الكتاب: الصوت البشري آلة عبقرية الكاتب: سليم سعد الناشر: دار الجبل الأخضر - بيروت تنبعث من الكتاب أسئلة تبحث عن المجهول، وتتقصى طريق المختلف، فكان الصوت البشري له مفتاحاً. والمفتاح هنا يستتبعه الإيقاع، والإيقاع يستتبعه الاشتقاق الأكبر والاشتقاق الأصغر بمعادلة "الماجور" و"المينور" للصوت العالي أو المنخفض وما علاقتهما بالنبرة في الكلمات والصدى الذي يؤديه عبر المسافة بين استخدامنا للحروف في بحر الكلمات والشعر. ومدار الحديث هنا قد يعيدنا الى الدائرة الصغرى والدائرة الكبرى في حدود الصوت البشري كآلة. وهنا يرتبط الحديث بتركيب الصوت بيولوجياً في الجسد البشري كظاهرة فيزيولوجية يشدد عليها الكتاب في متونه سواء في تقنية الصوت وماهيته، وعلاقته بالتنفس والرئتين والقصبة الهوائية والحنجرة وصولاً الى الحجاب الصدري والكتفين والقفص الصدري، والفم والحلق ودواخل الخدين واللسان وسقف الحنك، وجهاز النطق والحاجز الحلقي والتجويف الأنفي والشفتين. إن هذا القسم من جسد الانسان لهو في مكان اهتمام الباحث عن هذه الآلة العبقرية التي دفعت بي للدخول في المجهول لكي أصل مع المؤلف الى ما يؤديه هذا التشابك المعقّد الى: الغناء والتمثيل، وأداء النطق في الكلام والتعبير. وهذا له علاقة وطيدة بالألسنية في اللغة التي ترتبط بآلية العلم والثقافة والتأثير والتأثر والتفاعل الميداني لتكوين الأدب المقارن العالمي. هذا التقسيم لا يمت بصلة مباشرة الى تقسيم الصوت البشري، بل بما يؤول اليه العلم الذي يتولّد منه علم آخر، لا ينفصل في جوهره إلا من حيث الآلية في الأداء الوظيفي لهذا الصوت من تداعيات لها تفاعلها في ذلك التقسيم!! ان متن الكتاب الذي نبحث في رموزه لم يعد مكتفياً بمفتاحه للولوج الى مادة تكوينه، بل هو التداخل المتشابك في الدراسة. ومما قاله المؤلف بهذا الصدد: "الصوت البشري هو النذير الأول للانسان، وهو الوسيلة الأولى والأهم في التعبير عن الفكر والأحاسيس، وفعل الجمال والقيم العليا". وأيضاً يقول: "الصوت البشري آلة عبقرية غير محدودة القدرات التعبيرية، لا تقف عند حد، بل تتطور مع الزمن، وتتعاظم في عطائها الحضاري من الجميل الى الأجمل" ص 4. فالكتاب على صعيد الشكل والمحتوى فيه مقدمة موجزة نوَّه فيها سباق الغناء والموسيقى وعلاقتها بالصوت البشري وخدمته التي تمتد الى القاء الشعر والخطابة والتمثيل والتعبير غير الخاضع للموسيقى، باعتبار أن الصوت ههنا يؤدي وظيفة إرسالية لترجمة خفايا الفكر والنفس والشعور. وبعد هذه المقدمة يدخلنا المؤلف في فضاء الكتاب الذي حمل 68 عنواناً من دون فصول، وكأنه اعتبر هذه العناوين موجات أو محطات انطلق منها في بحثه من دون أن يفصل العنوان عن الآخر لارتباطه موضوعياً، مكتفياً بلائحة المراجع والمصادر، وسيرته الذاتية ثم الفهرس من دون خاتمة. إنه لمن الصعب جداً إدراج 68 عنواناً والتعليق أو الحديث عنها في عجالة كهذه، ولكن الكتاب يستحق دراسة معمقة لموضوعاته التي تحتاج الى تحليل منهجي، من دون الوقوف عند بعض الخلل غير المقصود في بعض زواياه منهجياً. إنما سأعطي للمضمون ما أمكنني لأن فيه ترابطاً جدلياً في: الأدب المقارن، واللغة وأصواتها ونبراتها واشتقاقها وعمود الشعر العربي وبحوره ال16، والأوزان والقوافي والايقاعات الموسيقية، الناتجة من المختلف والمؤتلف