فتح وزير النفط الكويتي الشيخ سعود ناصر الصباح ببيانه أمام مجلس الأمة البرلمان الثلثاء الماضي، في شأن مشروع المشاركة النفطية الأجنبية ملفاً حساساً جداً، يختلط فيه السياسي بالاقتصادي وتتداخل فيه حسابات العلاقة مع الأميركي بالصراع البرلماني - الحكومي، مروراً بالخلافات غير المعلنة داخل السلطة الكويتية ذاتها، ولا يتوقع أن يحظى الشيخ سعود بضوء أخضر للمشروع في موعد قريب. والمشروع الذي بدأ التفكير فيه عام 1993 ضُخِّم بالمقياس الاقتصادي. فالشركة - أو الشركات - الفائزة به ستنفق سبعة بلايين دولار لتطوير الآبار النفطية الكويتية الشمالية، من أجل زيادة انتاجها من 450 ألف برميل يومياً الى 900 ألف مع الاحتفاظ بكلفة منخفضة لكل برميل ينتج عن طريق ادخال تقنيات حديثة، وستحصل الشركات على نصيب من كل برميل يباع ولمدة 20 سنة. وفي الجانب السياسي هناك رغبة كويتية في "توريط" الأجانب بمشكلة أمن الحدود الكويتية مع العراق، المجاورة لتلك الحقول، خلال مدة العقد. ومنذ اللحظة الأولى للمناقشات كانت هناك أزمة ثقة واضحة بين وزير النفط والنواب، فالليبراليون والاسلاميون والمستقلون من النواب جميعهم غير راضين عن "مشروع الشيخ ناصر"، والملاحظات البرلمانية الأولى تجاوزت تأكيدات الوزير الجازمة بعدم التوصل الى أي اتفاق أو تفاهم حتى الآن مع أي شركة، الى الحديث عن أسماء الشركات الفائزة وعمولات مزعومة في الصفقة، بل الى التشكيك بالجدوى السياسية والأمنية للمشروع. وكان لافتاً في الجلسة البرلمانية عدم اتفاق أعضاء الحكومة على طرح الموضوع للمناقشة، فبعدما وقف وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء محمد ضيف الله شرار طالباً تأجيل المناقشة شهراً، وهو ما يعبر عادة عن موقف رئيس الحكومة، بادر الشيخ سعود قائلاً انه جاهز لبحث المشروع، ثم تقدم نحو المنصة وتلا بيانه! وكرر الشيخ سعود في بيانه تأكيده ان المشروع لا يعطي الأجانب أي حق في ملكية النفط الكويتي، وأنه "لم توقع أي مذكرة تفاهم أو تعط وعود أو التزامات لأي من هذه الشركات". وزاد ان اختيار الشركات الفائزة "سيتم وفق أسس ومعايير واضحة ومعلنة، تحقق الشفافية والعلنية الكاملة للمشروع وفي مجال تنافسي بحت". ووعد باستجابة مطلب النواب تقنين المشروع بتقديم اقتراح قانون مستقل في شأن الاستثمار الأجنبي في المجال النفطي. وجاءت ملاحظات النواب لتؤكد أزمة الثقة مع المشروع، فالنائب عبدالمحسن جمال لاحظ الاختلاف بين أعضاء الحكومة على المشروع "كأن جزءاً من الحكومة يقرر أمر الصفقة دون الجزء الآخر"، واستغرب ان الكويت "بعد 60 سنة من الانتاج النفطي تحتاج الى خبرات خارجية". كما تساءل عن "حاجة مؤسسة البترول الكويتية التي تملك احتياطاً مالياً ب14 بليون دولار الى تمويل اجنبي لتطوير حقول الكويت". أما النائب وليد الجري فتخوف من "صراع" بين متنفذين على العمولات التي ستقدمها الشركات النفطية الأجنبية، بصفتهم وكلاءها المحليين، وقال: "نخشى أن يذهب