جلس بالقرب من المرآة وراح يتفحص ويدقق النظر في وجهه الذي بدأت التجاعيد تزحف عليه بفعل الزمن، بينما هو على تلك الحال خطرت بعض الأسئلة في مخيلته وبدأت تتوارد على تفكيره: هل بالامكان حدوث ذلك؟ ومتى وهل سيتمكنون من ذلك؟ لقد قرأ وطالع كثيراً عن الاستنساخ الذي أخذ حيزاً من وقته. ولم يخرجه من ذلك الوضع سوى رنين الهاتف، وكان المتحدث صديقه طارق الذي كان يدرك مدى استحواذ الموضوع على فكره. قال له: ألم تترك ذلك الأمر؟ فرد عليه: انك تتحدث بشيء من الاستهتار وعدم المبالاة وأنا لا يمكن ان أدخل معك في مناقشته. ارجوك لا تعطي الموضوع زيادة في الأهمية. لماذا؟ لأن الاستنساخ طبق على النبات والحيوان، وها هو يحرز النجاح، وسيأتي الدور على الإنسان وتعتقد أنه يمكن أن ينجح مع البشر. فرد صديقه طارق: مثلما نجح في البداية، فإنك ستسمع النتائج المبهرة خلال السنوات المقبلة، وهذا يخدم البشرية. فقال: لكن، هناك شيء يحيرني وهو هل بالامكان نسخ العاطفة والحب؟ إنك تبالغ كثيراً، فهذه من الصعب الوصول إليها. إذاً ما الفائدة؟ ستبقى تلك من المستحيلات. ألا ترى ان الحديث يطول ولم نصل بعد إلى نتيجة؟ عليك يا طارق أن تعرف انني ما زلت افكر فيه بعمق، فأرجو ان تدعني اكمل، وإلا وضعت سماعة الهاتف. إنك تتضايق بسرعة هيا واصل. إذا كان من الصعب تحقيق ذلك، فإننا لا نعتبر ذلك تقدماً، بل قد نسهم في تعاسة الإنسانية. كيف؟ ممكن أن توضح؟ لدينا إنسان تجتمع فيه نوازع الخير والشر، ومنها ما يطغى أحدها على الأخرى فيوجد في المجتمع المجرم وأصحاب السوابق والصالح الذي يسعى من أجل نشر الخير، فإذا نسخ صاحب الاجرام، فإن ذلك خطأ فادحاً في حق الإنسان نفسه؟ فرد طارق: انك تحصر رأيك في جانب ضيق غير جدير بالاهتمام، فالخطوة التالية ستفتح آفاقاً عظيمة تصنع الخير للبشرية جمعاء بعكس ما تطرحه من آراء متشائمة. إنك يا طارق غير مدرك خطورة ذلك والزمن كفيل بأن يثبت حقيقة ما أقول. أرجو ألا يوجدوا منك نسخة لأن هذا يعتبر مضيعة للوقت. قالها طارق وهو يضحك. فغضب وحنق وقال: ليتني لم افتح هذا الموضوع معك. إلى اللقاء. واغلق سماعة الهاتف بشدة. كلمتان 1 - ذكرى حب ونسيان في أيام الشتاء يرجع الليل باكراً ويفلش خيمته السوداء فأعود أدراجي الى غرفتي الباردة أبحث عن الدفء بين أوراقي المبعثرة وقصصي النائمة. فأخرج صندوق الذكريات والصور لتبدأ رحلة العودة الى أيام الطفولة والأحلام الأولى. ففي صندوقي الخشبي العتيق حكايات وفي الحكايات سفر، وفي السفر طرق ومغامرات غالباً ما تكون نهاياتها حزينة مفرحة في آنٍ معاً. فتترسب حبات الذكريات في الأعماق، إذ ذاك أمسك بخيط الذكرى، وأربطه بخيط الحنين الى لحظات من الماضي يستحيل نسيانها. هكذا تكون البدايات المضيئة لقصص معتمة: أغنية تحمل بين كلماتها الأحرف الأولى لتلك الذكرى، أو موسيقى تعزف على أوتار قلبك ألحان الحب الأول، أو صورة تحت الوسادة تعبق منها رائحة عاشق منذ الولادة غاب مع الربيع، ربيع الأيام الوردية. أما أنا فتجدني كلما أردت الإفلات من مصيدة الحب أقع في شبكة الجمال والعشق فأصطاد فتاتي في شبكة من نوع آخر، لتضاف حكاية جديدة الى حكايات ألف ليلة وليلة. حكايات بطلها واحد لبطلات كثيرة. حكايات أمست ذكريات مخبأة في صندوق الأيام وهاربة من البرد والمطر لتدفىء ليالينا العاصفة. فيا قلب من ستكون الأميرة الجديدة لحكاية وقصة جديدة؟ من يدري؟ ربما نحتاج دائماً الى الذكرى والنسيان وبينهما الحب لكي نولد من جديد. 2- اعترافات عاشق حكايتي معك يا سيدتي الصغيرة تكاد تختصر كل حكايات العشاق وتزيدها غرابة وخيالاً لتولد بريئة من لحظات أو نظرات. هي هكذا ساحرة كقصص ألف ليلة وليلة. عندما تخرج شهرزاد عن صمتها المباح لتروي حكاية عاشق منذ الولادة عاشق بالفطرة. فتراني يا حبيبتي أحببتك قبل ان تولدي، أو كأني ولدت عندما رأيت عينيك، الى ان أضعتهما في لحظة في طرفة عين. ومذ ذاك بدأت حكاية اخرى لعاشق من نوع آخر تائه على الأرصفة الباردة، لا ينام ولا يتعب، يبحث عن حياة منسية وعيون عسلية. فأنا سيدتي الحاضرة الغائبة المنتظرة أفيق كل صباح لأبحث عنك بين الوجوه، على مفارق الطرق وأبواب المدينة. أمشي وحيداً لكنك ظلي، أشعر بوجودك واستمر بالبحث لعلني أبصر ملامحك في الأفق. وعندما يعود الليل انسحب رويداً رويداً من معركتي كما شمس المغيب أودعها وانتظر اصدقاء لم يملّوا بعد صمتي. فقمري لا يزال يحاكي لي أشعاراً وأمواج شاطىء لا تزال تلحن من بعيد ترانيم الوحدة وامطار شتائي تارة تلامسني بلطف ومرات تزداد عنفاً لتشعرني بالبرد فأحتاج اليك الى غرفتي لكن بيني وبينك وغرفتي مسافات ظلي والسفر. فترحالي اليك يا أميرتي النائمة طرقه طويلة وشاقه. غالباً ما توصلني الى قصرك المهجور عند أسفل الضيعة. وفي كل مرة تسألني حجارته عنك في الغربة. لا أدري ماذا أقول. لكني في كل مرة أركع وأصلي عند معبدك للحظات وأتأمل طويلاً وأفتش عن مشاهد وذكريات فيها رائحة عطرك وموسيقى ضحكاتك. ألملمها كحبات أمل ليوم غد كخشب لموقدتي. وأجعل منها زيتاً لسراجي بعد ان أفرحه برحيق الايام الماضية. بيروت - جورج الحوراني