تهيأ وفد من "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو للقاء وزير الدولة للشؤون الخارجية ديريك فاتشيت في الساعة 15،11 من صباح الاثنين 10 ايار مايو الجاري في وزارة الخارجية البريطانية، وذلك بناء على طلبه. وبين المواضيع التي كان يتوقع ان تُبحث في اللقاء النزاع العربي - الاسرائيلي، والحاجة الى تغيير في الموقف من العقوبات المفروضة على العراق، واهمية تسريع تبادل السفراء مع السودان. لكن، للاسف، لم يتم هذا اللقاء لأن فاتشيت توفي بشكل مفاجىء في الليلة السابقة، اثر نوبة قلبية حسب ما يبدو، عن عمر لا يتجاوز 53 عاماً. كان عضواً في مجلس العموم عن دائرة "ليدز سنترال" منذ حزيران يونيو 1983. وتوجد في ليدز جالية يهودية ذات شأن، ولا شك انه عندما التحق بوزارة الخارجية اثر فوز حزب العمال في الانتخابات العامة في 1997 كان قد سمع من الصهاينة اكثر مما سمع من العرب. ومع ذلك، كان فاتشيت زار الشرق الاوسط مرتين اثناء عمله كناطق في الشؤون الخارجية باسم حكومة الظل العمالية، وذلك تحت رعاية "مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني" كابو. وصادف انه كان ضمن وفد برلماني في جنوبلبنان عندما شنت اسرائيل "عملية عناقيد الغضب"، وشاهد حقيقة العدوان الاسرائيلي قبل ان يدخل وزارة الخارجية ضمن فريق روبن كوك. سيكون من الخطأ الادعاء بان علاقاته مع السفراء العرب اتصفت دائماً بالود. وكنت أشرت في هذا العمود الى كلمة مشؤومة القاها في حفلة العشاء السنوي المهمة التي اقامتها غرفة التجارة العربية - البريطانية في قاعة "كافي رويال" في 3 كانون الاول ديسمبر 1997. فقد قوبلت بصيحات استهجان وملاحظات ساخرة من كثيرين وسط جمهور ضم 500 من رجال الاعمال العرب والبريطانيين الاثرياء الذين كانوا انتهوا لتوهم من تناول العشاء. كان الموضوع الاساسي لكلمته تبريراً للسياسة البريطانية تجاه العراق: "... احد الدروس التي ينبغي ان نتعلمها من القرن العشرين هو ان استرضاء ديكتاتوريين فاشستيين لن ينجح ابداً". وكان بين الحضور عراقيون كثيرون، من ضمنهم عبدالكريم المدرس الامين العام لغرفة التجارة، وهو من مواليد مدينة البصرة وعمل في السلك الديبلوماسي. وهكذا، افتقرت الكلمة الى التوازن والكياسة المعهودة لوزارة الخارجية البريطانية، ولم تكن تليق بالمناسبة والجمهور. تجاوز فاتشيت هذه النكسة بسرعة اكبر مما توقعت. وكان اصدقائي في وزارة الخارجية يعتبرونه من اكثر الوزراء كفاءة وفاعلية ضمن فريق ضعيف. وتمكن بفضل ما امتاز به من اسلوب ودي وذكاء وثقة ان يمثل الوزارة بصورة جيدة من منصة الخطابة في مجلس العموم. وتفادى آثار فضيحة سيراليون التي الحقت الاذى بسمعة روبن كوك ووزير آخر هو توني لويد. بذل فاتشيت، الذي انيطت به مسؤولية شؤون الشرق الاقصى بالاضافة الى الشرق الاوسط، جهداً استثنائياً على صعيد تطبيع علاقات بريطانيا مع ايران بعد قضية سلمان رشدي. وكان من المقرر ان يتوجه الى طهران في غضون بضعة اسابيع. كما لعب دوراً نشيطاً في السودان بترتيب وقف نار لتمكين رحلات اغاثة جوية نظمتها الاممالمتحدة من نقل الاغذية والادوية الى جنوب البلاد. وسعى فاتشيت خلف الكواليس الى اصلاح وزارة الخارجية. كان يمقت هيمنة النخبة المتعلمة في اكسفورد وكامبردج والغياب الواضح للنساء في المراكز العليا والتمثيل الضعيف للاقليات الاتنية في بريطانيا. وواضح انه حقق بعض التقدم مع زملائه من الوزراء في مجالات عملهم، لكنه كان ابطأ مما يطمح اليه. وكانت التوقعات على كلا الجانبين في مجلس العموم تشير الى انه سيتولى احدى الحقائب الوزارية، وربما يعين وزيراً للصحة والضمان الاجتماعي. وتمثل وفاته المفاجئة ضربة جدية الى وزارة الخارجية في فترة تشهد نشاطاً ديبلوماسياً مكثفاً وصراعاً في شأن كوسوفو. ومعروف ان اهتمام حزبي العمال المحافظين بالشؤون الخارجية تضاءل في السنوات الاخيرة، وعدد النواب ذوي الخبرة في هذا المجال هو الآن اقل مما كان على مدى اجيال. وبعد تأخر ملفت، عُيّن جيفري هون النائب العمالي عن منطقة أشفيلد فاز بغالبية 22 الف و 728 صوتاً خلفاً لفاتشيت، وكان يشغل منصب وزير دولة في القسم التابع لرئىس مجلس اللوردات. ويمكن القول انه اختيار ممتاز. وكان هون تلقى تعليمه في كلية جيزس في كامبردج واصبح استاذاً زائراً في القانون في جامعة لويزفيل قبل ان يُنتخب عضواً في البرلمان الاوروبي في 1984. وهو شخصية محبوبة في مجلس العموم ورياضي جيد، ويبدي اهتماماً خاصاَ بالكريكت وكرة القدم والركض. وكان عضواً في "كابو" قبل ان يدخل الحكومة. كان فاتشيت سينظر بحسد الى النقطة التي ينطلق منها خليفته. فقد نُحّي رئىس الوزراء بنيامين نتانياهو، بشىء من الازدراء، من جانب الناخبين في اسرائيل من دون ان يكمل ولايته. وتبرز فجأة فرصة لاحراز تقدم في الشرق الاوسط، مع ترجيح حدوث انسحاب اسرائيلي من لبنان. لكن المآل الغامض لقضية كوسوفو سينعكس حتماً على السياسة الخارجية لبريطانيا في الشرق الاوسط واماكن اخرى. * سياسي بريطاني، نائب سابق من المحافظين.