يتفق معظم العراقيين على ان غزو الكويت مثل لبلادهم مرحلة الدخول الى كارثة عميقة ما زالت نتائجها مفتوحة على احتمالات لا تنتهي. ويجزمون ان العراق بعد غزو الكويت، ليس العراق قبله، وان فواتير الغزو ستظل تستهلك من العراق ثروات مادية وبشرية ما تجعل مهمة استعادة توازنه صعبة. يرى عراقيون مقيمون في الأردن استعادت معهم "الحياة" ذكرى غزو الكويت في الثاني من اب اغسطس 1990. ان الغزو احدث زلزالاً في مفاهيم وثوابت سياسية وقومية، وانه نقل العراق بحكم النتائج التي اعقبته ومنها "عاصفة الصحراء" والعقوبات الدولية المستمرة منذ الأيام الأولى له، الى مرحلة شديدة التعقيد جعلته في عزلة حقيقية لا على الصعيد السياسي فحسب، وانما اجتماعياً وفكرياً، حتى بات العراقيون يحيون اساليب عيش منقرضة. ويتفق استاذ الجامعة مع الطبيب والضابط والسياسي المعارض على ان اتجاهاً لمعالجة نتائج غزو الكويت لن ينقل العراق الى حال أفضل، في اشارة الى "ضرورة معالجة السبب المتمثل بوجود نظام الرئيس صدام حسين في السلطة". وهو ما يشدد عليه عضو المكتب السياسي لحركة الوفاق الوطني العراقي ضرغام كاظم بقوله: "اذا كان العالم قد تصدى لفعلة غزو الكويت وأرغم الطاغية على الرضوخ للقرارات الدولية الا ان الجراح والمعاناة التي خلفتها عند الشعبين الكويتيوالعراقي وبقية شعوب المنطقة ما زالت مستمرة ولن تتوقف الا بمعالجة اسبابها وليس نتائجها". وتشير الباحثة الاجتماعية ايمان خليل المعاضيدي الى ارتباط منهج الموت وإشاعته بوجود سلطة صدام حسين. فتقول ان "نتيجة غزو الكويت كانت موتاً في حرب غير متكافئة وحصاراً جعل العراق يعيش تحت خط الضنك والفاقة. وهذه النتيجة هي ذاتها التي كانت ايقاعاً لحياة العراقيين منذ مجيء صدام حسين الى السلطة وإعلانه الحرب على ايران في 1980". ويرى اخصائي الجراحة الدكتور بدري الرمضاني الذي يصف نفسه ب"آخر من كان سيغادر العراق" ان غزو الكويت اوصل العراقيين الى وضع اصبحوا فيه، "فلسطينيي التسعينات". ويقول: "كانت اجيالنا تتعاطف مع اللاجئين الفلسطينيين الذين يبحثون عن مكان آمن وفرص لمعاودة حياتهم بعد الهجرة من وطنهم". وها نحن في التسعينات، كلاجئين نبحث عن من يتعاطف معنا كي نستعيد آمالنا بالحياة. وينوه استاذ اللغة العربية وآدابها الدكتور محمود خليل الزبيدي بالاحساس العميق بالصدمة التي ولدها قرار غزو الكويت عند العراقيين لجهة ضربه ثوابت في التربية الوطنية والقومية تتعلق بوحدة المصير والانتماء القومي العربي، وان "العراق حجر الزاوية في المشروع العربي لتحرير فلسطين". ويقول: "في العاشر من أيار مايو 1990 كان الرئيس صدام حسين يقلد أمير دولة الكويت وسام الرافدين من الدرجة الأولى لمواقفه القومية المشرفة تجاه العراق. اذن كيف عليّ ان اقتنع في الثاني من آب اغسطس، بعد أقل من ثلاثة أشهر، ان صاحب المواقف القومية المشرفة أصبح عدواً لي". وعن دور الجيش العراقي في عملية غزو الكويت وأثر ذلك على هيكله العملياتي وبنائه وتركيبه يقول العقيد الركن عامر الجبوري الذي شارك في عمليات الانتفاضة الشعبية التي شهدتها المدن العراقية في الشمال