على هامش الايام الاربعة لجلسات مناقشة مشروع الموازنة، كان مكتبا رئيس المجلس النيابي نبيه بري ونائبه إيلي الفرزلي محور اتصالات شارك فيها رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ونائب رئيس الحكومة وزير الداخلية ميشال المر ونائبا جبهة النضال الوطني النيابية مروان حمادة وأكرم شهيب. ولم يغب عنها رئيس الحكومة سليم الحص. ودارت تكهنات على طبيعة الاتصالات والمشاورات التي رعاها بري والفرزلي، وبقيا على تواصل، حتى ان الاول كان يضطر احياناً الى ترك مقعد الرئاسة ليشارك فيها. ولم تظهر نتائجها الا في ساعة متقدمة ليل الاربعاء. وسبب تكثيف اللقاءات دعوة عدد من النواب الى عقد جلسة نيابية تخصص لتفسير المادتين ال39 وال40 من الدستور. فالاولى تنص على الآتي: "لا تجوز اقامة دعوى جزائية على اي عضو من اعضاء المجلس بسبب الآراء والافكار التي يبديها مدة نيابته". وتنص الثانية "لا يجوز اثناء دور الانعقاد اتخاذ اجراءات جزائية نحو اي عضو من اعضاء المجلس او القاء القبض عليه اذا اقترف جرماً جزائياً، الا بإذن المجلس. ما خلا حالة التلبس بالجريمة الجرم المشهود"، اضافة الى تفسير المادتين ال70 وال71. فالمادة ال70 تنص على: "لمجلس النواب ان يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى او بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم ولا يجوز ان يصدر قرار الاتهام الا بغالبية الثلثين من مجموع اعضاء المجلس ويحدد قانون خاص شروط مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء الحقوقية". وتنص المادة ال71 على: "يحاكم رئيس مجلس الوزراء والوزير المتهم امام المجلس الاعلى". ويبدو ان السلطة التنفيذية مجتمعة، كما قال وزراء، لا تحبذ طلب النواب عقد جلسة خاصة لتفسير هذه المواد، وتعتبر ان ذلك يشكل انتصاراً لوجهة النظر النيابية المناوئة لتفسير محكمة التمييز الجزائية في شأن ملاحقة الوزراء والنواب من دون العودة الى الهيئة العامة للمجلس. ويقول النواب الذين طالبوا بعقد الجلسة، انهم يرفضون اي تعامل مع دعوتهم كأنها موجهة ضد مجلس الوزراء بل يعتقدون ان التباين قائم بين المجلس والقضاء كسلطة مستقلة عن السلطة الاجرائية. ويشير هؤلاء الى ان لرئيس الجمهورية إميل لحود موقفاً مع هذه الاستقلالية عبر عنه في اكثر من مناسبة، كان آخرها اول من امس فأكد انه يرفض التدخل في شؤون القضاء. وتبين من خلال المشاورات ان الرئيس بري بات شاهداً على تبادل الضغوط في شأن تباين الموقف من الدعوة الى جلسة خاصة، وأخذ على عاتقه السعي الى التهدئة. وهذا ما يفسر عزوف عضو كتلته النائب محمد عبدالحميد بيضون عن الكلام والاكتفاء بما قاله زميله في الكتلة النائب علي حسن خليل. وعدول بيضون دفع بعدد من النواب المستقلين الى شطب اسمائهم من لائحة طالبي الكلام، ما يعني ان بري يسعى الى التهدئة، وان ترك الحرية للنائب بيضون يمكن ان يشكل احراجاً للحكومة ومن ثم ل"كتلة التحرير والتنمية" على نحو يخفف من اندفاع النواب في اتجاه التصويت لمصلحة مشروع الموازنة. والرئيس بري كان اول من التقط اشارة دمشق بدعوة الجميع الى التهدئة واضطرار قائد القوات السورية العاملة في لبنان العماد ابراهيم صافي