تكاد الحركة لا تتوقف في مكاتب "الخطوط العربية الليبية" في شارع عمر المختار في طرابلس منذ تعليق العقوبات الدولية على ليبيا في الربيع الماضي. موظفون، زبائن، طيارون، مندوبو شركات تجارية، مضيفون... الجميع يأتي إلى هنا مستعجلاً لحل بعض المعاملات أو للحجز أو الاستفسار عن تاريخ تشغيل خط ظل مغلقاً منذ أكثر من خمسة أعوام. وكانت "الخطوط الليبية"، قبل فرض العقوبات الدولية على البلد في نيسان ابريل عام 1992، تملك شبكة خطوط واسعة تمتد عبر قوس يقع طرفه الشرقي في كراتشي وطرفه الغربي في نواكشوط، فيما يمتد شمالاً إلى موسكو وجنوباً إلى نيامي. وقال رئيس مجلس إدارة الشركة الكابتن محمد مختار بسيم ل"الحياة" إن "الخطوط الليبية" كانت تغطي جميع البلدان العربية وعدداً كبيراً من البلدان الأوروبية والافريقية. إلا أن الشركة التي عانت من تعطيل طائراتها وحرمانها من الحصول على قطع الغيار بسبب العقوبات، تركز على تحديث الاسطول المؤلف من 36 طائرة من طرازي "بوينغ 727" و"فوكر 27 و28". وعلى رغم ان طائرات الشركة استمرت بالعمل على الخطوط الداخلية، فإن نقص قطع الغيار تسبب بمتاعب كبيرة للشركة والطيارين، ما أدى إلى سقوط إحدى الطائرات ومقتل ركابها. ويقتصر عدد الطائرات الصالحة للاستخدام حالياً على ثماني طائرات فقط. خسائر مادية وقدر بسيم نسبة الرحلات الدولية من الرحلات التي كانت تؤمنها الشركة قبل فرض العقوبات على ليبيا ب70 في المئة، ما يفسر الانهيار الذي عرفته إيرادات الشركة بعد فرض العقوبات. وأفاد أن عدد الرحلات تراجع من 16596 عام 1991 إلى 2102 رحلة فقط في العام التالي، ثم توقفت بالكامل في الأعوام اللاحقة. وفي مقدم الأهداف التي تركز عليها الشركة حالياً معاودة فتح مكاتبها الخارجية التي اقفلتها في الأعوام الماضية، وانتداب مضيفات ومضيفين وموظفين بعدما اضطرت لتسريح عدد كبير من كوادرها الذين تراجع عددهم إلى خمسة آلاف موظف فقط. وقدرت الخسائر المادية للشركة جراء الحصار ب835 مليون دولار، بينها 600 مليون قيمة الايرادات المباشرة التي كان يفترض ان تحققها. إلا أن بسيم أشار إلى أن الشركة أنفقت مبالغ ضخمة لتدريب طياريها والمحافظة على جاهزيتهم للعمل على رغم كونهم لا يعملون. وتعتزم "الخطوط الليبية" استثمار اتفاقات التعاون التي سبق أن توصلت إليها مع 28 شركة طيران لتطوير أدائها ومجابهة الأوضاع الجديدة. وفي هذا السياق ستعاود مباشرة خطط تعاون مع الخطوط الفرنسية لتدريب الطيارين. ويعمل في "الخطوط الليبية" 365 طياراً بينهم 150 قائد طائرة. رحلات محدودة إلا أن الشركة التي عاودت تشغيل خطوطها الدولية منذ السابع من نيسان الماضي، لا تستطيع أن تغطي سوى دائرة ضيقة بسبب قلة عدد الطائرات المتاح والإرث السلبي للأعوام السابقة. ويقتصر مجال الرحلات حالياً على كل من عمان ومالطا ودمشق وروما وميلانو ونجامينا وبعض العواصم الأخرى. ويقدر عدد الرحلات الدولية ب14 رحلة، فيما تقدر الرحلات الداخلية ب58 رحلة في الأسبوع. إلا أن بسيم أكد ل"الحياة" ان دائرة الرحلات ستكبر قبل نهاية السنة. وبعدما عانت ليبيا من حظر أميركي على شراء قطع الغيار والطائرات منذ عام 1979، تعتزم "الخطوط الليبية" شراء 24 طائرة جديدة في السنوات الخمس المقبلة لتجديد اسطولها، وهي باشرت اتصالات تمهيدية مع مجموعة "ارباص" في هذا الإطار. وتقدر حاجات الشركة المالية لتجديد اسطولها ب300 مليون دولار. وفي ظل تزايد المنافسة بين شركات الطيران العالمية، يسعى الليبيون ليس فقط للتعويض عن الوقت الضائع الذي حال دون مسايرتهم للتطورات التي لحقت في عالم الطيران طيلة الأعوام الخمسة الماضية، وإنما كذلك لتحسين الأداء ورفع مستوى كفاءة الكوادر وتطوير التجهيزات "فمن دون عملية تحديث شاملة والاعتماد على طائرات جديدة يصعب الصمود في وجه الموجة العالمية لتحرير الأجواء ودمج الشركات، لأن الشركات الصغيرة هي التي ستتضرر في النهاية" مثلما قال أحد الكوادر العليا في الشركة. وأفاد ان فريق عمل مؤلفاً من خبراء ذوي تجربة طويلة يعكف حالياً على درس خطة واسعة لتطوير الشركة، وفي مقدم أهدافها تجديد الاسطول والبحث عن مصادر لتمويل شراء الطائرات ال24 الجديدة. إلا أن الأرجح أن الشركة ستلجأ لاستئجار طائرات من شركات أخرى في الأمد القريب لمجابهة الطلبات المتزايدة، خصوصاً بعد معاودة تشغيل جميع خطوط الشبكة القديمة في الأشهر المقبلة. ويعزى ترجيح هذا الخيار كونه سيمنح فرصة للطيارين الليبيين للتدرب على قيادة طائرات من طرازات جديدة قبل وصول الطائرات التي تنوي الشركة شراءها. وقال مسؤول في الشركة "بهذه الصيغة سنمضي في تطوير الخدمات منذ الآن ونستعيد مستوى الأداء الطبيعي، لكننا سنكسب في الوقت نفسه على صعيد آخر، إذ سيكون طيارونا وفنيونا جاهزين لدى تسلم طائرات جديدة ولن نحتاج إلى انتظار فترات إضافية للتدريب عليها".