عندما سعى الرئيس المصري السابق، انور السادات، الى إجراء تعديل دستوري يتيح له اطلاق عدد مرات انتخاب رئيس الدولة ليستفيد من ذلك، دعا الشعب الى الاستفتاء العام ليدلي بصوته بالموافقة أو الرفض على هذا التعديل، غير انه - السادات - ربط ذلك بأمرين، إما ان يوافق الشعب عليهما معاً أو يتم رفضهما معاً، الاول جعل الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وثانيهما اطلاق عدد مرات انتخاب رئيس الدولة. وبذلك ضمن السادات نتيجة التعديل الدستوري الذي يرنو اليه بدهائه الذكي على حب الشعب المصري للاسلام. وهناك بون شاسع جداً بين الاسلام والعنف، وكثيرون يحاولون لعداوات فكرية أو ايديولوجية، ان يخلطوا بين الاثنين ليصلوا الى معادلة صعبة تكرس لدى الجميع الخوف من الاسلام. وبمقتضى تلك الهواجس المفتعلة كانت الضربات تكال الى الاسلام الدين، على رغم انه يتيح لكل صاحب رأي ان يعبر عن رأيه وان يطرح بكل الجد والاحترام تصوراته واطروحته الفكرية أو السياسية. وكانت حرية العقيدة الدينية مكفولة ليس بنص دستوري وإنما بنص قرآني محكم "لا إكراه في الدين". والمجتمع المصري هو ترجمة صادقة ووسطية لمبادئ الاسلام العظيم في المؤاخاة والتعايش السلمي لأصحاب العقائد المخالفة. لكن البعض حلا له ان يكيل اتهاماته ويدعي على الاسلام ما ليس فيه ويسعى الى فرض افكار ومبادئ غربية في مجتمع شرقي متدين، تعمد الى التحلل الخلقي والفساد الاخلاقي والزندقة الاقتصادية. وهؤلاء يطلقون مدفعيتهم الثقيلة صوب الاسلام ومبادئه وقيمه تحت شعار الليبرالية ومظلة الحرية والديموقراطية. وعانت الأمة في سنواتها الاخيرة من صراع بين ابنائها تحت تأثير هذه التصورات الخاطئة والأغاليط الفكرية، واستُدرج فريق من ابناء الوطن في بعض الجماعات الاسلامية الى فخ العنف فسالت دماء وسقط ضحايا من هنا وهناك، وتنادت اصوات نشاز في غمار هذه الفتنة تدعو الى استئصال الاسلاميين وتلقي بذور الشك والريب في المنبع الذي ينهل منه هؤلاء، في غمز واضح تجاه تعاليم الدين الاسلامي الحنيف. وفي المقابل سيطرت على دوائر من الحركة الاسلامية نتيجة هذا المناخ فكرة الخصام مع المجتمع. لكن تنامي آليات العولمة وطغيانها ونشوء نظام عالمي جديد ترعاه وتقوده الولاياتالمتحدة الاميركية وربيبتها اسرائيل صعّب من قدرة تلك الحركة على طرح افكارها وتصوراتها واستمرارها في حال الخصام، بما يعطي شرعية لنظام العولمة في حصار الحركات الاسلامية الاصولية على سند من القول بادعاء محاصرة الارهاب واجتثاث جذوره في مناطق العالم الثالث، مستترة تحت غايات صليبية مقيتة تضمر العداء لهذا الدين العظيم. في وقت حصر بعض تيارات الحركة الاسلامية نفسه في وسائل وآليات لا تتيح له حسن الانطلاق ولا تضمن له حق التعبير. وحال وجود قدر من اختلاف وجهات النظر حول مسائل شرعية تحكم ضوابط العمل السياسي دون الاتفاق على وجود جسم يشمل هذه الفصائل أو يضمن لها مساحة معقولة من التنسيق والتفاهم. لذلك كله لا بد من طرح مشروع إحيائي للنهضة الاسلامية، كمنهج متكامل وأصيل في ريادة الأمة، مشروع يؤمن بأن الحضارة الاسلامية هي حضارة اصيلة ضاربة بجذورها في بنية المجتمع المصري بمفهومها الوسطي المعتدل وتوجهاتها السمحة ومعاملاتها الأمينة وأحكامها العادلة مع الخصوم والحلفاء. وأن الحضارة الاسلامية