حسمت محكمة جنايات القاهرة أمس المواجهة بين وزير الزراعة الدكتور يوسف والي وصحيفة "الشعب" الناطقة باسم حزب العمل المعارض ذي التوجه الإسلامي لمصلحة الطرف الاول. اذ قضت بالسجن مدة سنتين مع الشغل وغرامة 20 ألف جنيه لثلاثة صحافيين بينهم رئيس التحرير، كذلك قضت بتغريم صحافي رابع 20 ألف جنيه، وإلزامهم جميعاً بدفع 501 جنيه تعويضاً موقتاً لوالي. وكانت المحكمة عقدت جلسة أمس برئاسة المستشار حسيب البطراوي. وتخلف المتهمون الأربعة عن الحضور، وهم رئيس التحرير مجدي أحمد حسين وصلاح عبدالعزيز بديوي ورسام الكاريكاتير عصام الدين حنفي والامين العام للحزب عادل حسين. ولم يحضر عن المتهمين سوى المحامي عادل عيد ومحامي نقابة الصحافيين سيد أبو زيد. واستمرت الجلسة ساعة، نظرت خلالها المحكمة في خمس قضايا اتجار في المخدرات، ثم رفعت الجلسة للمداولة قبل صدور الأحكام. وكانت المفاجأة أن المحكمة قضت بالبراءة للمتهمين الخمسة في قضية المخدرات مما أعطى انطباعاً بأن الصحافيين في "الشعب" سيكون مصيرهم البراءة أيضاً. لكن الحكم جاء مخالفاً لذلك. وتلا القاضي الحكم على النحو الآتي: السجن مع الأشغال الشاقة لمدة سنتين لكل من حسين وبديوي وحنفي وتغريم كل واحد منهم 20 ألف جنيه، وتغريم المتهم الرابع حسين عادل 20 ألف جنيه. أما في الدعوى المدنية فقضت بتغريم المتهمين الأربعة 501 جنيه على سبيل التعويض الموقت وإلزامهم المصاريف. وقالت المحكمة في أسباب حكمها إن المتهمين الاربعة "تعمدوا السب والقدح في حق الدكتور والي في الفترة من 15 كانون الأول ديسمبر العام 1998 الى 13 نيسان ابريل 1999، خلال 15 عدداً من "الشعب". ووصفت الصحيفة والي بألفاظ تخدش الشرف واسندوا إليه أموراً لو صحت لوجب احتقاره لدى أهل وطنه"، مشيرة الى أن المتهمين "خالفوا المادة 307 من قانون الإجراءات الجنائية، إذ اصروا على سب وقدح والي علناً". وأوضحت المحكمة أنها فوجئت بدفاع المتهمين "يقدم مستندات وأوراقاً ليس لها صلة بموضوع الدعوى بل قصد بها تعطيل إجراءات سيرها وهي مستندات لا تبرئ المتهمين من عبارات السب والقدح في حق المجنى عليه". ولفتت الى أن الصحيفة اتهمت والي بأنه "خائن" و"داعية إسرائيلي" و"الوزير الفاشل" وأنه "سبة في جبين الحكومة" و"يسعى الى اسرائيل للتخابر معها للقيام بأعمال عدائية ضد الشعب المصري بهدف تدمير الاقتصاد الوطني. وقدمت الصحيفة معلومات وأسراراً لو صحت لأوجبت عقاب والي بقانون العقوبات، بل وصلت حد الاتهامات الى شن حملة عليه، وواصلت الصحيفة الافتراءات والاتهامات التي لا تحمل أي سند من القانون". وأكدت المحكمة أن المدعي "نزيه وما وجه إليه لا يدخل في نطاق النقد المباح. فلا يقبل أن توجه لشخص مثل هذه الاتهامات بحجة أنه نقد مباح". ونبهت إلى أن "هناك مسافة كبيرة بين النقد الموضوعي الذي يتحرى الحقيقة ويحترم حرمة الحوار والأسرار الخاصة للمواطنين من دون النيل من وطنيتهم"، وأعتبرت أن ما كتبته "الشعب" عن والي "يدخل في إطار الغل الأسود" و"الاحقاد العمياء". وفي نهاية الجلسة تشابك انصار الطرفين بالأيادي، لكن رجال الأمن تدخلوا وفصلوا بينهم. وخرج انصار والي من المحكمة سعداء بالحكم وهم يرددون "يحيا العدل". مجدي حسين واتصلت "الحياة" بعد الجلسة بمجدي أحمد حسين، الذي لم يكن أُبلغ بالحكم بعد فقال ان: "الحكم ليس مفاجأة"، مشيراً الى أن هذه الدائرة القضائية سبق لها إصدار أحكام ضد الحريات، اذ أدانت جبهة علماء الأزهر وعاقبت أحد الصحافيين في قضية مماثلة بالحبس"، موضحاً ان الدفاع قدم طلباً لاستبعاد هيئة المحكمة، لكن الطلب رُفض. وأكد أن الدفاع لم تتح له الظروف الملائمة للقيام بواجب الدفاع عن المتهمين، واعتبر أن تلك المؤشرات كانت تؤكد أن الاحكام ستصدر بالإدانة. وعن الخطوات المستقبلية، أوضح أن الدفاع سيتحرك في اتجاهين لوقف تنفيذ الحكم، وذلك بتقديم طعن أمام محكمة النقض يحتوي على شق مستعجل بوقف التنفيذ لحين النظر في النقض، وتقديم طلب للنائب العام لوقف تنفيذ الحكم لحين النظر في النقض. لكنه شدد على أن الحكم "وسام على صدري وصدر جميع العاملين في الشعب". اما الامين العام لنقابة الصحافيين السيد يحيى قلاش فقال أن محامي النقابة سيقدم اليوم طلباً الى النائب العام المستشار ماهر عبدالواحد باسم نقيب الصحافيين السيد ابراهيم نافع لوقف تنفيذ الحكم حتى النظر في الطعن، مؤكداً أن النقابة ستبذل كل ما في وسعها لحماية مجدي حسين الذي يشغل أمين لجنة الحريات في النقابة المناط بها أساساً حماية الصحافيين. وأعادت هذه المواجهة إلى الأذهان المواجهة التي حدثت بين "الشعب" ووزير الداخلية السابق اللواء حسن الألفي قبل عامين، عندما قضت محكمة جنح بولاق أبو العلا بحبس حسين لمدة عامين في قضية سب وقدح الألفي. وأيدت محكمة الاستئناف الحكم وتم القبض عليه لتنفيذ الحكم على رغم تقديمه طعناً أمام محكمة جنايات القاهرة. واستمر حبس حسين اربعة أشهر قبل أن يتم الصلح بين الطرفين ويتم إطلاقه، الامر الذي اعتبرته "الشعب" في ذلك الوقت انتصاراً لها. فهل يتكرر السيناريو نفسه مع والي الذي حسمت محكمة الجنايات الجولة الأولى لمصلحته؟