الذين قالوا ان قراءة الكتب صارت من الماضي واستسلمت للتلفزيون، بالغوا وتسرّعوا. هذا ما تشي به، على الأقل، ظاهرة الاقبال على البطل الجديد لكتب الأطفال: هاري بوتر. وللوهلة الأولى ما من شيء في مظهر هاري بوتر، ابن الرابعة عشرة، يميزه عن سواه من أبناء جيله أو يفسر كونه البطل المحبب لما لا يقل عن 66 مليوناً منهم. فشعره الأسود مقصوص بطريقة سيئة، وهو ضعيف النظر ويرتدي نظارات، اما ملابسه فعادية وخالية من كل ما يلفت الانتباه. لكن سر شعبية هاري بوتر، الولد اليتيم الذي يقيم مع عم وعمة يكرهانه، يكمن في العصا القصيرة التي تلازمه كونه ساحراً، وتلميذاً في مدرسة خاصة بالسحرة، يتدرب فيها على تطوير موهبته. ويحيط بهذا الولد اليتيم تهديد دائم يتمثل بالساحر الشرير اللورد فولدمور الذي يتعقبه سعياً الى التخلص منه، لأن قدرات هاري بوتر في مجال السحر تفوق قدراته. وتترتب على ذلك سلسلة من المغامرات المفزعة احياناً والمشوقة دائماً. ويتجاوز هاري بوتر المواقف المعقدة التي يواجهها، بفضل وصفات عجيبة ومفردات خاصة يستخدمها مع أمثاله من السحرة، مما يطرد النوم من عيون قراء مغامراته التي صدر الجزء الرابع منها في فرنسا يوم الثلثاء الماضي، ويحمل عنوان "هاري بوتر وكأس النار". وبلغ عدد قراء الأجزاء الثلاثة الأولى من مغامرات هذا البطل الجديد، 1.4 مليون في فرنسا، وترجمت في 50 دولة في العالم، فيما تحولت مفرداته مثل "مولدو" اي الناس العاديين غير السحرة، و"كركمول" وهو الساحر الذي لا يعرف كيفية استخدام قدراته، الى مفردات شائعة يستخدمها المراهقون تلقائياً. لم يكن هاري بوتر ليري النور، لولا فقدان جوان كاثلين رولينغ 33 عاماً وظيفتها، وهي بريطانية مطلقة وأم لطفلة في السابعة من العمر، ما جعلها تقضي ساعات طويلة في أحد المقاهي حيث خطرت لها فكرة كتابة مغامرات هذا المراهق اليتيم والحزين والحالم. لكن فكرة رولينغ لم تثر انتباه دور النشر البريطانية التي توالت على رفض نشر الجزء الأول، وذلك حتى 1997 حين وافقت احداها على نشره، فتحول هاري في غضون عام الى "صرعة" يتلقفها المراهقون البريطانيون، قبل أن يذيع صيته في العالم. قد تكون لقدرات هاري بوتر السحرية دور في هذا الرواج، اذ انه ربما أراد مكافأة رولينغ على ما فعلته ومساعدتها على الانتقال من وضعها كعاطلة عن العمل، الى صاحبة ثالث أكبر ثروة في بريطانيا. ولمناسبة صدور الجزء الرابع من مغامرات هاري بوتر، تعمدت دار نشر "غاليمار" الفرنسية الشهيرة التعامل معه كحدث مميز وخصصت له عملية تسويق تشكل سابقة في تاريخ دور النشر الفرنسية. فعلى غرار الأسلوب الذي تعتمده شركة "سوني" لتسويق آخر ألعابها الالكترونية، عملت "غاليمار" على إحاطة الكتاب الجديد بجو من السرية والكتمان، طالبة من عدد من المكتبات فتح أبوابها عند منتصف ليل الثلثاء الماضي، لكي يتسنى لأكثر المتحمسين لهاري بوتر من المراهقين ان يكونوا الأوائل في شراء الكتاب والاطلاع على مجموعة المغامرات الجديدة التي يتضمنها. لكن الحصول على الكتاب، الذي طبع منه 500 ألف نسخة، لم يكن متاحاً سوى للذين حجزوا نسخهم مسبقاً ودفعوا عربوناً صغيراً للمكتبة. وفيما احتشد صغار القراء أمام المكتبات لسحب نسخهم، دعي بعض المحظوظين منهم الى السهرة الخاصة بهاري بوتر التي اقيمت في مقر "غاليمار". واعتبرت هذه العملية من انجح عمليات تسويق الكتب في فرنسا، لكنها لم تحظ باجماع العاملين في هذا المجال. اما الأهل فهم مدهوشون لقدرة هاري بوتر على ابعاد أولادهم عن ألعابهم الالكترونية وإعادة جذبهم الى أحد أقدم وسائل التسلية وأكثرها تقليدية وهي: المطالعة. وبدورهم وجد المحللون في نجاح هاري بوتر الصارخ أسباباً أبعد مما تظهره الأمور المباشرة. فهو عادي الشكل مثل معظم الأطفال، مظاهر ضعفه تشبه مظاهر ضعف الكثيرين. وهو يتيم ومظلوم في آن، وهذا يحيطه بعاطفة وبرغبة في متابعة المسلسل المغري، الا انه ايضاً ساحر وذو كلام غرائبي، وهو ما يحرك في متابعيه حب الخوارق والمعجزات. وأما الكتاب الذي يجمع هذا كله بين دفتيه فيخاطب موضعاً لم يعد أحد يخاطبه في زمن الألعاب الالكترونية: انه الملموس والترابي الذي تمكن السيطرة عليه. والطفل، الذي بولغ في وصف ضعفه، لا يعدم الرغبة في السيطرة ولو على كتاب يتحكم بفتحه واغلاقه. وفيما بدأت رولينغ كتابة الجزء الخامس من مغامرات بطلها، اعلنت هيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي أمس انها ستبث خلال فترة عيد الميلاد قراءة متواصلة على مدى ثماني ساعات لأحد اجزاء سلسلة "هاري بوتر"، وقد وافقت الاذاعة على شرط المؤلفة ان تتم قراءة الكتاب من دون توقف أو اختصار.