في متحف الشارقة للفنون التشكيلية أقيم معرض لمقتنيات الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني. وكما يبدو من العرض الذي نشر في جريدة "الحياة" العدد "13788" يوم الاثنين 11 كانون الأول ديسمبر الجاري بقلم مهى سلطان ضم المعرض مجموعة كبيرة من المقتنيات الخاصة لعدد كبير من الفنانين العرب من معظم البلدان العربية. ومن الإشارات العابرة التي مرت عليها الكاتبة: "من ينظر الى نصف الكوب الفارغ يبدأ ليحصى ثغرات تلك المجموعة، وما غاب عنها من إنتاجات بعض البلدان العربية وطغيان فنانين أكثر من غيرهم على أجنحة المعرض، ومن ينظر الى نصف الكوب المملوء، يعترف بأهمية ذلك المشروع الحضاري غير المسبوق عربياً...". المشروع أولاً سُبقَ بمشاريع مشابهة في متاحف شخصية هنا وهناك وفي مقتنيات خاصة تأسست على قيم معرفية وابداعية رصينة لا يبرر الاحتفاء بهذا المشروع اغفالها وإن انزوت بعيداً من الخطاب الثقافي السائد، كما ان تقدير أهمية أي نشاط ثقافي لا يتحدد بمقدار ما في الكأس بل بنوعية ما فيها. وقبل الخوض في المعايير التي تأسس عليها الفن العربي المعاصر أقف عند ثلاث ملاحظات سريعة وردت في المقال: أولاً: جاء عنوان المعرض عاماً وقاطعاً ليجعل المعرض اختصاراً لمئة عام من الفن التشكيلي العربي. ونحن نعرف أن عُمر الفن التشكيلي العربي بمفهومه الحديث لم يتجاوز الخمسين عاماً في أفضل الحالات، كما ان الادعاء بحصر كل تجارب الفنانين العرب وانتاجهم في معرض واحد ادعاء لا يخلو من المبالغة. ثانياً: أشير في المقدمة الى أن منظم المعرض هو الفاعليات الثقافية... فهل هذا مسمى دقيق لجهة ما؟! ثالثاً: وفي قراءة سريعة وجدت الفنان جواد سليم تلميذاً لكاظم حيدر وأتمنى ألاّ تكون بقية المعلومات بمثل هذه "الدقة". وأعود الى المشروع الحضاري، وهو كذلك عندما يتوخى حصر نتاج ابداعي لأمة ما، وهو بلا شك هدف وضعه الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني نصب عينيه عندما بدأ بمشروعه هذا، غير ان حصاده جاء من حقول لم يزرعها. وبقدر ما يعفيه هذا من مسؤولية التثبت من نوعية الغلّة يفرض عليه الحذر من اطلاق التسميات العامة التي تحمّل مشروعه وزر أخطاء الآخرين وخطاياهم. فمجموعته لم تأت من معارض عامة نظمت على أسس سليمة ووفرت فرصاً متكافئة للفنانين العرب لعرض أعمالهم، كما اننا لا نملك جرداً ابداعياً مستقلاً للفن العربي يضع الابداع أساساً للتقويم مما يجعل عملية الاقتناء والعرض في سياقها السليم. فالأسماء المكرسة في الفن التشكيلي العربي استندت في الغالب الى اعتبارات يشوبها الكثير من الالتباس والتواطؤ على رغم "ما شابها" من تجارب ونتائج فردية راقية. فالمفهوم المعاصر للفن التشكيلي العربي خضع لاعتبارات متعلقة بمظاهر نشوء الدولة الحديثة لا بحاجات المجتمع وتقاليده، أي انه نشأ بشبه قرار رسمي ولذلك رافقت ولادته دعاوى صاخبة لإحياء التراث والبحث عن هوية وطنية وملامح محلية لتسد فراغاً هائلاً يمتد الى زمن سحيق، إذ لم يعرف المجتمع العربي بثقافته الاسلامية تقاليد التصوير. من هنا حصرت مهمة الفنان في صوغ المقابل البصري للبيان السياسي من جهة وتزيين الواجهة الوطنية بصور تعطي هذا الكيان صبغته الخاصة ليبتلي الفن العربي لاحقاً بدعاوى وبيانات فرعية من تراثية وقوموية وحروفية وواقعية ثورية وغيرها... وكلها دعاوى في جوهرها صدى للخطاب السياسي لم يترك في اللوحة مساحة للابداع. وعلى الطرف الآخر طرحت الأحزاب مفاهيمها المقابلة وهي مفاهيم ملحقة أيضاً بالخطاب السياسي المعارض ركنه الأول معارضة المفاهيم الرسمية السائدة، وهذه توزعت بين تبني الاتجاه الواقعي الاشتراكي بمفهومه السوفياتي الذي اختزل علم الجمال المادي الجدلي بتمجيد التصوير الواقعي وبتبسيط فج من جهة وبين الايمان المطلق بمفاهيم السوق الاستهلاكية الغربية وهو ايمان ان وجد في الاقتصاد الغربي الحر بعض مبرراته فهو عندنا لا يقل فجاجة عن اختزال الفن التشكيلي في عملية التصوير وحسب. وبين الدولة والأحزاب تأتي العائلة التي لازمت تقاليدها الاجتماعية وشروطها ظروف بناء الدولة والأحزاب فتخلت عن دورها الايجابي في حفظ قيم المجتمع لتتحول الى خلية لتكديس الثروة والسلطة ومن ثم اجتراح مفاهيم وتقاليد لحماية هذه المكتسبات. وبين الدولة ومقتضيات السياسة والسيادة، والحزب وشروط الولاء، والعائلة واغراءات الثروة يضيع حق الابداع العام، وتبقى الأسئلة حائرة عن جدواه وعن شروطه ومعاييره... ومن أي باب يدخل الى متاحف العرب.