الذي جئت على ذكره كمعادل بين المعلوم والمجهول، والبعد الثقافي والعلمي والحضاري الذي يحمله هذا الاجتهاد الذي سعى اليه المؤلف. لقد كان حريصاً على ألا يدع القارئ أمام طوطميات مبهمة ومصطلحات غامضة ورموز خفية على الفهم، بل سعى جاهداً أن يعلِّم الجاهل أو العادي مدارات كل هذه تارة في عرضها والأماكن التي تصلح لها، وطوراً عبر التطبيق عليها. هكذا وجدت لديه متسعاً من المهارة والاتقان حتى جاء أداؤه معبّراً عن آلية ابداعية متجددة لها قوانينها ومفاهيمها وصياغتها الاقناعية في بحثها العلمي العتيد. إن هذا دلل عن موهبة، وامتلاك كلي لاختصاصه من دون ملامة أو تقصير. وإذا كان قد بدأ البحث في مثل هذا العلم منذ سالف العصور مع اعلام كبار أمثال: ابن جني، وزرياب، والكندي، والفارابي وابن سينا وصفي الدين الأرموي وصولاً الى الخليل بن أحمد الفراهيدي واضع علم العروض، والعالم الموسيقي مروراً بالزمخشري اللغوي وأبي الأسود الدؤلي واضع علم الاشارات على اللغة، وحتى جامع هذا العلم في كتاب الأغاني / أبي فرج الأصفهاني. هؤلاء وسواهم من الذين كانوا فاتحة العصور لهذا العلم وطرق تحليله. فالدكتور سليم سعد يأتي اليوم ليكمل الطريق بأكثر دقة وتطوراً وتجديد بناء لامتلاكه الثقافة الواسعة ونيله الشهادات في هذا الحقل. فالابداع يكفيه أن يأتي على أعقاب الممارسة والموهبة والدراسة المتأنية ليكون هذا الكتاب رابطاً للعصور مع بعضها بعضاً، وكأنما استطاع أن يحوّله الى علم له قيمه وفضاؤه الأوسع لدى القاصي والداني لما في بحثه من عمل مدهش ودقة متناهية في إعطاء الموضوع حقه. إن هذا الكلام الذي ألحقه بعيداً من عناوين الكتاب يحيلني الى استنتاج تحليلي هو ما في هذه العناوين من جوهر له سلطته كنص في جملة نصوص متداخلة تتلامس فيها النظرية فيجيب عنها التطبيق بالشواهد المعلنة. فالفرضية التي انطلق منها المؤلف كان فضاؤها الصوت الذي جاء بعد الاحصاء له ب37 محطة أو جزءاً بدءاً بجهازه الذي سبق وعددنا أجزاءه العشرة، الى جانب ال18 جزءاً التي تشكل تقنية الصوت والمرتبطة مع بعضها بعضاً تبدأ بعملية التنفس وتنتهي بالمينور والماجور، أي الهارموني اللحني حيث يرتبط بالسلم الصوتي ونوعيه: المنضبط والمطلق والذي لا يهمل تحليلها والمؤثرات التي تطرأ على تغييرها. وهذا قد يُسعفني لأصل الى ربط هذه بالبحور الشعرية قياساً ووزناً وإيقاعاً. فالجرس الموسيقي هنا يولد جدلية الحركة والسكون في مصدر الايقاع وخصوصاً في تداعيات العروض. فالمؤلف يقول إن "التقطيع الموسيقي - الايقاعي نوعان: الأول بسيط يعتمد على التقطيع الذي تفرضه القراءة البسيطة في حدود مراميها اللحنية، والثاني مركّب ويعتمد على التنويع الصوتي في القراءة التعبيرية وهذا ما يسمى بالتلحين الصوتي الموسيقي. وفي كليهما علاقة جدلية بالايقاع العروضي من خلال الرموز". ثم دخل المؤلف في ص 35 - 36 بمادة الصوت وأنواعها ال31 نوعاً وهنا يتعذّر علي تعدادها ولكل نوع قياس وصفات وقد شرحها بافاضة. والصوت له علاقة بالسمع وبالطعام والهواء والمكان والمناخ والحرارة... إن طالب هذا العلم عليه أن يبدأ بالسولفيج ليتعلمه بدرجاته السبع راجع الكتاب وهنا يدخلنا في تعقيدات العلم الموسيقي وأدواته التعليمية والتعمّق بحل رموزه واصطلاحاته ص 50، وإذا به يشرح كل لحن ووظيفته الاجتماعية في