بدأت حرب الكونغو الأهلية مساء الخامس من تموز يوليو 1960، اي بعد أيام فقط على حصول الكونغو على استقلاله، وكان واقع تلك الحرب، في الدرجة الأولى، صراعات قبلية كما سوف يتبين في ما بعد. في ذلك اليوم بدأ الأمر بتمرد قامت به قوات حفظ الأمن الكونغولية التي كان البلجيكيون قد دربوها وأمدوها بالأعتدة، وكان التمرد، بالتحديد، ضد الضباط البلجيكيين. يومها سارع كل من جوزيف كازافوبو وباتريس لومومبا الى التدخل، فتمكنا من إقناع المتمردين بالعودة الى الهدوء. لكن الهدوء لم يدم طويلاً، اذ خلال الأيام التالية راحت العمليات الموجهة ضد الأوروبيين تتكاثر في طول البلاد وعرضها. وراح الأوروبيون يهربون بالعشرات ثم بالمئات، خوفاً من احراق الكونغوليين لبيوتهم، كذلك خوفاً من قتلهم، عن طريق عبور نهر الكونغو وصولاً الى برازافيل التي كانت لا تزال حتى ذلك الحين، أرضاً فرنسية. وتمكن آخرون من الوصول الى روديسيا البريطانية آنذاك. وفي يوم 11 من الشهر نفسه بلغ عدد اللاجئين الأوروبيين الفارين من الكونغو 15 ألف نسمة. غير ان العمليات ضد الأوروبيين كانت تخفي وراءها صراعات محلية. وتلك الصراعات سرعان ما انكشفت علانية حين أعلن مويس تشومبي، رئيس حكومة اقليم كاتانغا، استقلال هذا الاقليم على شكل دولة ذات سيادة. وكان من الواضح ان تشومبي يسعى من خلال اعلان ذلك الاستقلال، الى انتزاع منطقة المناجم الغنية من أيدي الحكومة المركزية، وكان تشومبي في الحقيقة يسيطر على منطقة مناجم النحاس الغنية، وكان كثيرون يرون انه انما يعمل بوحي من، ولحساب البلجيكيين والفرنسيين، ضد حكومة كازافوبو - لومومبا ذات التوجهات الاستقلالية، والتي كانت قد بدأت علاقات متميزة مع مصر عبدالناصر كما مع الاتحاد السوفياتي. أمام تحرك تشومبي الذي أخذ الحكومة الاستقلالية المركزية على حين غرة، وجدت هذه الحكومة نفسها مجبرة على التوجه صوب منظمة الاممالمتحدة طالبة منها إرسال قوات حفظ سلام للتدخل ضد الانفصاليين. وتشومبي من ناحيته حاول اقناع الانكليز في روديسيا بإرسال قوات تساعده، كما انه، وفي عملية مفضوحة اسند الى ضابط بلجيكي مهمة قيادة قواته المتمردة. وكانت مناجم النحاس في كاتانغا لا تزال في ايدي الشركات البلجيكية الكبيرة. أمام هذا الوضع كله أرسلت الحكومة البلجيكية قوات عسكرية الى الكونغو، زاعمة ان طلباً بهذا الشأن وصلها من الحكومة الكونغولية الشرعية في ليوبولدفيل. لكن هذا لم يكن صحيحاً، مما دفع الحكومة الشرعية الى اعلان قطع علاقاتها مع بلجيكا اعتباراً من يوم 14 تموز يوليو. في اليوم التالي وصلت الى الأراضي الكونغولية طلائع القوات التي بعثت بها الاممالمتحدة. واختلطت الأمور ببعضها البعض. عند ذلك لم يجد باتريس لومومبا مهرباً من مطالبة الاتحاد السوفياتي بالتدخل وتقديم العون له، كما توجه صوب القاهرة طالباً دعماً وعونا. هذا كله جعل من مشكلة الكونغو، في تلك الأيام، مشكلة دولية معقدة، ودفع الدول الكبرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفياتي الى اتخاذ قرار بعدم التدخل، والحفاظ على حيادها التام تجاه تلك المشكلة. وفي الوقت نفسه توجه باتريس لومومبا الى نيويورك حيث عقد عدة اجتماعات مع داغ همرشولد، الأمين العام لمنظمة الاممالمتحدة في ذلك الحين، واجرى معه مفاوضات تواصلت حتى نهاية ذلك الشهر.