باشرت البعثات الأثرية الفرنسية والدنماركية والإيطالية أعمال التنقيب مع نهاية شهر أيلول سبتمبر في مواقع "شيوخ فوقاني وتحتاني". و"جعدة الحفارة" في منطقة "غمر سد تشرين". أما البعثة الإيطالية العاملة في تل مرديخ مملكة إيبلا، فقد أنجزت نصف ما هو مقرر في خطتها لموسم هذا العام في مجالي التنقيب والترميم، حيث يتركز العمل حالياً في برج المراقبة قرب القصر الأميري. أما بالنسبة إلى الترميم فقد تركز العمل على ترميم البرج المقدس للآلهة عشتار والقصر الشمالي في المدينة السفلى والموقع الذي كان في فترة حمورابي. والبرج المقدس، يشبه الزقورة، حيث يوجد أعلاه محراب صغير، يُصعَد إليه بواسطة سلم خارجي دائري، يوصل إلى سطوح متراجعة بالتدرج، تضيق كلما ارتقى الإنسان إليها. ولهذا البرج بعض الشبه بالهرم المتدرج. والزقورة موجودة أيضاً في مدينة ماري الأثرية في سورية وهي برج المعبد أو الجبل المقدس. وشأنها شأن الزقورات في بلاد الرافدين، يأخذ الحاج بتسلق سفحها ويرى نفسه يقترب من مركز العالم، وما إن يبلغ الشرفة العليا حتى يهجر الحياة الأرضية وينفصل عن مستوياتها بتعاليه عن المكان الدنيوي البعيد من الانسجام، وبدخوله إلى منطقة الطهارة والنقاء المطلق. ومن المكتشفات التي تمّ العثور عليها المدفن الموجود في الجهة الغربية من القصر، حيث الجحيم. فمدينة إيبلا، كانت على الدوام، في الذهنية الأسطورية السورية، نقطة التقاء المناطق الكونية الثلاث: السماء والأرض والجحيم، نظراً لموقعها في مركز الكون. ولقد كانت مدينة إيبلا، في نظر الأقدمين السوريين، باب الآلهة. وهم يزعمون أن الآلهة تنزل إلى الأرض عن طريق مدينتهم. وبينما كانت حلب مركز الإله حدد، كانت إيبلا مركز الآلهة عشتار. وعشتار عند السوريين هي عشتار المعروفة في بلاد الرافدين "عشتار نينوى وعشتار أربيل" وهي الأم التي تمثل الخصب، تقضي نصف السنة في العالم السفلي، وتعود في الربيع لتحمي الزرع والضرع، وتقابل إيزيس المصرية، وتشبه عشتاروت الفينيقية، وأفروديت الإغريقية، وفينوس الرومانية. وكلهن إلهات الحرب والتربة والخصوبة والجمال. أما البعثة الألمانية - السورية المشتركة العاملة في قلعة حلب منذ عام 1996 فهي عثرت اخيراً، في أحدث اكتشاف أثري لها في موسم التنقيب لهذا العام على ثلاث منحوتات جديدة على درجة كبيرة من الأهمية الأثرية والتاريخية والجمالية. تمثل إحداها الآلهة عشتار وهي تعتمر تاجاً تزينه زخارف هندسية معمارية على شكل جدار، كما يزين جيدها عقد يتألف من أربع سلاسل تصطف دائرياً فوق بعضها بعضاً، إضافة إلى وجود جعبتين للنبال محمولتين على ظهرها بشكل متصالب. والمنحوتة الثانية تمثل كائناً خرافياً طوطمياً يشبه السانتور، لكن بدلاً من أن يكون نصفه إنساناً ونصفه الآخر حصاناً، فهو يتألف من جسم لسبع مجنح، ورأس سبع صغير الحجم يعلوه أيضاً رأس بشري يعتمر قبعة بقرون تتدلى منها شراشيب كثيفة. بينما المنحوتة الثالثة تمثل إلهاً يرتدي قميصاً وتنورة قصيرة ويحمل بيده الممدودة رمحاً، ويتواصل البحث والاستقصاء حالياً لمعرفة هويته التاريخية التي لم يتم التأكد منها بعد. وقد عثرت البعثة المشتركة في عمليات التنقيب في الموقع ذاته على فجوة عرضها 110 سم ضمن سلسلة المنحوتات، يعتقد أنها كانت لمنحوتتين أزيلتا من مكانهما، وفي وقت لاحق تمّ العثور فعلاً على واحدة منهما في الحفر، وتاريخها يعود إلى الفترة الهلنستية. وتماثل هذه المنحوتة منحوتات معبد "إله حلب" المكتشف في وقت سابق والمعروف ب"حدد" إله الطقس. وكانت تزين المعبد سلسلة من المنحوتات البديعة التي يرجع تاريخها إلى الألف الأولى قبل الميلاد. والمعبد الآنف الذكر كان قد شيّد فوق معبد أقدم يعود تاريخه إلى الألف الثانية قبل الميلاد. ومن جهة أخرى أنهت البعثة الأثرية البلجيكية - السورية أعمال الموسم الثاني من خطة الترميم لمدرج مسرح جبلة الروماني، وهي الخطة الهادفة إلى تحويل هذا الموقع التاريخي المهم مدرجاً مسرحياً جاهزاً للعرض تبعاً لمواصفاته المعمارية والتاريخية المتعارف عليها في ضوء الوثائق والمكتشفات والمعطيات المعمارية.