الكتاب: قاموس سيري لمصر الحديثة بالانكليزية الكاتب: آرثر غولد شميدت الناشر: الجامعة الاميركية - القاهرة 2000 مَنْ أبرز الشخصيات التي أثّرت في تاريخ مصر في العصر الحديث؟ سؤال صعب ويتحمل الكثير من الآراء التي تقبل الاختلاف والإجماع. استاذ تاريخ الشرق الاوسط في جامعة ولاية بنسلفانيا الاميركية الدكتور آرثر غولد شميدت، اقدم على الاجابة عن السؤال في كتاب عنوانه "قاموس سيري لمصر الحديثة" Egypt Biographical Dictionary Of modern اهداه الى "الشعب في مصر". ويبدأ غولد شميدت "قاموسه" بداية كلاسيكية هي ان مصر تتبوأ المركز الاول بين الدول العربية من حيث التعداد، والثقافة والتوثيق التاريخي. ويشير الى افتقاد الباحثين في تاريخ مصر الحديث لمراجع على غرار "السير الوطنية الاميركية" American National Biography. ونظراً لعدم وجود اجماع في شأن توقيت لبداية تاريخ مصر الحديث، فقد وقع اختيار غولد شميدت على اواخر القرن ال18 ليكون بداية لهذا التأريخ. ويرد المؤلف في مقدمة كتابه على السؤال الذي حتماً سيرد على اذهان كل من تقع عينه على هذا الكتاب، وهو المقياس الذي اتبعه في اختيار الشخصيات. ويقول ان المقياس الاول هو "هل تضمين فلان لازم لتقديم صورة عن تاريخ مصر الحديث؟". ويشير غولد شميدت الى ان السير المشابهة في الغرب، يجب ان تتضمن جنرالات وساسة وديبلوماسيين، الا انها في العالم الاسلامي تركز على الزعماء الدينيين، والاكاديميين والشعراء. وقد لجأ المؤلف الى تصنيف الشخصيات تبعاً للترتيب الابجدي، وان ذكر ان حجم المعلومات المصاحبة لكل اسم يحدد اهمية صاحب الاسم تبعاً لتقديره. "الحياة" قسّمت الشخصيات الواردة، في خمسة مجالات: الثقافة، والاقتصاد، والفن، والمرأة، والسياسة. ففي الثقافة، اشتمل جانب كبير منها على الصحافة، واختار غولد شميدت اسماء عدة، نختار منها الشقيقين التوأمين علي 1914-1976 ومصطفى 1914-1997 أمين، مؤسسي جريدة "الأخبار" في عام 1952، والدكتور محمد حسين هيكل 1888-1956 الكاتب والسياسي والمحامي، مؤلف كتاب "حياة محمد" ووزير التعليم في وزارات عدة، والموقع على ميثاق جامعة الدولة العربية في عام 1945، ويصفه غولد شميدت بأنه "أحس بأنه ممزق بين العلمانية والاسلام، الحرية والسلطة، ومبادئ حزبه الأحرار الدستوري الديموقراطي، وايمانه الشخصي بأن مصر يجب ان تحكم من قبل المواطنين الاكثر تعليماً". وهناك الكاتب محمد حسنين هيكل المولود في 1923 الذي درس في كل من جامعة القاهرة والجامعة الاميركية في القاهرة من دون ان يتخرج في اي منهما. وهو الذي بدأ حياته في مجال الصحافة وكان له باع طويل فيها، وكان مقاله الاسبوعي "بصراحة" بمثابة انعكاس لفكرة الرئىس الراحل جمال عبدالناصر. ويشير اليه غولد شميدت قائلاً ان "هيكل لم يستعد تأثيره السابق في ظل حكم الرئىس مبارك، لكنه يحوز على احترام واسع كمثقف وكاتب وصحافي". كما يصف ذكرياته التي نشرت تحت عنوان "1967: الانفجار"، بأنها "قيمة وان كانت احياناً تخدمه شخصياً". ومن الشخصيات الثقافية التي يرجحها غولد شميدت ثروت أباظة، واحسان عبدالقدوس، وعائشة عبدالرحمن، وعباس محمود العقاد، واحمد بهاء الدين، وتوفيق الحكيم، ويحيى حقي، وطه حسين، ويوسف ادريس، وصلاح جاهين، ونجيب محفوظ، ومصطفى محمود، وأنيس منصور، ويوسف السباعي. ويلاحظ ان الغالبية العظمى من الشخصيات الثقافية رحلت الى العالم الآخر. وفي الاقتصاد، تكثر الاسماء الاجنبية التي يرى غولد شميدت انها اثرت في مصر، فهناك سلفاتور مورنو شيكوريل التركي الاصل 1894، وغير معلوم تاريخ الوفاة، الزعيم اليهودي