بحفلة ختامية رائعة خيمت عليها اجواء البهجة، اسدل الستار على دورة الالعاب الاولمبية السابعة والعشرين التي انطلقت "رسمياً" في مدينة سيدني الاسترالية قبل 17 يوماً بمشاركة 199 دولة حفرت 80 من بينها اسمها في لائحة الميداليات. وكالعادة، فان كشف الحساب في آخر كل مناسبة رياضية بات تقليداً عند البعض وضرورة عند البعض الاخر. وعندما يُعرف ما الذي فعله هذا الرياضي او ذاك الفريق او المنتخب نستطيع ان نتكهن وبصورة ادق واقرب الى الموضوعية عما يمكن ان يفعله حاضراً او مستقبلاً. وكشف حساب سيدني يبدأ بتساؤلات مهمة: كم ميدالية وُزعت... وما نصيب العرب منها؟... من منا تفوق ومن خاب؟ والاهم من كل ذلك... كيف صار الفارق بين الرياضة العربية وبينها في باقي بلدان العالم؟ الاجوبة الملونة تتزاحم بحجم جبل، ووحدها الارقام قادرة على كشف المستور واظهار كل الحقائق من دون رتوش او مجاملات. في سيدني، وزعت 956 ميدالية، 303 ذهبية و302 فضية و352 برونزية، وزاد عدد الذهبيات واحدة عن الفضيات لأن السباحين الاميركيين غاري هول جونيور وانطوني ايرفين سجلا الرقم ذاته في سباق 50 متر حرة فنال كل منهما الميدالية الذهبية. وأبى العرب ان تختتم الدورة من دون ان يضاعفوا غلتهم فيها عنها في اتلانتا 7 ميداليات، فاضاف الفارس السعودي خالد العيد ممتطياً الجواد "خشم العين" الميدالية الرابعة عشرة بفوزه ببرونزية سباق قفز الحواجز في الفروسية في اليوم الاخير... وهي الميدالية الثانية للسعودية في تاريخ مشاركاتها الاولمبية بعد فضية هادي صوعان التي احرزها في سباق 400 م حواجز في سيدني ايضاً. وهم حصلوا على ذهبية واحدة وفضيتين و10 برونزيات، لكنهم خسروا في المقابل ذهبيتين عما حققوه في اتلانتا 3 ذهبيات و4 برونزيات فتراجعوا في الترتيب العام. وبفضل المفاجأة ذات العيار الثقيل التي فجرتها العداءة نورية مراح بنيلها الذهبية الوحيدة، جاءت الجزائر اول العرب في الترتيب العام واحتلت المركز الاربعين على لائحة الميداليات بذهبية و4 برونزيات، ثم المغرب في المركز ال59 فضية و4 برونزيات والسعودية ال63 فضية وبرونزية والكويت وقطر في المركزين ال76 وال77 ببرونزية واحدة لكل منهما. وعموماً، ضربت المفاجآت العربية الحلوة والمُرة بقوة، كماً ونوعاً، وابرز الصنف الاول كانت ذهبية نورية، ثم ظهور اسم السعودية والكويت على لائحة الميداليات للمرة الاولى وحصول قطر على برونزيتها الثانية في الدورات الاولمبية عموماً. اما المُرة فكانت كثيرة، ويبرز في مقدمها اخفاق العداء المغربي هشام الكروج في حفظ ماء رجال العرب بذهبية كانت مضمونة عندما اكتفى بفضية سباق 1500م، ثم خيبة مواطنته نزهة بدوان التي فشلت في تكرار انجاز مواطنتها نوال المتوكل في سباق 400 م حواجز عندما اصبحت اول امرأة عربية وافريقية تحصل على ذهبية اولمبية عام 1984 في لوس انجليس. ومن المفاجآت المُرة أيضاً، خسارة الجزائريين نورالدين مرسلي وحسين سلطاني للقبيهما الاولمبيين في سباق 1500 م والملاكمة على التوالي... وتراجع منتخب مصر لكرة اليد من المركز السادس الى السابع... والظهور الباهت جداً للمنتخبين المغربي والكويتي في مسابقة كرة القدم. وعلى الصعيد العام، توجت الولاياتالمتحدة بطلة للدورة وحصلت على 97 ميدالية 39 ذهبية و25 فضية و33 برونزية، وتلتها روسيا 32 و28 و28 والصين 28 و16 و15 واستراليا 16 و25 و17 والمانيا 14 و17 و26. وعلى رغم اخفاق الاميركية ماريون جونز في تحقيق "الخماسية الذهبية"، بيد انها توجت نجمة للدورة لأنها نالت 3 ذهبيات وبرنزيتين. وتحطمت الكثير من الارقام العالمية في السباحة بفضل التطور التكنولوجي للعبة واستخدام اللباس الجديد واضافة مادة كيماوية للمياه سهلت من انزلاق السباحين، في حين كُسرت، وعلى خجل، بضعة ارقام اولمبية في العاب القوى. ولفت احتفاظ القارة الافريقية بلقب مسابقة كرة القدم للرجال عندما كررت الكاميرون الانجاز التاريخي الذي حققته نيجيريا في اتلانتا قبل 4 سنوات، ونالت الذهبية بعد تغلبها على اسبانيا بالركلات الترجيحية. واكتشفت 8 حالات منشطات فباتت الدورة "غير نظيفة"، على عكس ما كان يأمل رئىس اللجنة الاولمبية الدولية خوان انطونيو سامارانش في آخر مناسبة كبرى يحضرها وهو في منصبه المرموق. على اي حال، دورة سيدني انتهت لكن استمرارية الحياة تحيل ارقامها الى نقاط ارتكاز ودلالات على ما يمكن ان يكون عليه المستقبل... او الى مجرد محطات للذكرى. كشف الحساب اعادنا بالذاكرة الى فترات ادخلت السعادة الى قلوبنا واخرى عشناها حزناً على رياضتنا العربية... ووحدهم اولئك من اعتلوا منصات التتويج هم الذين يبقون خالدين في الاذهان وسجلات التاريخ، اما الاخرون فعادة ما يبررون اخفاقاتهم بمعوقات لا تمت للرياضة بصلة، وانما مردها يرجع الى الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذين يعيشونه... وفي الامر الكثير من الحقيقة لأن السياسة والرياضة صنوان لا ينفصلان.