هي الحاضر والماضي والمستقبل، ففي دولتها عاش المسلمون والنصارى واليهود متساوين في الحقوق والواجبات. وعلى منصات محاكمها قضى قضاتها بالعدل والإنصاف لصاحب الحق القبطي او اليهودي، في معزوفة لا تعزفها المدنيات المعاصرة التي تتشدق كثيرا بحقوق الانسان. لذلك فإن اولى الدعائم التي يتساند اليها هذا المشروع هو الايمان المطلق بضرورة التمسك بأحكام الشريعة الاسلامية وتطبيقها نصاً وروحاً وانه لا ينبغي الخجل من تلك الهوية او التنازل عن بعضها لمصلحة غيرها من الشرائع الارضية او الوضعية، "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون". ومن نافلة القول التذكير بأن ذلك يجد صدى في دستور مصر الذي ينص على ان الشريعة الاسلامية هي المصدر الاساسي للتشريع. ومفردات الدعامة الاولى للمشروع تؤكد ان ذلك لا يعني بالضرورة دعوة الى الدولة الثيوقراطية أو حكم رجال الدين فتلك حجة بليت وبلي مدّعوها. فالاسلام هو الشورى والحرية الكاملة من دون الفوضى. وهذه المبادئ والقيم والاحكام الشرعية القاطعة يتواءم معها أي شكل من اشكال الحكم التي هي محل بحث علم النظم السياسية والدستورية، فلا بأس من ان يكون نظام الحكم رئاسياً او نيابياً، بالاقتراع المباشر او على درجتين، فكل ذلك يستوعبه الاسلام، باعتباره من الأطر التي يرتضيها الناس في دنياهم كتقنين لتلك المبادئ الثابتة. والدعامة الثانية التي يعتمد عليها مشروع الإحياء الاسلامي في مصر تتمثل في اعتماده بشكل واضح المرجعية الشرعية، فنثبت كل ما اصطلحت عليه الأمة وتلقته بالقبول والرضى من مصادر التشريع والفقه الاسلامي الراجح. ويشدد المشروع على ضرورة حشد كل القوى التي تعتمد هذه المرجعية والأفراد الذين يعتمدون النضال السياسي من اجل ترسيخ هذه المفاهيم وتحقيق تلك الاهداف انطلاقاً من الهدي النبوي الخالد، "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر". ومشروع الاحياء يرمي الى التواصل مع نضال الامة الذي اسفر عن مكتسبات حقيقية كثيرة يتمتع بها الشعب المصري دون غيره من الشعوب العربية. فهامش الحرية المتاح في مصر لم يكن منحة سلطوية بقدر ما كان نتيجة طبيعية لنضال الأمة عبر اجيالها وضريبة شهدائها الذين بذلوا دماءهم من اجل صحوة الجماهير والبحث عن غد افضل تتبلور فيه هوية الأمة الحقيقية ومرجعيتها الاسلامية الوسطية المعتدلة. لذلك كانت الفكرة المسيطرة على هذا المشروع هو ضرورة التلاحم مع الجماهير والتواصل مع النخب الثقافية والفكرية في المجتمع من اجل دعم الفكرة الاسلامية وتجليتها لتكون واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وان يكون ذلك السعي مجرداً في ذاته مكملاً لكل الجهود الاخرى التي تبذلها هيئات او تجمعات او جماعات اسلامية اكثر من الحرص على العمل البرلماني. فمهمة الاحزاب تنوير الجماهير وتبصيرها. وكثيرة هي الاحزاب التي لا تصل الى البرلمان او لا تسعى للوصول اليه. فدخول البرلمان هو وسيلة ضمن منظومة وسائل وبدائل مختلفة لتحقيق الاهداف. والمهم، ان تتكامل الجهود ولا يصادر كل فريق على وسيلة الآخر وآلياته. لكن المطروح، هو ايجاد آليات مشتركة تتحرك من خلالها فصائل الحركة الاسلامية فتكون معاً قوة ضغط مهمة في المجتمع لا تستطيع معها أي دوائر داخل السلطة ان تدعم فكرتها باستئصال الاسلاميين. * محام مصري.