والرياضي وصاحب المحلات التجارية التي ما تزال معروفة باسمه. وكان شيكوريل كابتن مصر في فريق المبارزة الاولمبي عام 1928، كما كان عضواً نشطاً في مجتمع اليهود الشرقيين السفارديم في القاهرة، وكان عضواً في غرفة التجارة المصرية حتى اواخر الخمسينات. وبعد تدمير محله في القاهرة عام 1952، اعاد بناءه بتوسع بمساعدة من الضباط الاحرار، الا انه اضطر الى بيعه في اعقاب "أزمة السويس" العدوان الثلاثي في عام 1956، كما توجه الى فرنسا في عام 1957 ولم يعد مرة اخرى. ويختار غولد شميدت البارون جاك ليفي دو مناش 1850-1916 وهو الزعيم اليهودي ايضاً، عمل في تجارة القطن والسكّر، وتبوأ مناصب في شركات عدة كما أسهم في جمع الاموال اللازمة لبناء كلية فيكتوريا المشهورة. اما سالم صيدناوي 1856-1908 المولود في دمشق، فقد انتقل الى مصر في عام 1879 مسبوقاً بشقيقه سمعان، وأسس الشقيقان محلهما التجاري المشهور في عام 1885، وامتدت فروع "صيدناوي" من القاهرة الى الاسكندرية وليون وباريس ومانشستر، كما استثمرا اموالهما في الاراضي والعقارات، وتم تأميم محلاتهما في عام 1961. وهناك زعيم اليهود في مصر يوسف اصلان قطاوي 1845 او 1861-1942 وكان رجل اعمال، ومهندساً، وعضو برلمان، ووزيراً، وكان قطاوي شديد الولاء لمصر، وشديد العداء للصهيونية. وهناك بالطبع طلعت حرب 1867-1941 مؤسس "بنك مصر" ذو الميول الوطنية القوية، وصاحب الكتب التي تعظم الحضارة الاسلامية، والمدافعة عن حجاب المرأة، والمعارضة لمد فترة امتيازات شركة قناة السويس. ويعود اليه الفضل في تأسيس شركة "مصر للطيران"، و"استوديو مصر" ومشاريع وطنية اقتصادية عدة. وتغطي الشخصيات الفنية جميع المجالات: من فن تشكيلي، واخراج، وتمثيل، وغناء، وتلحين، وتأليف: يعقوب صنوع 1839-1912 الكاتب الساخر، والصحافي، والكاتب المسرحي، ولد لعائلة يهودية من اصول ايطالية، وشملت تعاليمه الدينين الاسلامي واليهودي، كان على علاقة وثيقة بجمال الدين الافغاني كما كان له نشاط في الحركة الماسونية. ويصفه غولد شميدت بأنه "كان رائداً في كل من الدراما والصحافة في مصر وعرف عنه انه يهودي ووطني مصري في آن". ويلفت غولد شميدت الى المخرج يوسف شاهين المولود في عام 1926 لمحام من اصل سوري وام من اليونان الارثوذوكس بأنه متميز بين المخرجين المصريين بالأفلام التي تعد سيراً ذاتية منذ اول افلامه "بابا أمين" 1950. ويشير الى رفض شاهين الدعوة الموجهة له من معهد فان لير لحضور مهرجان القدس السينمائي في عام 1997، كذلك الى الرحلة التي ترأسها في عام 1998 لمساندة اطفال العراق ومناهضة الحظر المفروض عليه من الاممالمتحدة. ومن الممثلات، يشير غولد شميدت الى "سيدة الشاشة العربية" الفنانة فاتن حمامة المولودة في عام 1931، ويذكر انها "تركت مصر تحت ضغط من استخبارات عبدالناصر، وعاشت ست سنوات في اوروبا، وبتشجيع من ام كلثوم، عادت الى القاهرة في عام 1970، ورفضت عرضاً مغرياً من الاسلاميين لترتدي الحجاب وتعتزل العمل". ومن الاسماء التي اختارها غولد شميدت زكريا احمد، وسيد درويش، وعبدالحليم حافظ، وفريد الاطرش، ومنيرة المهدية، وبديعة مصابني، وأم كلثوم، وبيرم التونسي، وسلامة حجازي، وعبده الحامولي. ولعل اسم قاسم امين 1863-1908 هو البداية المنطقية للشخصيات النسائية البارزة التي وقع اختيار غولد شميدت عليها. فهو المحامي، والكاتب ورائد النسوية المصرية. وقد تعرضت آراؤه الخاصة بالمرأة للكثير من الانتقادات، لا سيما من طلعت حرب ومصطفى كامل، لكنها كانت بطبيعة الحال ملهمة للكثير من المدافعات المصريات عن حقوق