} الإدارة الفاعلة للنفايات الصلبة تبدأ بفرزها في المصدر، مع اعتماد مبدأ "التقليل إعادة الاستخدام إعادة التدوير". وتشمل تكنولوجيا المعالجة ثلاثة أساليب رئيسية هي: الطمر الصحي والتسميد والحرق. والإدارة المتكاملة توفق بين طرق المعالجة وتكنولوجيا استرداد المواد المفيدة لتخفيف كمية النفايات الواجب التخلص منها. الطمر هو الطريقة الأرخص للتخلص من النفايات الصلبة. لكنه يتطلب مساحات كبيرة، مع احتمال تلوث المياه الجوفية إن لم يكن المطمر مصمماً ومبنياً وفق المواصفات الصحيحة. والتسميد هو التفكك البيولوجي للمادة العضوية التي تشكل 50 60 في المئة من النفايات وتحويلها إلى سماد عضوي. أما الحرق فيخفض حجم النفايات الصلبة 10 الى 30 في المئة، وتنتج منه طاقة يمكن استخدامها، إضافة إلى بقايا هامدة يمكن الإفادة منها في تعبيد الطرقات مثلاً. والمحارق ملائمة عادة للمناطق الصغيرة المساحة والمكتظة بالسكان، أو حيث مستوى المياه الجوفية قريب جداً من سطح التربة فلا يجوز الطمر. لكن إذا كانت المحرقة غير مستوفية الشروط التكنولوجية والصحية فسوف تنبعث منها غازات ضارة في الهواء. وهذا أمر شائع في البلدان النامية، وأدى إلى قيام حملة على المحارق انعكست رفضاً لها يفتقر أحياناً كثيرة إلى الأساس العلمي. فما هي التكنولوجيا المتبعة في المحارق، وكيف يمكن أن تكون هذه المنشآت مرافق ملائمة للتخلص من النفايات؟ المحرقة تحترق! تصاعدت ألسنة اللهب في ضاحية العمروسية المجاورة لبيروت ليل 27 حزيران يونيو 1997، بعدما اقتحم مجهولون المبنى وألقوا زجاجات معبأة بمواد حارقة أشعلت فيه النار. وكانت هذه المحرقة تعمل منذ العام 1993 في منطقة كثيفة السكان، وقال خبراء انها مصممة لحرق نفايات تختلف عن تركيبة النفايات في لبنان من حيث الرطوبة والقيمة الحرارية. وكان الاحتراق غير الكامل داخلها ينتج كميات كبيرة من الرماد تتجاوز 35 في المئة بدل عتبة 15 في المئة المفترضة، ولم تكن مجهزة بتقنيات معالجة رماد الاحتراق فكان يرمى في المكبات. ولم تكن المحرقة مزودة بنظام لتنقية الغازات السامة المنبعثة، فكان ينتج من عملية الاحتراق دخان كثيف يغطي المنطقة وتتساقط منه مواد قطرانية على المزروعات فتتلفها وعلى سطوح المباني والشرفات فتشوه معالمها. وشكا ألوف المواطنين من سكان الجوار من أمراض مزمنة وإصابات في الجلد والرئة والربو والالتهابات وغيرها نتيجة التعرض لهذه الانبعاثات. وكان عمال المحرقة يضعون كميات هائلة من النفايات الوافدة في مكبات كبيرة مكشوفة تعجز المحرقة عن استيعابها في وقت قصير، فتختلط روائح النفايات الطازجة بروائح الدخان المنبعث وتزكم أنوف السكان. وكانت كمية النفايات المتعاقد على حرقها تراوح بين 200 و250 طناً يومياً، ولكن هناك كلام عن كميات أكبر بكثير كانت ترسل إليها من مناطق مختلفة. في تلك الليلة، أعلن وزير البيئة في لبنان مشروعاً لبناء مركز لفرز النفايات في المنطقة في سياق خطة طوارئ لمعالجة نفايات بيروت والضواحي. ولم تمض ساعات حتى اشتعلت النار في المحرقة فدمرتها. ويرى كثيرون أن تلك كانت ذروة "انتفاضة" أهل العمروسية على محرقتهم. لكن النتيجة أن المحرقة ذهبت وبقيت