المناسبات ص 51. فمن الماجور الطبيعي ومنه يتكون لحن التعظيم والمفاخرة وله ثمانية أبعاد صعوداً وهبوطاً، ويليه الماجور الهارموني ثم الماجور اللحني الميلودي، ثم المينور الطبيعي والمينور الهارموني، وهنا معضلة التمايز بينها. ومنها يتوجه لشرح أصناف الأصوات عالمياً كالسورانو للأصوات النسائية الأكثر حدة، ثم ميتسو سوبرانو للأصوات المتوسطة نسائياً، أما أصوات الأولاد فلها آلتو، وكونتر آلتو للرجال الوسط، وتينور للرجال من ذوي الأصوات الحادة، وباريتون للرجال الوسط، ثم باص للرجال ذوي الأصوات المنخفضة، وكونترباص ما دون المنخفض ص 56. إن لكل هذه الأصوات ذبذبات في النوطة لطول الموجة وهذا ما يوصلنا الى بحور الشعر من خلال تقطيعها حيث تلعب الحنجرة دورها ما بين آلتين: آلية الصوت وآلية السمع في الاحساس الصوتي ص 78. إن المؤلف الذي لم يوفر فرصة في شرحه وتحليله لكل لحظة يدخلنا في تحليل فيزيولوجية وبيولوجية تركيب الصوت البشري على انه آلة مدهشة فيما يؤدي غناء وتعبيراً وخطابة... تبعاً لقياس الجمل وقياس الجميل والأجمل. فقسّم الغناء الى ثلاثة: البسيط - المحترف - الكامل. ولكل واحد شرحه، وهذا ما قاده ليشرح الجهاز الصوتي وتعقيداته ص 136 من دون أن يوفر جهداً في فكفكة رموزه ص 138. أما نظرية الايقاع فأعطاها حيزاً واسعاً من دون أن يهمل الأدق منها في شرح وتوضيح من خلال الوحدة الزمنية التي لم نقدر على شرحها وهي التي تسمى بالوحدات وانصافها وفي ربع الصوت. فقد أشار برموز ومشتقات حول سرعة الصوت بضرب الى مصدر الفعل ومعادلها اشارة ُُ من فوق أو من تحت -/ أو بعلامة مستديرة O . من هذه الشبكة حدد 31 إيقاعاً بدأها بهجع وانتهى به بالمربع. إن لكل هذه الايقاعات سلالم وزنية مدوّنة ومشروحة برموزها ومدى علاقتها اللحنية باللغة التي هي الاشارات وصولاً الى ربطها بالانفصال والتلازم بين الصوت واللغة ص 151 وهو باب جدير بالدراسة لما له من علاقة بالألسنية. وقد اعتبر فيه اللغة فناً مسموعاً وهي بقواعد مكتوبة مشدداً على أصالتها الصوتية منذ نشأتها مع عناصر تراكيبها وعلاقتها بالحنجرة مركز الصوت البشري ونبراتها، ومركز الحروف الهجائية وأسرها لفظياً وكتابياً. إذ ان كل حرف له دلالته في الفرح والألم والدهشة والتساؤل وهلمجرا. واللغة هنا هي وسيلتنا للتفاهم فتتقدم بتقدمنا الحضاري والثقافي والعلمي، وتنمو معنا كما ينمو الصوت من الموروث الى المكتسب ودرجات كل واحد وما الفارق بينهما وبين الصوت البدائي وعلاقة كل صوت بالموهبة ص 179. وقد قارن درجات الصوت بدرجات السمع عند الانسان والكلاب والهررة ص 184. وهنا يقع الاختلاف. فالانسان يسمع بين 60 HZ بذبذبات هرتز و11 ألف هرتز. أما الكلاب فتسمع بين 40 - 14 ألف هرتز. أما الهررة فتسمع ما بين 10 و16 الف هرتز، في حين أن الخلد يسمع ما بين 10 آلاف و20 ألف هرتز. وللصوت شعيرات لها حالات متوترة وأخرى هادئة تنعكس هذه الحالات على قدرة الصوت والأداء والموهبة ص 189. ان هذا الربط له علاقة بالاحساس والعقل وكلاهما في الرأس المركز الأساس المميز للمخلوقات. وبعيداً من الاستطراد لضيق في المجال، إن الكتاب موسوعة علمية وكنز ثقافي مدهش جعل المؤلف فيه من المجهول معلوماً ومن المختلف مؤتلفاً حتى أضحى الكتاب قاعدة نظرية بعيدة من الغموض بعدما جسّدها بقرينها في التطبيق.