كانت رغبة قداسة البابا - وما زالت - القيام بزيارة تاريخية للمكان الذي بزغت منه شمس الهداية، وانطلقت منه رحلة الايمان فكان الحاضن لميلاد أبي الأنبياء، وخليل الرحمن سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام، وذلك لمناسبة حلول ألفية جديدة على ولادة المسيح عيسى بن مريم. وهي رغبة يقدر المؤمنون دوافعها الروحية والنفسية والتاريخية. وأحيطت هذه الرغبة بعد اشاعتها، بقدر واسع من التحليلات والتعليقات الصحافية المختلفة. ولم يسأل احد من المعنيين بالزيارة عن مسقط رأس سيدنا ابراهيم، بل اكتفى الجميع بما هو شائع في بعض كتب التاريخ من انه يقع في مدينة أور جنوبالعراق. والحقيقة التي تؤيدها الآثار ان الموطن الحقيقي لمسقط رأسه عليه السلام منطقة بيتواته التابعة لمحافظة رانيه حالياً وتقع بين اربيل والسليمانية في كردستان العراق، كما ان مملكة نمرود تقع ضمن كردستان العراق وشماله. فلكي تحقق الزيارة الميمونة مقاصدها الروحية ان تمت في المستقبل القريب يحسن بالقائمين عليها، المدبرين لخطتها اصدار بحث تاريخي يسدل الستار على اهم مسيرة روحية اضاءت مستقبل الانسان بنور الايمان كما هو في الحقيقة والواقع، لا كما تناقلت الروايات من دون تمحيص او تحر حقيقي. لماذا سكت الآثاريون - على رغم الاكتشافات الحديثة - والجواب انه منذ القدم وحتى تقسيم كردستان في معاهدة لوزان عام 1923 حاولت الأنظمة المعادية للأمة الكردية بشتى الوسائل طمس هذه الحضارة العريقة وعدم ابراز الحقائق التاريخية لها، ولم تقف تلك المحاولات عند هذا الحد بل وصل الأمر بها الى محاولة ابادتها ولا يزال التطهير العرقي وتغيير الواقع القومي يستمر في الاجزاء المتبقية تحت سيطرة النظام العراقي مثل كركوك، خانقين، مخمور، سنجار... الخ. وبدأت هذه الحملات القاسية منذ استعمل في وسائل الاعلام مصطلح شمال العراق بدلاً من كردستان. لا شك في ان قداسة البابا بحكم موقعه الديني ومسؤوليته السياسية مطلع على الكتب السماوية جميعاً، لذلك أود الاشارة الى بعض الأدلة مستعيناً بالمصادر الدينية اولاً القرآن الكريم. ثانياً قرأت في بعض الكتب التاريخية ان التوراة تؤكد ذلك علاوة على كل ذلك الآثار الباقية. 1 - قصة الطوفان في عهد سيدنا نوح عليه السلام، حيث ان النبي نوح قبل ان يركب السفينة دعا ربه قائلاً: "وقل ربّ أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين" الآية 29 سورة المؤمنون. فاستجاب سبحانه وتعالى لدعائه واستوت على الجودي. وقال تعالى: "وقيل يا أرض ابلعي ماءَكِ ويا سماءُ أقلْعي وغيضَ الماءُ وقُضيَ الأمرُ واستوتْ على الجودي وَقيل َ بُعداً للقومِ الظالمين" الآية 44 سورة هود. ويقع جبل الجودي في كردستان غرب قضاء زاخو ب35 او 40 كلم. 2 - حين دعا سيدنا ابراهيم ربه ليريه كيف يحيي الموتى؟ فأوحى له القادر الخالق بأن يقوم بقتل اربعة طيور مختلفة ويقطعها الى اجزاء ومن ثم وضع الاجزاء في مواقع متفرقة على الجبال المحيطة بمكان وجوده. فلينظر ماذا يرى؟ قال تعالى: "وإذا قال ابراهيم ربِّ أَرني كيفَ تحيي الموتى قال أَوَلم تؤمن قالَ بلى وَلكِن ليطمئنّ قلبي قال فخُذْ أربعة مِنَ الطير فصرهُنّ إليك ثمّ اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءاً ثمّ ادعهُنّ يأتينك سعياً واعلمْ أنّ الله عزيزٌ حكيم" الآية 260 سورة البقرة. من بين الطيور الأربعة كان "القبج" الموجود بكثرة في جبال كردستان وحتى يومنا هذا، والقبج لا يمكنه العيش في الصحارى والمناطق الحارة، والمعروف ان مدينة أور تقع في القسم الجنوبي من العراق والمنطقة حارة وخالية من الجبال ايضاً. 3 - ان كثيراً من اسماء المناطق الأثرية في منطقة بيتواته باقية منذ القدم الى الآن منسوبة الى آزر والد ابراهيم وابراهيم وسارة زوجته الأولى وآثار نمرود وموقع النار التي جعلها الله برداً وسلاماً على ابراهيم. اذا كان الهدف من هذه الزيارة زيارة دينية محضة والبابا ينوي القيام بها في المستقبل القريب اجلت في الوقت الحاضر اليس من الافضل مسبقاً ارسال بعثة متخصصة الى المنطقة لتقصي المزيد من الحقائق وجمع المعلومات وعندئذ يتضح لقداسته هل مدينة اور ام كردستان هي موطن سيدنا ابراهيم عليه السلام؟ .... عبدالله عبدالكريم البرزنجي، مستشار في وزارة الثقافة والفنون لإقليم كردستان العراق سابقاً، مقيم حالياً في المانيا