ورئيس جهاز الامن والاستطلاع فيها اللواء الركن غازي كنعان الى الحضور ليل الاحد الماضي الى بيروت واجراء الاتصالات اللازمة لإبقاء المناخ العام في جلسات الموازنة تحت السيطرة، بعد شعور القيادة السورية ان الاجواء ليست طبيعية وان لا بد من القيام بجهد احترازي لقطع الطريق على اقحام الجميع في لعبة شد الحبال التي لا تشجعها وتدعو في المقابل الى الحوار والانفتاح كأساس للبحث في نقاط الخلاف. ثم ان الجهود السورية التي اثمرت دعوة الى التهدئة، ادت ايضاً الى اقناع الرئيس الحص بعدم طرح الثقة في نهاية الجلسات كرد على حملات بعض نواب المعارضة التي لا تريد اسقاط الحكومة بل الدفاع عن السياسة المالية والنقدية للحكومات السابقة ضد حملة الحكومة الحالية. وفي هذا السياق نقل عن الرئيس الحريري قوله خلال اللقاءات "نحن لسنا مع التأخير في المصادقة على الموازنة ولا نحبذ اسقاط الحكومة وقد نقف الى جانب منحها الثقة في حال اصر الرئيس الحص على طرحها و"كتلة القرار الوطني" ستمتنع عن التصويت على الموازنة اعتراضاً على السياسة المالية والاقتصادية، اذ اننا نقدر دقة المرحلة ونحن ندعم جهود الحفاظ على الاستقرار السياسي ولسنا في وارد البحث عن مشكلة او الدخول في خلاف مع رئيس الجمهورية". وتابع "كنا وما زلنا ندعو الى علاقة جيدة ومتينة مع الرئيس لحود، والدعوة الى عقد جلسة لتفسير بعض المواد في الدستور لا تعني الدخول في صدام مع السلطة التنفيذية ما دام القضاء مستقلاً عنها، وان الملاحقات الجارية لعدد من الوزراء السابقين، وبينهم نواب، ادت الى تباين في تفسير مواد واردة في الدستور وبالذات بين المجلس والقضاء، وان ما قاله الرئيس بري في رده على مداخلات النواب يؤكد صحة ما نقوله". وكشف الحريري انه سأل الحص عندما التقاه في مكتب رئيس المجلس "اذا كانت ملاحقة المحافظ السابق لمدينة بيروت نقولا سابا بإذن منه، فمن يعطي الاذن لملاحقة الوزير؟ وانه لم يتلق جواباً عن ملاحقة بعض الوزراء السابقين". ويبدو ان العلاقة بين المجلس والحكومة تمر في مرحلة حرجة ما يتطلب السعي الى تنفيس الاحتقان بعدما اعتبرت السلطة التنفيذية ان الدعوة الى جلسة خاصة لتفسير مواد في الدستور، موجهة ضدها اضافة الى ما ورد على لسان مصدر قضائي رفيع في رده على ما قاله بري في الجلسة ان الامر يعود الى المجلس النيابي. واخراج العلاقة بين المجلس والحكومة من التحديات دفع الى صرف النظر في المدى المنظور عن الدعوة الى جلسة خاصة، على ان تفتح منذ الآن دورة استثنائية للمجلس تستمر الى حين بدء الدورة العادية في منتصف تشرين الاول أوكتوبر المقبل. وما دام جدول اعمال الدورة الاستثنائية التي ستبدأ فور انتهاء الدورة الحالية لم يحدد، فإن مصدراً نيابياً أكد ل"الحياة" ان "تهدئة الوضع على الجبهة النيابية - الحكومية يحتاج الى مواصلة الجهود وهذا ما ستسمح به الاتصالات اللاحقة لإيجاد تفسير لبعض مواد الدستور بعد ان تبرد الاعصاب لتجنب لعبة الغالب والمغلوب". واذ وافق بري على تأجيل فكرة الجلسة الخاصة يكون بذلك سلف الحكومة فرصة جديدة لإشاعة مناخ سياسي غير المناخ السائد حالياً. فهذه المبادرة حالت دون تأزم الوضع الذي كان محكوماً بالمنازلة المتلفزة.