النفايات. وما زالت قضية 600 طن تنتجها منطقة الضاحية يومياً تبحث عن حل. محرقة العمروسية مثل صارخ على محارق كثيرة في العالم العربي لا تستوفي الشروط التقنية والصحية، في غياب خطط متكاملة لمعالجة النفايات. النفايات في العالم العربي تتعاظم مشكلات النفايات الصلبة في كل البلدان العربية نتيجة ازدياد عدد السكان، والتوسع المديني، والتقدم السريع في تكنولوجيا الإنتاج المكثف، وتخلف القوانين وانعدام تطبيقها، والنزعة الاجتماعية الاستهلاكية المتنامية. ويقدر مجموع سكان البلدان العربية بنحو 300 مليون نسمة، يعيش أكثر من 60 في المئة منهم في المدن. ويقل معدل النفايات الصلبة المنتجة في المناطق الريفية عن 4،0 كيلوغرام للشخص الواحد يومياً، في حين يراوح بين نصف كيلوغرام وكيلوغرام وأحياناً أكثر في المدن. والكميات المنتجة يومياً في بعض المدن العربية هي كالآتي: عمّان 900 طن، دمشق 1000 طن، بيروت 1200 طن، القاهرة والجيزة 7000 طن، الرياضوجدة 1600 طن لكل منهما. وأكثر من نصف هذه النفايات مكون من مواد عضوية. تجمع النفايات الصلبة في المدن بواسطة البلديات أو متعهدين من القطاع الخاص. ويتم استخلاص أقل من 20 في المئة، فيعاد تدوير ما تيسّر من الورق والبلاستيك والزجاج والمعادن، وهذا يتم عادة بمبادرات خاصة. والإجراء الشائع هو استخلاص هذه المواد يدوياً، وعشوائياً في أحيان كثيرة، في نقاط التجميع أو من المكبات ومستوعبات النفايات على الطرق. وفي التجمعات الريفية، يتم جمع أقل من 60 في المئة من النفايات الصلبة لانعدام الموارد، ويرمي أصحاب المنازل غير المخدومة نفاياتهم على جوانب الطرق وفي الأودية والأراضي الخالية، وأحياناً يحرقونها. ويسود في العالم العربي ارتباك بين صانعي القرار والمستشارين والمنظمات غير الحكومية حول اختيار الطرق المناسبة للتخلص من النفايات. وتراوح هذه الطرق من التفريغ في مكبات مكشوفة إلى التسميد والحرق. وتبلغ نسبة النفايات الصلبة التي تفرغ في مكبات مكشوفة 35 40 في المئة خصوصاً في المناطق الريفية وشبه الريفية، وتطمر 40 45 في المئة خصوصاً في التجمعات المدينية، وتحول إلى سماد 10 15 في المئة المناطق الريفية وشبه الريفية، وتحرق 5 10 في المئة. لكن هناك مشكلات في ما يتعلق بطرق التخلص من النفايات. اعتمد بعض البلدان العربية الطمر الصحي خياراً للتخلص من النفايات الصلبة في المناطق المدينية. والحقيقة أنه غالباً مجرد طمر يخلو من المقاييس الصحية. وسوء إدارة المطامر يشكل السمة المشتركة في كثير من البلدان. وخلقت مشكلة رشح سوائل النفايات في التربة وتفريغ النفايات الصناعية ونفايات المستشفيات في المطامر مشكلات بيئية. وأكثر المطامر الصحية تقدماً هي في منطقة الخليج. وأقامت بلدان أخرى محطات للتسميد، لكن معظمها لا يعمل بحسب المواصفات، وذلك يعود أساساً إلى قدم التكنولوجيات المستخدمة وسوء الإدارة. وهذه المرافق تشغل عادة من قبل البلديات بمساعدة خبراء أجانب، ولدى مغادرة هؤلاء الخبراء موقع المشروع تبدأ المشكلات الفنية ومن ثم تتوقف المحطة عن العمل. لكن هناك خطط ومشاريع في البحرينولبنان وتونس والأردن ومصر والسعودية وغيرها لإقامة محطات تسميد حديثة تنتج