صدرت أخيراً طبعة محققة من كتاب "أبنية الأسماء والأفعال والمصادر" لابن القطاع الصقلي عن مركز تحقيق التراث التابع لدار الكتب والوثائق القومية المصرية. واشتمل القسم الأول من هذه الطبعة على دراسة لمحقق الكتاب الدكتور أحمد محمد عبدالدايم وكيل كلية دار العلوم في جامعة القاهرة حول المؤلف وأبرز مؤلفاته اللغوية وتحليل لكتابيه الصرفيين "تهذيب الأفعال" و"أبنية الأسماء والأفعال والمصادر". وابن القطاع هو علي بن جعفر السعدي الصقلي 433 - 515 ه، وخلاصة ما ورد عنه في كتب التراجم أنه من أصل عربي خالص، إذ يرجع نسبه إلى قبيلة تميم، كما أنه ينتمي الى اسرة الأغالبة التي حكمت بلاد المغرب لفترة طويلة ويرجع إليها الفضل في فتح جزيرة صقلية وضمها الى الدولة الإسلامية. وتشير كتب التراجم كذلك الى أن ابن القطاع قضى معظم عمره في صقلية، وهاجر سنة 500 ه الى مصر حيث تتلمذ على يديه كثيرون حتى وفاته في العام 515 ه. وفي تصديره لطبعة دار الكتب المصرية من كتاب "أبنية الاسماء"، يشير الدكتور محمود علي مكي الى أن هذا الكتاب يعد من أجلّ الكتب الصرفية في التراث اللغوي، وهو يكمل كتاب "تهذيب الأفعال" الذي قام ابن القطاع الصقلي نفسه بتأليفه مهذباً به كتاب "الأفعال" لأبي بكر بن القوطية الاشبيلي المتوفى سنة 367 ه. ويلاحظ الدكتور مكي أن عبدالدايم اتبع في تحقيقه للكتاب منهجاًَ علمياً قويماً لجهة أنه حقق الآراء المنسوبة الى اصحابها وقابلها على مظانها، ونسب ما لم ينسب منها الى من قالوا بها، وحقق الشواهد ووثق نسبتها، راجعاً الى عدد كبير من المصادر، وعرّف بالأعلام واستدرك ما فات المؤلف من عناوين لبعض الموضوعات. ويُحمد للمحقق أيضاً أنه ألحق بالكتاب معجمين: واحداً بالألفاظ الواردة في الكتاب، وآخر للأبنية الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية المجردة والمزيدة من اسماء أو أفعال أو مصادر. كما أنه صنع فهارس عدة للآيات القرآنية والأحاديث النبوية والشواهد الشعرية، وختم بثبت المصادر والمراجع. واعتمد المحقق على ثلاث نسخ مخطوطة للكتاب: الأولى محفوظة في دار الكتب المصرية، والثانية في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، والثالثة في "مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي" في جامعة أم القرى في مكةالمكرمة، وتكمل هذه النسخ بعضها بعضاً، بحيث تكوّن معاً نسخة كاملة من كتاب "أبنية الاسماء والأفعال والمصادر" الذي يعتبر، بإجماع المختصين، من أهم الكتب الصرفية وأكبرها وأغزرها فوائد. إذ استشهد ابن منظور، على سبيل المثال، بكثير مما ورد فيه وذلك في كتابه القيم "لسان العرب". كما أن كتاب "تاج العروس" اشتهر، من بين كتب اللغة جميعها، بكثرة نقله عن ابن القطاع. وأورد أبو حيان في كتابه "ارتشاف الضرب" أمثلة متعددة من الأبنية التي استقاها من كتاب ابن القطاع. ويشير المحقق في مقدمة دراسته الى أن كتاب "أبنية الاسماء والأفعال والمصادر" هو من الكتب المهمة جداً في التراث اللغوي العربي، إذ أنه يضيف الى حقل اللغة إضافة كبرى، ويخدم دارسي اللغة خدمة جليلة لما يضمه بين دفتيه من أبنية مستقصاة وما عليها من أمثلة منتقاة، وما حواه من مفردات متنوعة ولغات مختلفة، منها الكثير والقليل والنادر والمعرب والدخيل. وتبرز قيمة هذا الكتاب في كثرة ما أحصى لأبنية الاسماء، إذ اثبت سيبويه أن للأسماء ثلاثمئة وثمانية بناء، زاد فيها ابن القطاع حتى ألف وخمسمئة بعد أن استدرك على كل من حاول إحصاء ذلك وتفوق عليه، فكان كتابه، بحق، معجماً للأبنية بما فيه من امثلة، ثم شرح تلك الأمثلة معجمياً ما أمكن. وتتألف طبعة دار الكتب المصرية من قسمين: يتضمن الأول مقدمة المحقق والدراسة التي أعدها حول المؤلف ومؤلفاته المفقودة والمطبوعة والمخطوطة، يلي ذلك عرض وتحليل لكتابي "تهذيب الأفعال"، و"أبنية الأسماء والأفعال والمصادر". وتناول المحقق في القسم الأول كذلك مسألة توثيقية تتمثل في اثباته نسبة كتاب "الأبنية" الى ابن القطاع. وتضمن القسم الثاني الكتاب نفسه محققاً، علماً أن هذا العمل بدأ في صورة أطروحة لنيل درجة الدكتوراه التي حصل عليها المحقق من جامعة القاهرة في 1980، ثم ما لبث أن استكمله بعد ذلك بسنوات، وعهد به الى مركز تحقيق التراث في دار الكتب المصرية التي اصدرته أخيراً في طبعة فاخرة تليق بقيمته التراثية والعلمية.