في أواخر العام الماضي، عقد مؤتمر لاختصاصيّي الطب النفسي في بيروت تركزت أعماله وأبحاثه على الكآبة باعتبارها أكثر الأمراض النفسية شيوعاً في العالم. ولاحظ المؤتمر، وبناء على دراسات محلّية وعربية ودولية، وجود فوارق في الكآبة بين النساء والرجال. وتسهم عناصر إجتماعية وثقافية وبيولوجية متنوعة في هذه الفوارق التي تجدر ملاحظتها عند مقاربة هذا الاضطراب المزاجي لدى الجنسين. من المعروف ان نسبة الكآبة تميل الى الارتفاع لدى النساء لتصل الى ثلاثة أضعاف، وأحياناً اكثر، مما لدى الذكور. ولطالما صنِّفت الكآبة في خانة الامراض العصابية Neurosis، وهي جمع موازييكي من الاضطرابات التي تنشأ عمّا يشبه التراكم التدريجي للضغوط النفسية، اي انها كالعاصفة التي تتجمع نذرها ببطء ومنذ المراحل المبكرة من العمر. وتميل المجتمعات الذكورية، والدول العربية من نماذجها القوية، الى إعطاء وضع ودور ادنى للانثى منذ الطفولة. حتى في اللحظة الاولى للولادة، تُستقبل هي بفرح أقل، ويحظى هو بفرح غامر باعتباره حامل اسم العائلة وحافظ سلالتها و"عزها" وخط الدم فيها وما الى ذلك. وفي المراهقة، يستقبل بلوغ الذكر على هيئة الدخول الى عالم الرجولة، حيث السلطة والقوة والحقوق البديهية، فيما تُستقبل مراهقتها بتوجس يخالطه خوف وحذر. وتلك مجرد امثلة من قائمة طويلة. وحتى المرأة التي تخرج الى العمل، تجد نفسها مضطرة لخوض حرب على جبهتين، وتعود من العمل وتوتراته وضغوطه لتدخل في حومة النهوض بأعمال المنزل وتحمل أعباء العائلة، إضافة الى علاقتها غير المتكافئة مع الزوج... إلخ. وتلك الامور تولّد كمّاً ضخماً من الضغوط النفسية والمعنوية التي لا تتوقف النساء عن معاناتها في أغلب مراحل العمر. وتلعب الفوارق البيولوجية دوراً مهماً في كآبة النساء. وتعاني الكثيرات توتراً وغمّاً قبيل حدوث الطمث، وهو ما بات يعرف باسم Pre Menstrual Syndrome واختصاراً PMS. ويعتبر الحمل، والتدفقات الهرمونية التي ترافقه، وكذلك حبوب تنظيم النسل من العوامل المسببة في كآبة النساء. وتميل كآبة الرجال الى الظهور في عمر 30 -40 سنة، فيما تظهر كآبة الإناث في أعمار أصغر. ويخالط العنف والتوتر كآبة الرجال، مع كل ما يتصل بهما من سلوك مثل العدوان اللفظي سباب وشتائم والجسدي المشاجرة والعراك والضرب وكذلك الميل الى تحطيم الأشياء وما الى ذلك. وفي المقابل، تسيطر الاعراض الجسمانية، مثل الآلام المتفرقة والمتكررة واضطراب وظائف الهضم والتنفس والبول، على كآبة النساء، متمازجة مع سلوك انسحابي وميل الى العزلة. تميل المرأة المكتئبة الى تقليص زياراتها وأحاديثها وأشكال اتصالاتها كافة، وصلاتها الاجتماعية والعائلية. ويبدو الذكور ميّالين الى تجنب الاستشارة الطبية، وخصوصاً زيارة الطبيب النفسي، فيما تحاول النساء الحصول على المعونة الطبية لكنهن يركزن على امراض الجسد أكثر من التعامل المباشر مع الكآبة نفسها.