نوعية جيدة من السماد وتفصل المواد القابلة لإعادة التدوير نحو 20 في المئة مثل الزجاج والمعادن والورق قبل مرحلة التسميد. ويقال ان هناك طلباً عالياً على هذا النوع من السماد في العالم العربي. أما الحرق فينحصر أساساً في نفايات المستشفيات. وأقيمت محارق في عدد من المستشفيات، لكن أكثر من نصفها متوقف الآن عن العمل. وتمت تجربة محارق كبيرة للنفايات الصلبة في لبنان والمغرب ومصر وسورية وبلدان أخرى، لكن أخبار النجاح نادرة في هذا الصدد، إذ لم تعمل المحارق وفق المواصفات فتم اقفالها غالباً بعد بضع سنوات. ولذلك سببان رئيسيان، أولهما احتواء النفايات على نسبة عالية من المواد العضوية أكثر من 50 في المئة والرطوبة أكثر من 60 في المئة، مما يقلل القيمة الحرارية للنفايات ويوجب إضافة أنواع من الوقود لتحسين عملية الحرق. والمشكلة الثانية عدم كفاية تشغيل المحارق ذاتها، وقدم التكنولوجيا التي تصدَّر إلى البلدان العربية. فمحرقة "فون رول" 220 طناً في اليوم التي أقيمت في لبنان لم تعمل أكثر من 10 سنوات، ولم يكن هناك نظام لفرز النفايات قبل الحرق يستبعد المواد العضوية المحتوية على رطوبة عالية. لذلك فان توليد الكهرباء لم يكن ممكناً، وكانت هناك حاجة لمزيد من الوقود، وأصبحت المحرقة مصدراً دائماً للدخان والملوثات. وفي بلدان عربية أخرى التي طبقت تكنولوجيا الحرق هذه، مثل مصر والمغرب، قوبلت برفض واسع بسبب تلوث الهواء والاحتراق غير الكامل الذي ولد كميات من المخلفات. والواقع أن هناك حاجة إلى نظم للحرق النظيف مثل المحارق المستخدمة في مدن الاتحاد الأوروبي واليابان وبلدان صناعية أخرى. كيف نعالج نفاياتنا؟ إن مدينة يسكنها مليون نسمة تنتج يومياً نحو 2000 طن من النفايات الصلبة و950 طناً من الملوثات الهوائية و500 ألف طن من المياه المبتذلة، وتحتاج إلى 2000 طن من الغذاء و625 ألف طن من الماء و9500 طن من الوقود. عندما نفكر في هذه الأرقام ندرك ضخامة مشكلة النفايات التي يواجهها المخططون وصانعو القرار والمستثمرون وسكان المدن. لم يعد هناك وقت لانتظار اكتشافات جديدة في إدارة النفايات. فالمدن لا يمكنها انتظار تطوير تكنولوجيا مثالية كي تشرع جدياً في معالجة مشكلة التخلص من نفاياتها الصلبة. والإجراءات التي تتخذ حالياً هي غالباً غير مستديمة لعدم اختيار تكنولوجيات مناسبة لمعالجة النفايات والتخلص منها، ولعدم اعتماد إدارة متكاملة للنفايات. وتختلف الآراء حول اختيار التكنولوجيا الملائمة لمعالجة النفايات الصلبة. ويظن كثيرون أن حلاً منفرداً، كالطمر أو التسميد أو الحرق، يكفي للمعالجة. لكن أياً من هذه الحلول لا يكفي إذا اعتمد لوحده، كما أنه لا يلائم ظروف المنطقة. فالحرق قد لا يكون الحل الأمثل في المناطق الريفية اذ يمكن الإفادة من تسميد النفايات العضوية، لكنه يناسب نفايات المناطق المدينية حيث الأراضي محدودة ونقل النفايات مسافات بعيدة لطمرها عملية عالية الكلفة. والواقع أن الاختيار الصحيح يتوقف على الظروف المحلية بعد إجراء تقويم للأثر البيئي. ومن التكنولوجيا المتطورة لمعالجة النفايات الصلبة المعالجة الحرارية. فبعض البلدان، كاليابان والسويد والدنمارك، تحرق غالبية