المرأة. ويشير غولد شميدت الى ان البعض يجادل حالياً بأن اثراء آراء قاسم امين تعرض لمبالغة شديدة. وعن نوال السعداوي المولودة في عام 1930 الطبيبة والكاتبة والمدافعة عن حقوق المرأة، كتب غولد شميدت انها كتبت عن الكثير من المحظورات في المجتمع المصري، والقي القبض عليها إبان حكم الرئىس الراحل انور السادات، وهي تحوز اعجاب الكثيرين من المدافعين عن حقوق المرأة في مصر وخارجها. كما تنتقد احياناً لمخاطبتها غير قضية سياسية في آن. وعلى النقيض من السعداوي، يقع اختيار غولد شميدت على زينب الغزالي، التي يصفها ب"الاسلامية الرائدة"، درست القانون في باريس والفقه في القاهرة، وأسست "جماعة السيدات المسلمات" المستقلة عن الاخوان المسلمين. وفي عهد السادات، نظمت "الاخوات المسلمات" ومنعتها الحكومة المصرية من السفر للخارج في عام 1987. ويصف غولد شميدت السيدة جيهان السادات المولودة في عام 1933 بأنها "من دعاة حقوق المرأة، ونشطة سياسية والزوجة الثانية للرئيس الراحل انور السادات. وكان دورها بارزاً في سن ما عرف ب"قانون جيهان" في عام 1979، والذي كان يوجب على الزوج تسجيل الطلاق، واعلام الزوجة". كما قضى بضرورة موافقة الزوجة الاولى على زواج زوجها بأخرى، وهي امور عارضها عدد كبير من المسلمين باعتبار انها مناقضة للشريعة. كما تعرضت للكثير من النقد لقيامها بدور بارز اكثر مما ينبغي "في الحياة العامة في مصر اثناء حكم السادات". وترد اسماء مثل هدى شعراوي، ودرية شفيق، ونبوية موسى، وملك حفني ناصف، وعائشة التيمورية، وفاطمة اليوسف، وصفية زغلول، وسهير القلماوي، وأمينة السعيد. اما السياسة، فحازت نصيب الاسد في قاموس غولد شميدت، وهي تحوي الكثير من الاسماء الاجنبية والمصرية، إضافة الى الرموز الدينية التي اثرت وتأثرت بالسياسة. ومن الاسماء الاجنبية، وغالبيتها يعود الى القرن ال19 وأوائل القرن ال20، السير هربرت كيتشنر 1850-1916 القنصل العام لبريطانيا في القاهرة بين عامي 1911 و1914. وقد انضم الى الجيش المصري في عام 1883، وشارك في حملة غوردون الفاشلة على السودان. واختاره الخديوي عباس ليكون قائداً عاماً للقوات المصرية في عام 1894. وأثناء عمله في القاهرة، نسبت اليه اعمال عدة، منها تحسين نظام الري، واقناع الحكومة المصرية بالموافقة على قانون "الفدادين الخمسة"، وتأسيس وزارة الزراعة. ويفرد غولد شميدت صفحة ونصف الصفحة لفرديناند ديليسبس 1805-1894 الديبلوماسي الفرنسي والأب الروحي لقناة السويس، الذي استغل صداقته للأمير سعيد في اقناعه بمزايا الملاحة بين البحرين الاحمر والمتوسط، وفي خلال خمسة ايام، اقنع ديليسبس سعيد بتوقيع يتيح لشركة قناة السويس حق الانتفاع بها لمدة 99 عاماً. ويكتب غولد شميدت مشيراً الى ديليسبس: "لم يتحقق امله ابداً في ان تفيد قناة السويس المصريين، ومعظم المصريين ينظرون اليه حالياً باعتباره نموذجاً لكل من استغل بلدهم". ومن ساسة القرن العشرين، يفرد غولد شميدت اربع صفحات للرئيس الراحل جمال عبدالناصر 1918-1970 ومن ابرز ما جاء ان "التظاهرات الشعبية، التي بدت عفوية وان كانت غالب الظن منظمة، اقنعت ناصر بسحب استقالته، وذلك عقب هزيمة حزيران يونيو 1967". ويرى غولد شميدت انه بعد قبول ناصر قرار مجلس الامن الرقم 242، ثم انهائه حرب الاستنزاف فجأة، وقبوله خطة روجرز للسلام في 1970، بدا وكأنه يتحرك نحو السلام مع اسرائىل، وهي وجهة النظر التي ترددها الدوائر الغربية وتنفيها الدوائر المصرية بشدة. ويبدو رأي غولد شميدت الشخصي واضحاً جلياً حين يصف السياسات التي اتبعها الرئىس الراحل انور