الوطن ضحية صراع الوكلاء، كما حدث في مشاريع إعادة الإعمار وصفقات التسليح". اخفاء معلومات ويرى النائب الدكتور ناصر الصانع، أبرز المعارضين للصفقة، ان الملابسات المحيطة بها خصوصاً اسلوب الشيخ سعود في قيادة المشروع، ستقود الى موقف برلماني متشدد، لا سيما أن الصانع يملك معلومات عن بلوغ الاتصالات مع شركات أميركية وبريطانية مرحلة الاتفاق على توزيع الحقول. وقال الصانع ل"الحياة" انه لا يعارض فكرة المشروع من أساسها لكنه يتحفظ عن "المنهجية الضارة التي يتبعها الوزير لا سيما اخفاءه المعلومات عن النواب في شأن مفاوضاته مع الشركات الأجنبية، التي أكد مسؤولوها في تصريحات صحافية أنها حسمت الجوانب العامة للمشروع. وأشار الى معلومات عن "مفاوضات أجراها الشيخ سعود مع رئيس شركة البترول البريطانية منفرداً، ومفاوضاته مع رؤساء شركات شيفرون وأكسون موبيل وفيلبس وبنزاويل وتكساكو وكونكو خلال عشاء في هيوستن في ولاية تكساس في 5 تشرين الثاني نوفمبر 1998". وذكر ان من نتيجة ذلك توزيع الحقول على هذه الشركات، وقال: "وعد وزير النفط تحالفاً من ثلاث شركات هي: البترول البريطانية وأكسون وفيلبس بحقول شمال الكويت جميعها، كما وعد شركة شل بحقل المناقيش ووعد شركتي شيفرون وتكساكو بحقل أم قدير". وأضاف ان أنباء تلت ذلك عن توقيع اتفاق مع "التحالف الثلاثي" الذي فاز بحقول الشمال. واتهم الصانع الشيخ سعود بأنه "لم يخف الحقائق والمعلومات عن النواب فحسب، بل فعل ذلك حتى مع اجهزة الدولة المعنية". ورأى ان "الوزير ضلل كذلك الحكومة الأميركية عندما أوهمها بموافقة غالبية أعضاء مجلس الأمة على مشروع شمال الكويت، وقال لوزير الطاقة الأميركي وليام ريتشاردسون خلال اجتماعهما في 12 تشرين الثاني 1998 انه يعمل شخصياً في شكل جيد مع البرلمان، وأن غالبية النواب تساند المشروع". وأشار الصانع الى ثغرات في المشروع "مثل التعاقد مع مستشار قانوني أميركي لا يملك خبرة في الاتفاقات النفطية مما فرض شروطاً قاسية في العقد تعيد الينا أجواء اتفاقات الامتياز النفطي مع المندوب السامي البريطاني في الماضي، ومن ذلك أنه في حال الاختلاف مع الشركة الأميركية يتم الرجوع الى قوانين ولاية كاليفورنيا لا القانون الكويتي". وعلى رغم أن بعض الصحف الكويتية مال الى تأييد الشيخ سعود وانتقاد الموقف البرلماني من المشروع، إلا أن عليه أن يخترق جبهة متراصة من الخصوم النواب لتمرير المشروع وتنفيذه. ولن يحصل الشيخ سعود على تأييد معظم الاسلاميين بسبب الخصومة المتبقية من "أزمة الكتب الممنوعة" التي أخرجته من وزارة الاعلام في 1998، كما لن يحظى بدعم الليبراليين الذين يميلون تقليدياً الى جناح سياسي في السلطة غير الجناح الذي يدعم وجود الشيخ سعود في الحكومة. ويمكن قول الشيء ذاته عن النواب الشيعة، لذا سيسعى الى كسب تأييد النواب المستقلين وبعض نواب القبائل، لكنه سيكون أكثر حاجة الى ضمان تأييد كل الأقطاب الحكومية كي يمر المشروع بالطريقة التي يراها صحيحة.