نفاياتها الصلبة لافتقارها إلى أراض كافية لإقامة المطامر ولأسباب فنية ومالية. وهناك فئات مختلفة من تكنولوجيا المعالجة الحرارية، منها الحرق التقليدي والتحلل الحراري والتغويز تحويل النفايات إلى غاز والجمع بين تكنولوجيا مختلفة. وتندرج تحت كل فئة أنواع مختلفة من التصاميم المعدة لاحتياجات محددة. وثمة بلدان تحرق جزءاً كبيراً من نفاياتها الصلبة وتستخدم الحرارة الناتجة من عملية الاحتراق لتوليد البخار أو الكهرباء. وعندما تشمل المعالجة الحرارية نفايات بلاستيكية، تجرى مراقبة مستمرة للغازات السامة المنبعثة منها وتستخدم أجهزة خاصة للتحكم بتلوث الهواء. في اليابان، مثلاً، كان يتولد في التسعينات نحو 135 مليون طن من النفايات الصلبة سنوياً. فعولج 3،74 في المئة بطرق حرارية، وتم طمر 9،14 في المئة، وأعيد تدوير 9،8 في المئة، وتمت معالجة 9،2 في المئة بطرق أخرى. وفي مدينة أوساكا وحدها تتولى عشر محطات حرق كمية إجمالية من النفايات الصلبة مقدارها 6300 طن في اليوم. وفي 1995 أحرق 5،86 في المئة من مجموع كمية النفايات الصلبة وتم طمر 5،12 في المئة. وحددت الخطة الوطنية للسياسة البيئية في هولندا، التي وضعت عام 1994، الأهداف الآتية للوسائل المختلفة المعتمدة في معالجة النفايات لسنة 2000: رفع نسبة عدم إنتاج النفايات من صفر إلى 10 في المئة، واعادة التدوير أو إعادة الاستعمال من 50 إلى 66 في المئة، والحرق من 7 إلى 14 في المئة، وخفض نسبة الطمر من 43 إلى 10 في المئة. حسنات المحارق وسيئاتها تتصدر عمليات التحول الحراري الحلول المطروحة مستقبلاً لإدارة النفايات الصلبة. وهناك اليوم أكثر من 25 عملية مختلفة للمعالجة الحرارية معتمدة في أنحاء العالم، خصوصاً في البلدان الصناعية. وتركز التكنولوجيا الحديثة على توليد كميات من النفايات الثانوية، مثل الرماد والانبعاثات الغازية، تقل كثيراً عما تنتجه عمليات الحرق التقليدية، وعلى إنتاج أنواع من الوقود الاصطناعي يمكن استعمالها لتوليد الكهرباء. وتنتج عنها مخلفات صلبة مستقرة يمكن إعادة تدويرها لصنع منتجات نافعة. ويجرى تسويق هذه العمليات تحت اسم "إعادة التدوير الحرارية" لتحاشي الانطباع السلبي الشائع المرتبط بالحرق. وتشير وكالة حماية البيئة في الولاياتالمتحدة إلى أن محارق جيدة التصميم والإنشاء والتشغيل يمكنها أن تستبعد تقريباً كل الانبعاثات السامة التي تنطلق في الفضاء. فللحصول، مثلاً، على ترخيص لتشغيل محطة حرق نفايات خطرة في الولاياتالمتحدة، يجب إبراز مستندات تثبت أن المحطة قادرة على إتلاف النفايات الخطرة بكفاية تصل إلى 99،99 في المئة. ويصبح هذا المعيار أكثر تشدداً في ما يتعلق بالديوكسين وثنائيات الفينيل المتعددة الكلور. محارق النفايات العصرية تختلف كثيراً عن المحارق القديمة. فهي تستخدم أنواعاً مختلفة من تكنولوجيا التحكم بملوثات الهواء التي تخفض إلى حد كبير كمية الانبعاثات السامة المنطلقة مع الدخان. ومن هذه التكنولوجيا أجهزة "الغسل" التي ترش مادة في الدخان تساعد على تحييد الغازات الحمضية، والمصافي التي تزيل الجسيمات من الدخان. وحرق النفايات الصلبة في درجة حرارة عالية جداً طريقة أخرى لإتلاف المركبات