يلتزمون سنن الله بقدر ما يوفقون في تحقيق ما يريدون. النقطة الثانية، أن ثمة تميزاً نوعياً بين الساحة التي تنتظمها السنن التاريخية، وبين الساحات الاخرى التي تنتظمها النواميس والقوانين الكونية و/ أو الطبيعية. ولعل هذا التميز الذي يتبدى بوضوح، إذا ما لاحظنا، من جهة، أن الظواهر الكونية والطبيعية تتضمن علاقة ظاهرة بسبب، أو قل: علاقة نتيجة بمقدمات. أي أن العلاقة هنا: "علاقة سببية"، طرفاها "الحاضر" الوضعية الحالية و"الماضي" الظروف المسبقة. وهي العلاقة التي لا تحمل جديداً ولا تنطوي على غاية أو هدف ما لم يتقاطع معها، مع العلاقة، عمل وجهد إنسانيين. وإذا لاحظنا، من جهة أخرى، أن الظواهر التاريخية تتضمن علاقة من نوع آخر، علاقة فعل بغاية. أي أن العلاقة هنا - أياً كانت طبيعة الغاية - "علاقة غائية"، طرفاها "الحاضر" الواقع الراهن و"المستقبل" ذلك الغائب من الزمن القادم بعد حين. وهي علاقة لا بد أن تحمل جديداً من حيث كونها تنطوي على هدف أو غاية لا يتم تحقيقها من دون عمل وجهد إنسانيين. ومن ثم، فهي علاقة "مستقبلية"، لأن الغاية المرجوة منها ليست "واقعة" حين إنجاز العمل والجهد الإنساني الذي يستهدف تحقيقها. وفي هذا الاطار، إطار السنن النوعية التي تنتظم الساحة التاريخية، بوصفها ساحة تتضمن العلاقات - الإنسانية - الغائية، يمكن التمييز، أو: التفرقة، بين نوعين من العلاقات: "العلاقات الغائية الفردية"، و"العلاقات الغائية المجتمعية". وهو التمييز الذي عبر عنه النسق القرآني ب"كتاب الفرد" و"كتاب الأمة". ففي قوله سبحانه: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً" الإسراء: 13 - 14، يبدو أن كل إنسان مرهون بكتابه. لكل "إنسان" كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من أعماله. أما في قوله تعالى: "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى الى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" الجاثية: 28 - 29، يبدو أن لكل "أمة" كتاب هي مدعوة اليه. وهكذا، فهناك كتاب لكل "فرد"، مثلما أن هناك كتاباً لكل "أمة"، وعندما يأتي الحساب، الجزاء، فإنما يتم على أساس ما يحتويه كل كتاب من أعمال. فكل "عامل" مسؤول عن عمله، بدليل: "كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً"، و:"اليوم تجزون ما كنتم تعملون"، و: "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون". وفيما يبدو، هكذا، فإن الخط المستقيم الواصل في ما بين هاتين النقطتين، وإن كان يشير الى أن "الناس" مسؤولون عن أعمالهم، من حيث "الحرية" التي وهبها الله إياهم لاختيار هذه الأعمال، فإنه يؤكد، في الوقت نفسه، على أن هذه "الحرية" لن تكون فاعلة إلا لمن يستطيع منهم، فرداً كان أم جماعة، إدراك السنة الإلهية في الكون والطبيعة والتاريخ. بل لا نغالي إذا قلنا إن إدراك هذه السنن والوعي بها، هما مناط استخلاف "الإنسان" من قبل الله عز وجل. * كاتب مصري.