آلاف من محبي جون لينون اجتمعوا، يوم الجمعة الماضي، لتحية بطلهم الذي قُتل قبل عشرين عاماً. مغني فرقة "البيتلز" وشاعرها، الذي كان قد اقيم له قبل شهر متحف في طوكيو، نُصب له عشرون تمثالاً في العالم، يقع أحدها خارج مبنى الاممالمتحدة في نيويورك. حتى في كوبا حيث مُنعت موسيقى لينون و"البيتلز" بسبب "ضعفها الايديولوجي" و"تفسّخها"، ارتفع له تمثال ازاح الستار عنه فيديل كاسترو شخصياً. وقد امتدح القائد الكوبي لينون بصفته "ثورياً"، وعرّف عن نفسه بأنه "لينوني"، متلاعباً على تعبير لينيني. الاحتفال لم يخل من متاعب. فالفنان الذي أرداه احد معجبيه المهووس مارك شابمان وهو مغادرا شقّته في نيويورك، كان موضوعاً سجالياً في المدينة نفسها: رودولف جولياني محافظ نيويورك الجمهوري رفض ابقاء "سنترال بارك" مفتوحاً طوال الليل للمحتفلين. ومتذرّعاً بالحجج الامنية لم يستجب جولياني مناشدة شخصية بفتحه وجهها اليه أدوين كلاين، محافظ مدينة ليفربول البريطانية - مدينة لينون وباقي افراد فرقته. والمعروف ان المعجبين الذين كثيراً ما استاؤوا من خطوة المحافظ، درجوا في كل ذكرى سنوية على التجمّع هناك، قريباً من حيث اغتيل، وعلى عزف اغانيه وغنائها. ولد جون لينون في بيئة عمالية عام 1940، وعاش مع خالته في وولتن، من اعمال ليفربول، منذ 1945 حتى 1963 حين ذاعت شهرته عالمياً. وهو لئن قضى في الاربعين، فقبل شهر واحد فقط أعيد ذكره بقوة الى صدارة الحدث. فقد نزل الى السوق ألبوم "1" الذي ضم 27 من اشهر اغاني البيتلز واكثرها شعبية، فباع 12 مليون نسخة متفوقاً على مبيعات فرق شعبية جداً ك"أوايسيس" Oasis. وكانت المناسبة فرصة تعلن فيها الفرق الغنائية الأخرى تأثّرها كلها تقريباً، بشكل أو آخر، بالبيتلز. ففي اواسط الخمسينات بدأت القصة التي صنعها لينون وشركاؤه الثلاثة في الفرقة: بول ماكارتني وجورج هاريسون ورينغو ستار. كانوا يحيون سهراتهم الأولى في "كافرن كلوب"، فيما كانت اغاني "البلوز" و"الروك" تعصف بالولاياتالمتحدة ويلمع معها نجم ألفيس بريسلي. ولم يكن طريق البيتلز معبّداً بالرياحين. فحين عرضوا اغانيهم على شركة "ديكّا" للاسطوانات رفضتها. وبات عليهم ان ينتظروا الستينات حين اصدرت شركة "إي. آم. آي" ألبومهم الأول. وفعلاً خاطب هؤلاء الشبان الأربعة الذين أطالوا شعورهم وأرخوها على وجوههم مُطلقين على أنفسهم "بيتلز" خنافس، موجة مماثلة لتلك التي كانت تهبّ على الولاياتالمتحدة: فالستينات هي حقبة الرخاء الاقتصادي، واليقظة على الحياة والمتعوية بعد دمار الحرب الثانية. بيد ان الستينات ايضاً زمن توكيد الفرد على فرديته وميل الشباب للتخلص من السلطة الأبوية. ومن اصلاحية رئيس الحكومة هارولد ويلسون وتجديداته في بريطانيا الى الشبابية التي عكسها صعود جون كينيدي في اميركا، ومن الاعتراض على حرب فيتنام الى ثورة أيار مايو 1968، راحت اتجاهات متضاربة تعتمل وتعكس نفسها على الأداء الفني. وجاءت خصوصاً أغنية لينون الشهيرة "تخيّل" لترفع بعض هذه الرغبات الى مصاف نشيد لشبيبة العالم التي اتعبتها قيود العائلة والأمة وسائر الانتماءات المُلزمة. أما في بريطانيا تحديداً فكانت الطبقة العاملة، مع البيتلز، تحلّ في المتن العريض لثقافة بقيت طويلاً حكراً على الاريستوقراطية وتقاليدها. الا ان مساهمة لينون ورفاقه جاءت على شكل موسيقى ناعمة وكلمات عاطفية محافظة نسبياً. هكذا قدّم ويلسون لهم وساماً ما كان يمكن ان تحظى بمثله فرق رافضة وصاخبة ك"الرولينغ ستونز" و"أنيملز". مع هذا لم يهادن لينون في موقفه من حرب فيتنام. ومؤخراً كشفت وثائق رسمية اميركية أُفرج عنها، كم عانى في الولاياتالمتحدة بسبب موقفه هذا. لكن التأثير "الثوري" لاغاني البيتلز تجاوز الغرب الى الشرق حتى عُدّت، بشيء من المبالغة، من أسباب اندفاعة الشبيبة السوفياتية الى التغيير. لقد اقترن لينون بسينثيا باويل، وانجب منها جوليان في 1963. ثم تزوج في 1975 الفنانة والمغنية اليابانية يوكو أونو، فأثمر زواجهما صبياً آخر هو شين. والاثنان اليوم موسيقيان ومغنيان. وحينما أصرّت أونو على حرمان جوليان كلياً من ميراث أبيه، حكمت المحكمة له في 1998 ب20 مليون جنيه استرليني فقط.