صدرت ضمن مشروع "مكتبة الأسرة" الذي ترعاه السيدة سوزان مبارك، طبعة خاصة من كتاب "جمال الدين الأفغاني" للدكتور حسن حنفي، بالتعاون مع دار "قباء" في القاهرة. انتهى حنفي من تأليف الكتاب في نهاية العام 1997، ليواكب ذكرى مرور مئة عام على رحيل الافغاني 1839 - 1897. وتصدر الكتاب إهداء: "إلى أنصار الإسلام الثوري، الخطاب الثالث الغائب، في عصر الاستقطاب الفكري". ويشير حنفي في المقدمة الى أنه لم يشأ ان تمر الذكرى المئوية الاولى للافغاني، "من دون ان أحييها بكتيب حماسي"، مشيراً الى رغبته في ان يكون هذا آخر عهدي بالكتابات الشعبية بعد أن تضخمت على حساب كتاباتي العلمية... وأرجو ان تساعد الظروف، ظروف مصر والعالم العربي، على ان أخصص ما بقى من عمر لاتمام باقي اجزاء مشروع التراث والتجديد بجبهاته الثلاث". الاجزاء الباقية ويذكر أن حنفي يستعد حالياً لإصدار الاجزاء الباقية من مشروعه الفكري عن "التراث والتجديد" تحت عنوان من "النقل الى الإبداع"، وكان الجزء الاول منه صدر عن المركز العربي للبحث والنشر في القاهرة العام 1980 تحت عنوان "مواقفنا من التراث القديم". ويوضح حنفي في المقدمة ايضاً ان حركة الإصلاح أتت جيلاً بعد جيل، من الافغاني الى محمد عبده بسبب فشل الثورة العرابية، ومن محمد عبده الى رشيد رضا بسبب نجاح الثورة الكمالية في 1923 وإلغاء الخلافة، ومن رشيد رضا الى حسن البنا واغتياله في 1949 والصدام بين الإخوان والثورة في 1954 وتحول سيد قطب من "العدالة الاجتماعية في الاسلام" و"معركة الاسلام والرأسمالية"، و"السلام العالمي والإسلام"، الى "معالم في الطريق"، وانتهاء الحركة الاصلاحية الى الحركات الاسلامية المعاصرة مثل جماعة "الجهاد". وكتابات محمد عبدالسلام فرج وعمر عبدالرحمن، فاضعفت الاسلام المستنير الذي فشل في تكوين تيار مستقل او جناح ليبرالي في حركة "الإخوان المسلمين"، على رغم وجود بعض الاقلام المتميزة. ويتضمن الكتاب سبعة فصول، عدا الخاتمة التي حملت عنوان "الافغاني بعد مئة عام"، وفيها يجمل المؤلف "الاشياء الباقية في الافغاني" واول تلك "الاشياء": الشجاعة على نقد القدماء، ورفض التقليد والدعوة الى الاجتهاد. ويلاحظ حنفي، هنا، أن "مدرسة التجديد" التي أسسها الافغاني في مصر لا تزال تعاني من تضييق الخناق على اجتهاداتها باسم التقليد. ومن هذه الأشياء ايضاً، ادراك الافغاني الخطر الاول على الامة: الاستعمار في الخارج والقهر في الداخل، وتجميعه قوى الشرق كلها، باعتبارها قلب العالم الاسلامي في مواجهة قوى الغرب. ومنها كذلك البداية بالواقع المباشر، واعادة بناء التراث القديم طبقاً لمتطلباته، واخذ موقف من الغرب طبقاً لحاجاته... "لم يكن الافغاني نصياً، يبدأ من النص الى الواقع، بل كان واقعياً يبدأ من الواقع الى النص. لم يقرأ الواقع والنص مرآة فوق عينيه سواء كان نصاً من القدماء او نصاً من الغرب الحديث، بل رأى الواقع مباشرة وحوّله الى نص جديد". ولاحظ حنفي في الخاتمة أن الافغاني بعد مئة عام، في حاجة الى تطوير، خصوصاً لجهة تقوية الجانب النظري فيه حتى يصبح اكثر مطابقة وسنداً للجانب العملي. ملاحظات وأخذ حنفي على الافغاني انه كان يبدو احياناً معلياً من شأن الدين على حساب العلم في رده على رينان. وانتقد تصور الافغاني للاستعمار والمذاهب السياسية والتيارات الفكرية، واصفاً اياه بأنه اتسم بالقصور، خصوصاً اعتقاده ان الاستعمار انحلال يمكن مقاومته بالأخلاق، وان المادية رذيلة يمكن مقاومتها بالفضيلة. ولاحظ حنفي ان الافغاني كان - رغم ذلك - مبهوراً بالغرب الاستعماري في اعتباره نموذج التقدم والقدوة في الرقي والعمران، شأنه في ذلك شأن تيار الليبرالية عند الطهطاوي والعلمانية عند شبلي شميل. وتساءل: هل يمكن لجيل جديد ان يحول الموقف من الغرب، من نطاق المواقف الانفعالية الانبهار او الرفض الى ان يصبح الغرب موضوعاً للعلم بدلاً من أن يكون فقط مصدراً للعلم؟