ذكّرت المواجهة الأخيرة بين المقاومة اللبنانية وإسرائيل من كان ناسياً بأن في الإدارة الأميركية مسؤولين أكثر إسرائيلية من المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، وبأن هذا ليس موقف المواطن الأميركي العادي. واكتفي تحديداً بوزيرة الخارجية السيدة مادلين أولبرايت والسفير "الأميركي" في إسرائيل مارتن انديك، واكمل بالمواطن الأميركي غداً. السيدة اولبرايت قررت فوراً ان حزب الله انتهك تفاهم نيسان. وهي كذبت طبعاً، فلم تنتظر في حماستها لإسرائيل تقرير المراقبين الدوليين في المنطقة. وجاء تقريرهم يكذبها ويقول بوضوح إن عمليات حزب الله لم تنطلق من مناطق مدنية. وربما كان أهم من تقرير المراقبين قول الصحافي الإسرائيلي المعروف زيف شيف في "هاآرتز" ومصادره إسرائيلية، ان الغارات لم تنطلق من مناطق مدنية. يعني ما سبق ان الإسرائيلي زيف شيف أكثر انصافاً من السيدة أولبرايت. أولبرايت والسفير انديك أميركيان طبعاً، إلا أنها ولدت في براغ، أما هو فولد في لندن وعاش في استراليا قبل أن ينتقل إلى واشنطن ليؤسس مركز أبحاث مؤيداً لإسرائيل يتخرج خبراؤه للعمل في الإدارة، ويتركونها ويعودون إليه في ما يشبه الباب الدوار. انديك عمل في مجلس الأمن القومي مسؤولاً عن الشرق الأدنى وجنوب آسيا، ثم عمل سفيراً في إسرائيل بين 1995 و1997، وعاد منها ليشغل منصب وكيل وزارة الخارجية للشرق الأدنى حتى الشهر الماضي من هذه السنة، عندما عين من جديد سفيراً لدى إسرائيل. هو عمل خلال مدة انتدابه الأول في إسرائيل لتعزيز علاقاتها مع الولاياتالمتحدة، وهذا من صميم عمله كسفير فلا أتوقف عنده، ولكن أتوقف عند خبر لراديو الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع خلاصته ان السفير "الأميركي" اقترح وضع معاهدة دفاعية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، بحيث ان أي هجوم على إسرائيل يعتبر هجوماً على الولاياتالمتحدة. وقال ناطق بلسان السفارة إن المعاهدة فكرة السفير انديك ولم تصبح بعد سياسة الإدارة الأميركية. انديك هذا مثل الحيّة التي تعلقها أولبرايت على صدرها، وهو كما يعرف كل قارئ، أهدانا سياسة الاحتواء المزدوج التي قتلت أطفال العراق، وتكاد تدمر البلد، والسبب ليس الخوف على الكويت البتة، بل حماية إسرائيل من خطر بلد ربما امتلك يوماً أسلحة دمار شامل. كيف يمكن ان نتوقع سياسة منصفة من أمثال هؤلاء؟ الرئيس كلينتون يظل أكثر انصافاً من مساعديه، إلا أنه على وشك الرحيل، وإذا كانت "المروءة" أعيته وهو في ولايته الأولى ثم الثانية، فسيكون مطلب السلام عليه شديداً في آخر شهور له في الحكم، فيبقى لنا أولبرايت كانت أيضاً عضواً في معهد واشنطن الذي أسسه انديك وسفيرها في إسرائيل وحاخامات وزارة الخارجية. السيدة أولبرايت سمعت وزير الخارجية الإسرائيلي ديفيد ليفي، وهو ليكودي سابق متنكر، يهدد بنفس نازي بأن لبنان سيحترق فلم توبخه، وإنما قالت حرفياً في جلسة للكونغرس "إن حزب الله ضد السلام". وهي كانت صرحت قبل ذلك بأن "من الصعب رؤية كيف يمكن ان يعمل فريق الرقابة فيما يستمر حزب الله بشن مثل هذه الهجمات"، فجاء المراقبون ينفون كلامها وينسفون حجتها، بما ان الشيء بالشيء يذكر، فإننا نسجل هنا ان هانز فون سبونيك، منسق العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في العراق، استقال احتجاجاً على معاناة العراقيين في ظل العقوبات الدولية، فأبدى الأمين العام كوفي أنان حزناً على استقالته، ورحبت الولاياتالمتحدة علناً بالاستقالة، لأنها لا تريد إنساناً مستقلاً صاحب ضمير في العراق. وتبعته أمس للأسباب نفسها يوتا بورغارت، رئيسة برنامج الغذاء العالمي في العراق، ولم يجد الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية جيمس روبن ما يقول سوى ان قلقهما في غير محله. في هذا الوضع من الانحياز الكامل لمسؤولين اميركيين إلى إسرائيل يا فرعون مين يفرعنك؟ نرى السفير الإسرائيلي الجديد في واشنطن الجنرال ديفيد ايفري يصرح حرفياً بأن إسرائيل تحتاج إلى "تعويض كثير" إذا عقدت معاهدة سلام مع سورية. والإسرائيلي وحده يستطيع ان يطلب من واشنطن تعويضاً عن العدوان، فالإدارات الأميركية كافة، بما فيها الإدارة الحالية، تعتبر الجولان أرضاً محتلة. وهو كرر قول رئيس الوزراء ايهود باراك لأعضاء في الكونغرس ان السلام يكلف كثيراً، ولكن نفقات الحرب أكبر. وقال إن إسرائيل تريد بالإضافة إلى المال الكثير، عمقاً استراتيجياً ونظام انذار مبكر ومدى عميقاً للمدفعية. وبما ان السفير كان بين واضعي التحالف الاستراتيجي مع تركيا، فهو يريد تحالفاً مماثلاً مع إيران. إلا أن من الواضح ان معلوماته السياسية ناقصة، فهو قال: "كان لنا مثل هذا التحالف مع الشاه، فلماذا لا يكون عندنا مثله اليوم؟". كما لو أنه لا يعرف ان هناك جمهورية إسلامية في إيران الآن. والمسؤولون الأميركيون الذين يمثلون مصالح إسرائيل في وزارة الخارجية وغيرها هم الذين يجعلون السياسيين الإسرائيليين يحلمون، ثم يحققون أحلامهم. واكمل برأي الأميركيين الآخرين غداً.