بدا الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي في حال مراجعة لبعض قناعاته خلال أمسية نظمتها له أخيراً دار الكتب والوثائق القومية المصرية في مقرها المطل على كورنيش النيل في القاهرة، خصوصاً لجهة تقويم عطاء الثقافة المصرية في النصف الثاني من القرن العشرين. فصاحب "مدينة بلا قلب" و"مرثية للعمر الجميل" و"مدن الأسمنت"، اعتبر نفسه - رداً على سؤال لمديرة الأمسية الشاعرة شريفة السيد - مقصراً، لأنه لم يهتم بالكتابة للمسرح خلال مسيرته الإبداعية التي بدأت في منتصف الخمسينات. وقال حجازي إنه يحاول الآن تجاوز هذا التقصير "بعمل أول للمسرح" يكتبه حالياً. إلا أنه أبدى رغبته في عدم الخوض في تفاصيل هذا العمل في الوقت الراهن. أما الحصاد الثقافي المصري بعد 1952، فهو قائم على "ثقافة زائفة"، ما يستلزم إخضاعه "لمراجعة شديدة، ليس من الناحية الفنية فقط، وإنما - وهذا هو الأهم - من الناحية الفكرية"، حسب ما شدد عليه حجازي في إجابته على اسئلة جمهور الأمسية، التي كاد أن ينسحب حجازي نفسه منها في مستهلها احتجاجاً على مصوري محطات تلفزيونية محلية "لأنهم لا يمارسون عملهم في صمت". ومما قاله حجازي في هذا السياق: "عقب هزيمة 1967 تغيرت أشياء كثيرة جداً واصبح السؤال عن جدوى الثقافة مطروحاً. الثقافة التي كنا ننتجها في الخمسينات والستينات، وكنا نعتقد أنها تقدم لنا إجابات واضحة ومطمئنة، تبين لنا أنها لا تقدم إلا الأوهام. فهي ثقافة زائفة، ومن ثم فقدنا قدراً كبيراً من الثقة فيها ليس من حيث هي معلومات، وإنما من حيث القيمة التي كانت تبلورها وتدعو إليها". معروف أن حجازي 64 سنة قاد في بدايات العام الحالي معركة ساخنة دفاعاً عن الثقافة المصرية ضد منتقديها من خلال مقالات عدة نشرتها صحيفة "الأهرام" القاهرية، ومداخلة شهيرة ضمن فعاليات إحدى ندوات الدورة الماضية لمعرض القاهرة الدولي للكتاب حضرها من المثقفين العرب أدونيس ومحمد بنيس. ومما قاله حجازي في ندوة معرض الكتاب: "إن مصر باختصار هي الثقافة، وهدم الثقافة المصرية هدم لمصر، وعزل المثقفين المصريين ومحاصرتهم عزل لبلادهم". وفي أمسية دار الكتب أعرب حجازي أيضاً عن شعوره بالمرارة "لأن الشعراء لا يدعون الى المشاركة في المناسبات القومية المصرية". واعتبر أن ذلك "تقصير في حق تراثنا القومي"، وتمنى تدارك هذا الخطأ "لأن الأمة التي لا شعر لها لا وجدان لها". وواصل حجازي خلال الأمسية نفسها هجومه على "هؤلاء الذين يعتقدون أن التجديد في الشعر حذلقة وسباق من أجل كسر قواعد النحو والتخلص من الأوزان"، واعتبر أن "التجديد الذي لا وظيفة له هو في حقيقة الأمر تخريب"، وشدد على "أننا لسنا في حاجة إلى شاعر واحد يكرره آخرون". وباستثناء إعلانه إنشغاله في الوقت الراهن بانجاز تجربته المسرحية الأولى، فإن حجازي لم يقدم في أمسية دار الكتب أي قصيدة جديدة. فالقائمة احتوت 9 قصائد، بينها قصيدتان فقط لم تنشرا بعد ضمن مجموعة شعرية، رغم أن حجازي نظمهما منذ سنوات عدة. والقصيدتان هما "طلل الوقت"، التي قال حجازي إنه يحاول فيها تجديد بحر الخفيف للخروج به من الرتابة الايقاعية، و"نحت" التي يتقمص فيها شخصية مثّال يحاور امرأة بعد أن نحت لها تمثالاً عارياً.