الملاكمة... قيل عنها انها رياضة "الفن النبيل" من دون ان ينطبق هذا القول على احداثها، فضحاياها كثيرون واشهرهم الملاكم الاميركي الاسطورة محمد علي الذي يعاني من مرض "الشلل الرعاش" الذي اصابه من جراء ممارسة اللعبة. اما آخر ضحاياها فهو البريطاني بول اينغل الذي تلقى لكمة من الجنوب افريقي مبوليلو بوتيل اسقطته خلال دفاعه عن لقبه بطلاً لاتحاد الملاكمة العالمي في وزن الريشة، ولم يقم منها حتى الآن. وعلى رغم تصريحات الاطباء، الذين اخضعوا اينغل الى جراحة عاجلة لازالة تكلس دموي من فوق مخه، والتي اشارت الى ان حال الملاكم مستقرة، فأن الامل في الشفاء الكامل بات مستحيلاً بل ان تصريحات صدرت عن الجراح روبرت باتيرسبي اكدت ان "خطر الوفاة لم يبتعد عنه، والملاكم معرض لأن يفقد حياته في أي لحظة". وتعرضت هذه الرياضة تحديداً لجدل واسع منذ ان بدأت، وطالب الكثيرون بضرورة الغائها من اللائحة الاولمبية على الاقل. وأعادت حادثة اينغل هذا المطلب من جديد وبقوة، خصوصاً بعدما سمتها الصحف البريطانية الشعبية بالرياضة "البربرية". وأكد المناصرون لحقوق الانسان في بريطانيا وغيرها ان هذه الرياضة لا يمكن ان تمارس في مجتمع حضاري، وتساءلوا عن مصير اينغل في حال بقي على قيد الحياة واحتمالات تعرضه للتهميش الاجتماعي بعد "تهشيم" دماغه. واعترف هؤلاء بأن ما حدث وقع بإرادة الملاكم نفسه، وتحت مسؤوليته الكاملة مع ادراكه للمخاطر الكبيرة الناتجة عن ممارسة هذه الرياضة، لكنهم اشاروا في الوقت ذاته الى ان ذلك لا يعفي الذين يسمحون بممارستها من المسؤولية. ومن جانبه، عرض الدكتور جيفري غوندي احد اشهر الاطباء البريطانيين لوجهة نظر الهيئة الطبية في بريطانيا التي طالبت مراراً وتكراراً بالغاء هذه الرياضة العنيفة... مشيراً الى ان "التطور الطبي الكبير لم يسهم في تحجيم تأثيراتها السلبية الكبيرة والفادحة لجهة احتمال تسببها بالوفاة". وطالب بوقفة ضمير حقيقية عقب واقعة اينغل لمنع تكرار الحوادث الدراماتيكية المماثلة، مشيراً الى ان ورقة "التحجج" بادراك الملاكمين حجم الاخطار المحدقة بهم سقطت فعلاً على ارض الواقع. وأعلن المسؤول عن شؤون التشريع في حزب العمل البريطاني بول فلين عن انه سيواصل سعيه الحثيث الى تبني قانون في البرلمان يمنع ممارسة رياضة الملاكمة محلياً، وأشار الى ان الموضوع سيطرح جدياً على بساط البحث في البرلمان المحلي العام المقبل. وقال: "ان قرار المنع يجب ان يتخذ من منطلقين طبي وانساني معاً، فأخطار تضرر الرأس من اللكمات الموجهة مؤكدة طبياً، علماً بان 80 في المئة من الملاكمين السابقين يواجهون مشاكل صحية مختلفة في الرأس تحصل في ثوانٍ معدودة". من جهته، اعتبر فرانك وارين، مروج مباريات الملاكمة، حادثة اينغل امراً بديهياً اقترن دائماً بتاريخ اللعبة واحداثها: "فضريبة شهرتها معروفة، لكن من النادر ان تصل الى حد المأساة كما حصل لاينغل. واكد ان ما حدث لن يدفعه الى الانسحاب من هذا المضمار "اذ انني لا ازال اؤمن بقيم هذه الرياضة الخالدة، والتي تعكس رغبة الانسان في اثبات قدراته في مواجهة التحديات الجسدية الصعبة". اصعب الكلمات جاءت على لسان فرانك مالوني، مدير اعمال اينغل، اذ وصف الحال الصعبة التي تعيشها والدة الملاكم وخطيبته واصدقائه "ان وقع المصيبة كبير، لكن احداً لا يستطيع شيئاً حيالها الآن الا الصلاة وترقب مشيئة الله".