السادات، والتي غيرت الكثير من السياسات الداخلية والخارجية لسلفه، بأنها اتاحت للمصريين فرصة مهاجمة شخصية ناصر القمعية وفشل سياساته الاشتراكية. ويصنف غولد شميدت السادات 1918-1981 بأنه ضابط وكاتب وسياسي ورئىس لمصر من 1970 الى 1981، ويرى ان معظم سياساته كانت رد فعل لسياسات ناصر، وأبرزها المتعلق بحرب تشرين الاول اكتوبر 1973 التي اعادت الى مصر كرامتها، فتلألأت، من ثم، سمعة السادات على حساب ناصر. ويشير الى ان السادات تخلى تدريجاً عن اسلوبه البسيط في الحياة، وانتقل الى القصور، وكون صداقات مع المصريين والاجانب الاثرياء واصحاب النفوذ. وعلى رغم ان عدداً ضخماً من رؤساء وملوك العالم شارك في تشييع جنازته، الا ان عدداً قليلاً من المصريين حزن لوفاته. ويضيف ان "السادات ممثل قدير، وديبلوماسي حاذق، وفي كثير من الاحيان على درجة عالية من الوطنية، فقد لمسته الشعبية وربط مصر بالسياسات الاميركية". وبالطبع، لم تفت غولد شميدت الملامح الاسلامية للسياسة المصرية، فبدأ بجمال الدين الافغاني 1838-1897 "الداعية الاسلامي الذي استهدف تهييج الشعور العام، والفيلسوف، والمعلم والمحرك الاساسي للشعور القومي في مصر ودول اسلامية اخرى". وهو الذي "اوصى بالإحياء الحديث للقوة الاسلامية". ومنه الى تلميذه الشيخ محمد عبده 1849-1905 "المصلح الاسلامي، والمؤلف والصحافي والمفتي، واستاذ الازهر. وعلى رغم جهود عبده للتوفيق بين الاسلام والحداثة، الا انها لم تحقق نجاحاً كبيراً امام اختبارات الزمن". ويجمع غولد شميدت بين التطرف والاعتدال فهناك الشيخ عمر عبدالرحمن المولود في عام 1938 "الزعيم الاسلامي في الخارج"، ويتتبع المؤلف خط سير الشيخ الضرير من الفيوم حيث وصف ناصر ب"الكفر" ومن ثم السجن، ومنه الى النفي الموقت في السعودية، وعودته الى مصر حيث انضم الى جماعة "الجهاد الجديد" وعلاقته بحسن الترابي. وبعدما افرج عنه الرئىس مبارك من السجن الذي القي فيه في ايلول سبتمبر عام 1981، الا انه يسجن مرة اخرى في عام 1985 بتهمة تكوين جماعة سرية، ويعود الى بيشاور ليساعد المجاهدين الافغان، واخيراً، يستقر في اميركا. ويلمح غولد شميدت الى تلقيه مساعدة من السفارة الاميركية في الخرطوم، لكنه يحصل هناك على حكم بالسجن مدى الحياة لضلوعه في خطة تفجير مركز التجارة العالمي. ويشير غولد شميدت الى شكري مصطفى 1942-1978 "الزعيم الاسلامي العسكري". بدايته كانت مع القاء القبض عليه في عام 1965 لتوزيعه منشورات جماعة "الاخوان المسلمين"، ومنها الى تأسيس جماعة "التكفير والهجرة"، ونهايته كانت بالقبض عليه والحكم عليه بالاعدام. وعلى رغم انهيار جماعته، الا ان اعضاءها انضموا الى جماعات اخرى. وعلى سبيل الاعتدال، يشير غولد شميدت الى الشيخ محمد متولي الشعراوي 1911-1998 "الخطيب الاسلامي" المعروف، والكاتب والوزير والعضو السابق في جامعة "الاخوان المسلمين"، ويشير المؤلف الى احدى فتاويه وهي "تحريم جراحات التجميل". وكان الشعراوي من المناهضين لتأسيس حزب سياسي اسلامي، وكان يدعو الى المبادئ الاسلامية من دون معاداة نظام الحكم. الاسماء السابقة وردت ضمن نحو 400 اسم لرجل وامرأة يرى المؤلف انهم لعبوا ادواراً رئىسية في تاريخ مصر الحديث. ويفترض ان يكون الكتاب مرجعاً علمياً الا ان اختيار الاسماء والمعلومات قابلة للنقد. ولا يخفى على القارئ ميل غولد شميدت الى عرض وجهات نظره في اشخاص وسياسات معينة. وللعلم فهو مؤلف كتاب "تاريخ موجز عن الشرق الاوسط" وهو المنهج الدراسي المقرر على جميع طلاب الجامعة الاميركية في القاهرة منذ ما يزيد على عقدين.