الكيماوية الضارة والجراثيم المسببة للأمراض. ومن حسنات المعالجة الحرارية أنها تخفض كمية النفايات. فالحرق يقلص حجم النفايات المنزلية الصلبة حتى 90 في المئة ووزنها حتى 75 في المئة. وغالبية محطات حرق النفايات يمكنها توليد الكهرباء من الحرارة الناتجة من عملية الاحتراق. ومع ازدياد كلفة الطمر، أصبحت المعالجة الحرارية للنفايات بديلاً أجدى وأقل كلفة من الوسائل التقليدية، على رغم ارتفاع تكاليف إنشاء المحارق التي تولد الكهرباء. والمعالجة الحرارية للنفايات تقلل من انبعاث الروائح في المكبات والمشكلات الصحية التي تسببها المطامر. ومن سلبيات المعالجة الحرارية للنفايات حاجتها إلى استثمارات رأسمالية كبيرة، وارتفاع تكاليفها التشغيلية، وصعوبة الحصول على مواقع مناسبة لإقامة المحارق، ومشكلات تلوث الهواء التي تتطلب ضوابط مكلفة. والرماد الناتج من الاحتراق يمكن أن يشكل خطراً على البيئة، ما لم يتم التخلص منه بشكل ملائم في مطامر خاصة أو لم يصهر في درجة حرارة مرتفعة تحوله إلى مادة محايدة يمكن استعمالها في الإنشاءات. تكنولوجيا الحرق في بعض البلدان الصناعية حققت الأنظمة المتكاملة للتخلص من النفايات الصلبة نتائج إيجابية بفضل إجراءات التقليل من النفايات في المصدر وإعادة تدويرها. لكن هذه البلدان وجدت أن كمية كبيرة من النفايات الصلبة ما زالت تبقى على رغم استنفاد كل إمكانات إعادة التدوير، خصوصاً في التجمعات المدينية. لذلك وجدت أن المعالجة الحرارية لهذه الكمية الباقية هي أفضل الحلول من الناحية البيئية، لضآلة الكمية النهائية للمخلفات التي يجب التخلص منها بعد عملية الحرق، إضافة إلى أنها محايدة بيئياً. ومن ناحية أخرى، تأكدت الجدوى الاقتصادية لعمليات المعالجة الحرارية، إذ أن استرداد الطاقة في شكل بخار أو كهرباء إثر حرق النفايات يمكن أن يساهم في تغطية تكاليف التخلص من النفايات. يضاف إلى ذلك أن الأجهزة الحديثة لتصفية غازات المداخن تؤمن خفضاً ملحوظاً للانبعاثات. هناك ثلاثة أنواع رئيسية من تكنولوجيا الحرق التقليدية، ولكل نوع تقويمه الخاص: محارق المصبّعات المتحركة moving grate، وثابر قطاع النفايات الصلبة على استخدامها زمناً طويلاً، ويمكنها إنتاج البخار. وثلثا الرماد المتولد غير مضر ويمكن استعماله في إنشاء الطرق. لكن الرماد الباقي يجب طمره بالشكل المناسب. محارق الأتون الدوار rotary kiln، وهي توفر معالجة مكتملة لمجموعة كبيرة من النفايات، بما فيها الخطرة، وتؤمن حرق النفايات الصلبة والمائعة والسائلة باختلاف كثافتها وتركيبها وبدرجة عالية من السلامة التشغيلية. ويحصل الحرق عادة في اسطوانة دوارة وحرارة تراوح بين 900 و1200 درجة مئوية أو أكثر. محارق الرمل المتحرك fluidized bed، وهي مثالية لحرق أي نوع من النفايات، بما في ذلك البلاستيك والوحول الناتجة عن محطات معالجة مياه الصرف. وهذه العملية تحل مشكلة معالجة النفايات الصلبة والمشكلات الناشئة عنها كالانبعاثات والروائح والضجيج والمخلفات. وهي تحول الحرارة الناتجة من الاحتراق إلى طاقة حرارية نافعة. ويمكن طمر المخلفات الرمادية الخالية من الملوثات من دون معالجة. وفي المحارق الجيدة التصميم والتشغيل