على عكس صديقه وزميله برتولد بريخت الذي ازدادت شهرته، بعد موته، أضعافاً وصار منذ رحيله واحداً من كبار الكلاسيكيين في تاريخ المسرح العالمي، كان ارفن بسكاتور الألماني سيئ الحظ. فهو منذ رحيله في 30 آذار مارس 1966 أضحى أقرب لأن يكون نسياً منسياً، مع أنه كان صاحب الفضل الأول في وصول بريخت الى الصياغة النظرية ل "المسرح الملحمي" من ناحية كذلك واحداً من أوائل وكبار المبتكرين في مجال التقنيات المسرحية، خاصة أنه كان هو أول من استخدم العرض السينمائي كجزء من "السينوغرافيا"، وأول من ابتكر المسرح الدوار، ناهيك عن أن اشتغاله على الممثل حظي باهتمام كبير، لا سيما عند نهاية أيامه، حين أقام في الولاياتالمتحدة. هناك طور مناهج استاذه وأستاذ الجميع ستانسلافسكي، عبر مؤسسة "دراماتيك ووركشوب" الورشة الدرامية التي تعاون معه فيها آرثر ميلر، وتينيسي ويليامز، وشهدت البدايات الحقيقية لفنانين من طراز مارلون براندو. ومع هذا فإن المرحلة الأميركية لم تكن، بالطبع، ألمع مراحل ارفن بسكاتور، فألمع مراحله كانت تلك التي شهدت تعاونه الخلاق مع برتولد بريخت في سنوات العشرين من هذا القرن، وهو تعاون جعل بريخت يكتب رسالة لبسكاتور في العام 1947 يقول له فيها: "يهمني أن اؤكد ان أحداً من بين جميع الذين صنعوا المسرح خلال السنوات العشرين الأخيرة لم يكن أقرب الي منك". وكان جواب بسكاتور على تلك التحية قوله: "وأنا من جانبي أعتقد بأن أي مسرحي لم يكن أكثر منك دنواً من مفهومي للمسرح". رغم هذا الثناء المتبادل يمكن القول إن بسكاتور تبدى على الدوام أكثر ثورية من بريخت وقد يقول البعض: أكثر تهوراً وسعياً للمغامرة منه. بسكاتور المولود في 1893 كان يكبر بريخت بخمس سنوات، وهو ولد في مدينة أولم وأصابته الحرب العالمية الأولى بصدمة كبيرة دفعته لأن يخوض وفي الوقت نفسه النضال في سبيل السلام وفي سبيل الثورة. وهو في هذا المجال الأخير كان أكثر ثورية في رغبته بتبديل اللعبة المسرحية من أي زميل له. ومن هنا يعتبر في نظر الكثيرين المجدد الأكبر في المسرح الألماني، وفي المسرح الأوروبي عموماً، بين 1918 و1931، من الناحيتين الشكلية ادخال السينما والمسرح الوثائقي وربط اللعبة الجمالية بالأخبار الآتية، والمسرح الدوار، واشراك الجمهور في اللعبة المسرحية والموضوعية تسييس المسرح.