والجنوب عقب حرب تحرير دولة الكويت، وغادر العراق بعد قمعها واستقر منذ 1996 في الأردن، وشغل اثناء غزو الكويت موقعاً في كلية القيادة العسكرية ببغداد: "لم تكن تتوافر لدى ضباط الجيش العراقي ووحداته مؤشرات الى عملية غزو وشيكة للكويت"، مضيفاً: "كانت هناك تمارين تعبوية للحرس الجمهوري وأغلب الظن الذي تولد عنها هو توفير ضغط على الحكومة الكويتية"، مشيراً الى "ان أسوأ الاحتمالات كانت تصل الى اجتياح جزئي لمنطقة الحدود وبالذات منطقة حقل الرميلة النفطي". ويستعيد الجبوري وقائع الأيام الأولى من الغزو، فيقول "ان رئيس اركان الجيش العراقي الفريق الركن نزار الخزرجي علم بالغزو شأنه شأن اي مواطن عراقي عادي من خلال بيان مقتضب في الاذاعة". ويرى الجبوري ان "خشية صدام من تمرد محتمل" كانت احد الاسباب التي منعته من اعلام الجيش بالموضوع الذي كان على معرفة دقيقة به كل من: "حسين كامل والفريق حسين رشيد التكريتي معاون رئيس اركان الجيش للعمليات والفريق الركن اياد فتيح الراوي قائد قوات الحرس الجمهوري واللواء صابر الدوري مدير الاستخبارات". ويضيف "اعطيت بعض ملامح خطة الغزو الى قادة فرق الحرس الجمهوري مع أداء القسم بعدم افشاء المعلومات". ويرى الجبوري الذي شغل اكثر من مرة موقع ضابط ركن أول وثان في فرق في الجيش "ان سبب خشية صدام من رد فعل الجيش العراقي في حال اسناد تنفيذ عملية الغزو اليه ناتج من معرفته بأن عقيدة الجيش العراقي دفاعية من اجل مبادئ القومية العربية والدفاع عن اقطار الأمة العربية وليس غزو احداها". ويذكر الجبوري ان مشاهد تعرف اليها من خلال زيارة الكويت نظمتها لهم كلية القيادة هو ومجموعة من الضباط، رسّخت عنده "قسوة الاحتلال ونتائج لا يفعلها الا الغزاة". ويقول ان هذه المشاهد "تتعارض مع ما اعلنته بغداد عن قيامها بتلبية نداء الاحرار الكويتيين"، مضيفاً "ان النهب والتخريب يدلان على ان ما كان النظام يقوله بوحدة العراقوالكويت، خديعة وتضليل". ويرد الضابط على ما أشيع عن قيام وحدات الجيش العراقي بالنهب والسلب فيقول: "من غزا الكويت وظل يبسط نفوذه الفعلي عليها لأكثر من شهر كانت وحدات الحرس الجمهوري، ثم انيطت مهمة امن الكويت لوحدات من الأمن الخاص والاجهزة الأمنية الاخرى، بقيادة علي حسن المجيد وسبعاوي التكريتي والعديد من افراد عائلة صدام. وهؤلاء كانوا مسؤولين عن عمليات سرقة منظمة لا يستطيع الأفراد القيام بها، حتى اضفي عليها طابع رسمي. فأصبحت كل وزارة عراقية مسؤولة عن افراغ الوزارة النظيرة لها في الكويت". وعن التدمير الذي ألحقته بالجيش العراقي حرب تحرير الكويت يشير الجبوري الى تدمير اكثر من 70 في المئة من بنيته. ويؤكد ان "وضعاً مهيناً للجندية العراقية كان يسيطر على البلاد وهي تمضي الى هزيمة كاملة كان الجميع يشعر بوطأتها الا سلطة صدام". ويعتبر الجبوري "الانتفاضة الشعبية التي اعقبت الهزيمة رداً طبيعياً للمواطن العراقي واستجابة لشعوره الوطني الذي كان يتعرض للاهانة وليس استجابة لدعوات خارجية كما يشاع"، مشيراً الى ان "الجيش العراقي الآن ضعيف وهو مستودع احتياطي لادامة وجود الحرس الجمهوري".