يمكن خفض حجم النفايات 98 في المئة. في معظم المحارق الحديثة، يؤمن وجود أنظمة مناسبة لتنقية الغازات إزالة مختلف ملوثات الهواء المعروفة. ويمكن ضمان نظافة تامة للنفايات السائلة الناتجة من عملية الغسل ومعالجة متكاملة للمخلفات. وتتم إزالة الغبار الجسيمات، ومن ثم تتولى وحدة الغسل الرطب إزالة الأحماض والمعادن الثقيلة ومن ثم غاز ثاني أوكسيد الكبريت. أما العناصر النزرة العضوية مثل الديوكسين والفيوران وثنائيات الفينيل المتعددة الكلور، فتزال في وحدة التكويك التفحيم. وتزال أكاسيد النيتروجين في مرحلة التنقية النهائية للانبعاثات. وتعالج النفايات السائلة الناتجة عن أجهزة الغسل ويعاد استعمالها. أما المخلفات الرمادية فلا تحتوي على بقايا غير محترقة، وهي تطمر عادة أو تستعمل لإنتاج مواد بناء كالبلاط. الانحلال الحراري الانحلال الحراري pyrolysis هو تقطير "هدام"يتحول خلاله جزء كبير من النفايات الصلبة إلى ثلاثة أنواع من مصادر الطاقة هي الفحم الصلب والزيت السائل وغاز الوقود. والنوعان الأولان يمكن تخزينهما، بينما يحرق الغاز أثناء عملية الانحلال الحراري. وهذه العملية هي أفضل بكثير من الحرق العادي، إذ تسترد الطاقة من المواد الهيدروكربونية الموجودة في النفايات الصلبة، مثل السلولوز والمطاط والبلاستيك. وترتبط جدوى الانحلال ارتباطاً وثيقاً بقيمة المنتجات وصلاحيتها للتسويق. وهو ينتج وقوداً نظيفاً يمكن استعماله بديلاً من الوقود الاحفوري كزيت الفيول. والهدف من الانحلال الحراري تحويل النفايات المتغايرة تكويناً وشكلاً إلى مادة متناسقة يسهل التعامل معها. والمنتجات الناشئة عادة عن الانحلال الحراري تضم الفحم بمعدل 35 في المئة وزناً وطاقة حرارية بواقع 19800 وحدة لكل كيلوغرام، والزيت بمعدل 40 في المئة وزناً، وطاقة حرارية بواقع 26400 وحدة لكل كيلوغرام، والغاز بمعدل 10 في المئة وزناً وطاقة حرارية بواقع 21600 وحدة لكل متر مكعب. أما التغويز الغاز فهو تحويل وقود صلب إلى غازات قابلة للاحتراق من خلال تفاعلات حرارية كيماوية لهذا الوقود، الذي هو في هذه الحال نفايات صلبة. والعملية لا تترك إلا أجزاء من المكونات المعدنية للوقود كمادة متخلفة. وتستعمل الغازات الناتجة لتشغيل محركات توليد الكهرباء. يحتل الانحلال الحراري و"التغويز" 5 إلى 10 في المئة من سوق تكنولوجيا المعالجة الحرارية للنفايات في العالم اليوم، وذلك على حساب المحارق التقليدية المزودة بمصبّعات متحركة. ويتوقع أن ترتفع حصتهما في السوق خلال العقد المقبل إلى أكثر من 22 في المئة. والعوامل الرئيسية وراء هذا الارتفاع الصورة السلبية للمحارق التقليدية، فضلاً عن أن هاتين العمليتين الجديدتين هما أكثر مراعاة للبيئة، وتنتجان مخلفات أكثر استقراراً تناسب إعادة التدوير. ومن شأن هذه الزيادة أن ترفع مجموع قدرة الحرق في أوروبا من نصف مليون طن في السنة عام 1993 إلى نحو خمسة ملايين طن هذه السنة. وألمانيا في طليعة البلدان التي تعتمد التكنولوجيا الحرارية في معالجة النفايات الصلبة، تليها فرنسا وإيطاليا وبريطانيا. ويفضل الفرنسيون والبريطانيون المحارق التي تعمل بواسطة طبقة من الرمل المتحرك كبدائل من