تباينت الآراء السياسية في مصر على إعلان تكليف الدكتور عاطف عبيد تشكيل الحكومة الجديدة. واعتبرته اتجاهات معارضة بمثابة "احباط" لآمالها في التغيير السياسي. وجاء اختيار عبيد متسقاً مع فكرة "التغيير في اطار القائم" بدل الاستعانة بمسؤولين جدد للتعاطي مع الاصلاح الاقتصادي، واعطاء دفعة قوية لبرنامج بيع الشركات العامة، خصوصاً ان اسم رئيس الحكومة الجديد ارتبط بسياسات الخصخصة، الى جانب انحيازه الى مفاهيم الليبرالية الاقتصادية المطلقة. وتشير دلائل اسماء المرشحين الجدد للوزارات المختلفة، والتي تداولتها الاوساط السياسية امس، الى ان التعديلات الاساسية في التشكيلة الوزارية تطاول المجموعة الاقتصادية الاقتصاد والمال والتخطيط والتعاون الدولي وقطاع الاعمال لتكوين ما يسمى ب"التجانس" الذي كان احد المظاهر السلبية البارزة، في الحكومة السابقة، والقت بظلالها على الأداء الاقتصادي. واذا كان عبيد تولى سابقاً منصب وزير القطاع العام الذي تحول منذ مطلع التسعينات الى قطاع الاعمال العام، الا انه خاض معارك عنيفة ضد معارضيه بسبب مناصرته القوية لبيع الشركات التابعة لوزارته، وما اسمته المعارضة "اندفاعه" في عمليات الخصخصة، ورغبته في ازالة أي معوقات تعرقل هذا الهدف. ويرد عبيد على انتقادات معارضيه ان عملية الخصخصة لا تهدف الى تصفية مكتسبات او بيع انجازات تمت، وانما هي تحريك للشركات العامة، التي عانت سنوات طويلة من الجمود وتراكم مديونيات زادت عن 88 بليون جنيه، وتحتاج الى سياسات جديدة تنقذ الانتاج الوطني المتدهور، وتحافظ علي ثروات الشعب. سعر الدولار وفي هذا الاطار لوحظ انخفاض سعر الدولار في السوق المصرية يوم استقالة حكومة الجنزوري بمقدار 4 قروش، وذكرت "وكالة انباء الشرق الاوسط" عن مصدر رسمي في هيئة سوق المال ان "تكليف الدكتور عاطف عبيد بتشكيل الوزارة اثار ارتياحاً لدى المستثمرين بسب ارتباطه فترة طويلة بتنفيذ برنامج الخصخصة ودرايته الكبيرة". وفي السياق ذاته توقع رئيس اتحاد الصناعات الدكتور عبدالمنعم سعودي اتخاذ الحكومة الجديدة تدابير عدة من شأنها جذب الاستثمارات الاجنبية، بعد التدني الواضح الذي شهدته الفترة الماضية، فيما توقع آخرون ان تولي الحكومة الجديدة دور القطاع الخاص اهمية قصوى في المرحلة المقبلة، خصوصاً ان عبيد تولى دور "مهندس سياسة الخصخصة" منذ تطبيق برنامج الإصلاح العام 1991. المعارضة السياسية اما المعارضة السياسية وعلى رغم انقسامها في شأن الموقف من سياسات الاصلاح الاقتصادي ودور عبيد في هذا البرنامج، الا انها تخشى ارتباط اختيار عبيد للمنصب باستمرار تجاهل مطالبها في الاصلاح السياسي، لأن اهتماماته الاساسية ستكون بالملف الاقتصادي وجوانبه التقنية، وهو ما عبر عنه نائب رئيس حزب الوفد الليبرالي السيد ياسين سراج الدين رئيس كتلته البرلمانية، بقوله ل"الحياة" ان دلالات هذه الخطوة اقل بكثير مما كان متوقعاً، على رغم عدم اعتراضها على شخص رئيس الحكومة الجديد المعروف بخبراته الاقتصادية الايجابية وصلاته القوية بالمؤسسات المالية الدولية، التي ستساهم في تحسين الاوضاع. وفي الاتجاه ذاته قال الأمين العام للحزب الناصري السيد ضياء الدين داود ل"الحياة" ان "هذا الاختيار جاء ضد ما كنا نرجوه، فلم نتوقع تغييراً ذا قيمة، لكن على الاقل كان لدينا امل في تطوير اكثر عمقاً"، وزاد "نحن في طريق تسريع وتيرة الخصخصة، وثبات للحريات السياسية من دون تطوير يذكر". وبادرت صحيفة "الاهالي" اليسارية بشن حملة قوية على رئيس الحكومة الجديد، من زاوية معارضتها لبيع الشركات العامة، وتساءل رئيس التحرير الصحافي نبيل زكي في مقاله الافتتاحي "هل ستكون الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور عاطف عبيد قادرة على تنفيذ الاهداف الاجتماعية التي اعلنها الرئيس مبارك". وزاد ان "التجربة اكدت اننا في حاجة الى ترشيد الخصخصة بدلاً من المضي في طريقها بلا دراسة". وشدد الأمين العام لحزب العمل ذو التوجه الاسلامي السيد عادل حسين على ان "عملية تغيير البيئة السياسية المنشودة، تتطلب ابعد من تعديل الحكومة، الى ازالة العقبات في وجه الاحزاب السياسية، وتغيير السياسة الاعلامية وانما احتكار حزب واحد لها. وزاد ان "تشكيل حكومة تتميز بالكفاءة ومقتنعة بجدوى اصلاح البيئة الأساسية من الشروط المهمة لنجاج الخطوات المطلوبة، لكن الاختيار الذي تم من اصحاب خبرة الحكم السابقة، فهؤلاء لم يتدربوا على العمل في مناخ من المنافسة السياسية والمعارضة الجادة، وهذه مشكلة ستظل قائمة".