المحارق العادية، في حين يفضل الألمان والسويسريون والإيطاليون تكنولوجيا الانحلال الحراري أو "التغويز". تنتج غالبية عمليات الحرق الحراري أربعة أنواع من الطاقة هي الكهرباء والحرارة والزيت والفحم، بالمقارنة مع الحرق العادي. وكثير من المحارق الحديثة تحول المخلفات الرمادية إلى مادة شبيهة بالخث هي أكثر استقراراً من رماد الحرق العادي، ويمكن إعادة تدويرها بسهولة أكبر إلى منتجات نافعة مثل الحصى المستعمل في البناء شرط توافر سوق له، وهي لا تثير المخاوف التي تصاحب إلقاء مواد ضارة يخشى أن ترتشح في الأرض. وتتمتع عمليات المعالجة الحرارية بقدرة تنافسية من حيث الكلفة الرأسمالية وكلفة التشغيل، في بلدان مثل ألمانيا وسويسرا اذ تكاليف الحرق العادية عالية جداً. وابتكرت شركة أوروبية طريقة متكاملة لمعالجة النفايات الصلبة على ثلاث مراحل. أولاً، تفرز المواد التي يعاد تدويرها 10 في المئة من المجموع مثل الحديد والألومنيوم والزجاج، وتباع كمواد أولية لصناعات إعادة التدوير. ثانياً، تفرز النفايات العضوية 45 في المئة وتحلل في هاضمات هوائية دوّارة مدة ثلاثة أيام اذ تتم عملية التثبيت والاستقرار الأساسية، وتترك النفايات المهتضمة مدة شهرين حتى تنضج، وتتحوّل إلى سماد طبيعي مستقر يباع إلى المزارعين. ثالثاً، النفايات المكونة من مواد مستقرة 45 في المئة تعالج حرارياً في اسطوانة للانحلال الحراري، ويقال ان هذا النظام الجديد هو كفي ثلاث مرات من تكنولوجيا الانحلال الحراري العادية، وتستعمل الغازات الناتجة كمصدر للطاقة في نظام الانحلال الحراري، وتستخدم الحرارة الناتجة لتوليد الكهرباء، ويمكن استعمال الحرارة المتخلفة لتحلية مياه البحر. وثبت أن محطات معالجة من هذا النوع، بقدرة تراوح بين 50 و250 ألف طن في السنة، هي مشاريع مجزية اقتصادياً. كما أن لها فوائد بيئية، إذ تعيد استعمال النفايات في ثلاثة أشكال: مواد معاد تدويرها، وسماد طبيعي، وكهرباء. إن محطة قدرتها 250 ألف طن في السنة، اذ تشكل النفايات الصلبة الجافة التي تعالجها 80 في المئة من المجموع، يمكنها أن تنتج 20 ألف طن من المواد المعاد تدويرها، و150 ألف طن من السماد الطبيعي، و5،122 مليون كيلوواط ساعي من الكهرباء، و5،195 مليون كيلوواط ساعي من الحرارة التي تستعمل في الصناعة أو لإنتاج 5،2 مليون متر مكعب من الماء العذب بتحلية مياه البحر إذا كانت المحطة على الساحل، و9 آلاف طن من الفحم والمواد المتخلفة التي يفرز نصفها ويخلط مع السماد الطبيعي ويطمر نصفها الآخر الذي لا يشكل سوى 2 في المئة من كمية النفايات. ويبلغ مجموع تكاليف معالجة النفايات الصلبة في هذا النظام المتكامل نحو 40 دولاراً للطن. وهو من أفضل الحلول المتكاملة لمعالجة النفايات البلدية. النفايات تتكدس في المطامر والمكبات العشوائية. ومحارق النفايات "لعنة" لا بد منها في بعض المناطق. والادارة المتكاملة للنفايات الصلبة، بتقليلها كمية النفايات في المصدر وتدوير ما يمكن تدويره وتسميد النفايات العضوية حيث أمكن، كفيلة بايصال أقل كمية ممكنة من النفايات الى المحارق. * ينشر المقال في وقت واحد مع مجلة "البيئة والتنمية"، العدد 32، تشرين الثاني نوفمبر.