أكد المرشح العربي لمنصب المدير العام ل"يونيسكو" الدكتور غازي القصيبي ان موقف المجموعة الافريقية، الذي سيتحدد في مؤتمر منظمة الوحدة الافريقية الشهر المقبل في الجزائر، سيكون حاسماً في اقتناص الفرصة التاريخية المتاحة للعرب للوصول الى هذا المنصب. وتتمتع الكتلة الافريقية - وهي اكبر مجموعة اقليمية في المجلس التنفيذي ل"يونيسكو" المؤلف من 58 صوتاً - بأربعة عشر صوتاً. وكان مجلس الجامعة العربية اتفق في دورته الاخيرة على ان يكون الدكتور القصيبي، الذي تولى مناصب وزارية وديبلوماسية واكاديمية في السعودية آخرها منصب سفير لدى بريطانيا الذي يشغله حالياً، مرشح المجموعة العربية لمنصب المدير العام. وقال القصيبي ل"الحياة" في حديث أجري معه لمناسبة زيارة خاصة لتونس بعد انتهاء حملته الانتخابية ان موقف البلدان الاسلامية يمكن ان يؤمن اكتمال النصاب لفوزه في مواجهة المنافس الأقوى وهو السفير الياباني في باريس، الا ان ذلك يتوقف على سحب ترشيح الدكتور اسماعيل سراج الدين مصري الذي رشحه بلد افريقي لأن بقاء المرشحين سيقضي على حظوظهما معاً لمصلحة المرشح الياباني. وفي ما يأتي نص الحديث: تجرى مشاورات مكثفة بين المجموعات الاقليمية لاختيار المدير العام المقبل ليونيسكو وتلوح فرصة لم تتح للعرب منذ خمسين عاماً لوصول مثقف عربي الى هذا المنصب. الى اين وصلت المشاورات في هذه المرحلة؟ - هناك الآن 12 مرشحاً وما زال الباب مفتوحاً لمزيد من الترشيحات وسيبقى كذلك الى العاشر من ايلول سبتمبر المقبل واتوقع ان ينضم على الاقل مرشحان آخران كي يصل العدد الى حوالى 15 مرشحاً. وستجرى الانتخابات في اطار المجلس التنفيذي منتصف تشرين الاول اكتوبر، ومعلوم ان المجلس يتألف من 58 دولة وكي يفوز أي مرشح يجب ان يحصل على ثلاثين من اصل 58 صوتاً. ونحن في المجموعة العربية نعتقد ان السبيل الوحيد للحصول على العدد المطلوب هو كسب اصوات المجموعة الافريقية وعددها 14 صوتاً - وهي اكبر كتلة اقليمية - والمجموعة العربية وعدد اصواتها ستة والمجموعة الاسلامية خارج الكتلتين العربية والافريقية وعدد اصواتها ايضاً ستة، وهذا يعني انه اذا فاز المرشح العربي ب26 صوتاً اصبح الفوز في متناول اليد. وما ينبغي التشديد عليه هنا هو ان كل الدول تصوّت لاعتبارات اقليمية وسياسية وشخصية، ونأمل بأن ننجح في حشد اصوات المجموعة العربية كما نأمل بأن تحل الاشكالية مع الشقيقة الكبرى مصر التي تدعم مواطناً مصرياً رشحته دولة افريقية وان يتم التوافق على ان يكون هناك مرشح عربي واحد، وأمامنا الآن اكثر من اربعة اشهر قبل الوصول الى موعد الانتخابات، ونأمل بالتوصل في هذه الفسحة الزمنية الى التوافق المنشود. ما هي حظوظ فوز مرشح المجموعة العربية اذا اتفقت على مرشح موحد؟ - اذا تقدمت الكتلة العربية بمرشح واحد ستكون امكانية فوزه حوالى 50 في المئة. اما في حال وجود اكثر من مرشح ستكون النتيجة الحتمية تشتت الاصوات وفوز مرشح غير عربي. وفي هذه الحال سيكون الحظ الاوفر من نصيب المرشح الياباني نظراً الى حجم البلد الاقتصادي والسياسي. ما موقف الدول الاسلامية من وجود مرشح عربي ومسلم لمنصب دولي مهم مثل مدير عام يونيسكو؟ - وجدنا تأييداً واسعاً داخل الاطارين الاسلامي والافريقي وخارجهما وجميع الذين ينوون دعم العرب يقولون لنا بلا استثناء "اذا كنتم جادين في الفوز بهذا الموقع عليكم ان تحلّوا اموركم داخلياً وتتقدموا بمرشح واحد". وهذا موقف منطقي لأننا اذا كنا عاجزين نحن كعرب عن توحيد موقفنا كيف سيدعمنا الآخرون؟ ما مستقبل الثقافة العربية في ظل رياح العولمة التي تعصف بالهويات الحضارية وتهدد بتكريس نموذج واحد يطمس الشخصية المميزة لكل ثقافة؟ - ينبغي عدم التقليل من اخطار العولمة، وعلينا ان ننبه الى ان العولمة لا تقتصر على الجانب الثقافي فقط، وانما تشمل المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي لأنها تعني زوال الحدود، وعندما تزول الحدود لا يبقى للضعيف جدار يحتمي به بعد ان تكون الحواجز الجمركية ألغيت والسدود الثقافية انهارت. فعندئذ يكتسح القوي الضعيف اكتساحاً في المجالات الثقافية والسياسية والاقتصادية. ومن دلائل ذلك ان الولاياتالمتحدة تصدر اليوم ما يعادل 120 بليون دولار من الصادرات الثقافية افلام ومعدات ثقافية ومطبوعات… وصادراتها من هذه المواد تزيد على صادراتها من السيارات مثلاً. فهناك اذاً غزو ثقافي يشمل العالم بأكمله، وهذه حقيقة لا يمكن ولا يجوز ان نخفيها على أنفسنا. ففي الاقتصاد نستطيع ان نواجه اكتساح العولمة لنا بإقامة كيانات قادرة على المنافسة وإلا سنضيع، لأن أي كيان صغير لن يصمد في المستقبل، وعلى العالم العربي ان يُسرع في تحويل نفسه الى كيان اقتصادي واحد اذا اراد ان يصمد. وكذلك الأمر في الجانب السياسي، فإذا لم تتطور الأنظمة السياسية ولم تواكب وتيرة الزمن ستكون معرّضة لضغوط كثيرة من كل جانب. وفي الجانب الثقافي لا بد من طرح شعار الصداقة بين الحضارات وهذا ما اقترحته في البرنامج الذي عرضته على يونيسكو بوصفي مرشحاً، لأننا نقرأ كثيراً عن "صدام الحضارات" و"صراع الحضارات" و"نهاية التاريخ" وهذه يمكن تسميتها بالنبوءات التي تحقق ذاتها، أي انها تتنبأ بأمر ويحدث هذا الامر ولذا كان من الضروري ان نواجهها بشعار آخر هو الصداقة بين الحضارات. كيف يمكن تحقيق هذا الشعار في ظل العولمة التي تكتسح كل شيء كما أشرت؟ - في الجزء الذي يخص العولمة من برنامجي ركّزت على بناء القدرة الذاتية الاعلامية في الدول النامية، فالوسيلة الوحيدة الآن لمواجهة الفضائيات والغزو الفضائي هي ان تقدم برامج محلية شيّقة وهذا يحتاج لبناء قدرات ذاتية. ولو سألت اي طفل في بلد من بلداننا العربية "من هو ميكي ماوس؟" سيسرد عليك الحكاية كلها، ولكن لو سألته من هو طارق بن زياد وما هي دولة المرابطين لعجز ربما عن الجواب. واذا استمر هذا الاتجاه سيكون هناك بالتأكيد مبرر للخوف وأنا انزعج من الذين لا يرون في العولمة سوى ما يطمئن، فأنا أرى فيها ما يزعج. نحن لا نستطيع ان نوقف هذا السيل. لا توجد وسيلة لذلك فحتى الدول القليلة التي حاولت منع انتشار الفضائيات لم تنجح فيها المحاولة، واليوم سيظهر التلفزيون الرقمي ليعزز أخطار العولمة. لذلك ليس امامنا سوى مساعدة الثقافات المحلية على ان تتكلم وتجتذب الناس اليها وهذا هو الدور المطلوب من "يونيسكو". فعندما يكون هناك برنامج تلفزيوني ناجح في اي بلد عربي يشدّ الجمهور، وعندما يستطيع مخرج ان يستخلص من التاريخ مسلسلاً شيقاً ويقدمه للجمهور بطريقة ذكية فإنه يستقطب اهتماماً واسعاً. لذلك لست أرى طريقة ناجعة لمواجهة العولمة سوى بتقديم الثقافة المحلية العربية الاسلامية والاعلام المحلي في شكل جذاب، وأن نكون مبدعين بحيث نقدم شخصيات من الصور المتحركة مثلاً مُستمدة من تراثنا العربي، وأستغرب دائماً كيف يقدمون لأطفالنا شخصية سندباد بينما لدينا شخصية سندباد البحري ولم يفكر أحد في تطويرها. صِدَام الحضارات هل معنى ذلك انك تدعو الى مواجهة نظرية صِدَام الحضارات التي بشّر بها صموئيل هنتنغتون وفكرة نهاية التاريخ التي روّج لها فوكوياما بمشروع الصداقة بين الحضارات؟ - كي نكون منصفين لم يدعُ هنتنغتون الى صراع الحضارات وانما توقع ان يحدث، لكن هذه التوقعات لا تقوم على اساس علمي لذلك هوجمت خصوصاً في الغرب. خذ مثلاً الحديث عن صراع بين الحضارة الغربية والحضارة الاسلامية ستلاحظ ان منظمة المؤتمر الاسلامي تضم اربعاً وخمسين دولة ولا توجد بين هذه الدول والعالم الغربي مشاكل سوى مع دول يقلّ عددها عن عدد اصابع اليد الواحدة ولأسباب سياسية وليست حضارية. اذاً لماذا نصرّ على الحديث عن صراع الحضارات في ظل وجود خمسين دولة اسلامية تحتفظ بعلاقات جيدة مع العالم الغربي؟ ثم ان الحضارات هي في الأصل مزيج من الروافد والجذور وليس لها اصل واحد، فالحضارة الغربية هي جزء من الحضارة اليونانية ومن التراث الذي يسمى الارث اليهودي - المسيحي واخذت الكثير حتى وصلت الى وضعها الحالي، ومن الصعب ان نتحدث عنها بوصفها حضارة منفصلة تماماً عن بقية العالم مثلما توحي بذلك النظريات التي أشرت اليها. اكثر من ذلك سيكون العنصر غير الأبيض هو الغالب في الولاياتالمتحدة واللغات الاخرى غير الانكليزية هي المسيطرة بعد خمسين عاماً من الآن، وهذا يعني انه ستتغير في قلب الحضارة الغربية - بعد اقل من نصف قرن - هويتها ولونها، كما يعني ايضاً ان الحضارات يمكن ان تتغير من داخل. اما فوكوياما فتقوم نظريته على منطلق رأسمالي خالص هو ان التاريخ بدأ بالصراع بين الرأسمالية والاشتراكية بينما الرأسمالية والاشتراكية هما ظاهرتان غربيتان اوروبيتان، لذلك نرى ان هنتنغتون يعتبر كل الحروب التي قامت في الغرب حروباً اهلية. واليوم هناك مبادئ وقيم ما زالت تحكم العالم وليست لها علاقة لا بالرأسمالية ولا بالاشتراكية، فالاسلام سابق عليهما وكونفوشيوس وبوذا عاشا قبل خمسة آلاف سنة، ولذلك هناك قيم ما زالت تحكم اجزاء من العالم وعمرها آلاف السنين. أعتقد ان التركيز على التفوق الحالي للحضارة الغربية وبناء تصورات كثيرة عليه هو ضرب من الوهم، لأن الحضارات تتغير ولا يمكن ان تبقى جامدة. وفي القرن المقبل سيكون في إمكان اصغر دولة في العالم ان تدمّر اكبر دولة بسبب انتشار الاسلحة البيولوجية وتطور الاسلحة الفتّاكة، اذ كانت الدول الغربية تحتكر القوة الاقتصادية والاسلحة، لكن هذا الاحتكار في سبيله الى الزوال، وعندنا اليوم مثلان هما العراق الذي يحاول العالم ان يتأكد من خلوه من اسلحة الدمار الشامل ولم يستطع ويوغوسلافيا التي حشدت لها الجيوش لأكثر من سبعين يوماً من القصف المكثف، وهما طبعاً دولتان صغيرتان، بالاضافة الى باكستان والهند اللتين لديهما اسلحة نووية. لذلك اعتقد ان قدرة الدول الصغيرة على إلحاق الأذى بالدول الكبيرة ستتزايد، ولذا ينبغي ان نبدأ بتطبيق شعار الصداقة بين الثقافات والحضارات، وإلا فإن الضعيف سيبقى ضعيفاً والقوي سيبقى قوياً الى الابد. ما المواصفات المطلوبة في المدير العام ليونيسكو: أن يكون إدارياً ناجحاً أم مثقفاً لامعاً أم محاوراً جيداً؟ - "المواصفات المطلوبة عبّر عنها كلاسيكياً أشهر كاتب كتب عن يونيسكو باللغة الانكليزية وكان مساعداً للمدير العام، البروفسور جيمس هوغرزت، وعنوان الكتاب "الفكرة وخدّامها"، وهو يقول ان المدير العام ليونيسكو يتعامل مع ثلاثة انواع من الجماهير: جمهور من المثقفين والعلماء عبر العالم لذلك ينبغي ان يكون مثقفاً، ويتعامل مع دول فينبغي ان يكون ديبلوماسياً، ويتعامل مع جهاز اداري كبير فينبغي ان يكون ادارياً. واعتقد ان هذه الصفات تتوافر فيَّ. لا أقول انها لا تتوافر في غيري، لكننا ازاء منظمة تتعاطى مع الثقافة والتربية والعلوم ولسنا ازاء البنك الدولي او صندوق النقد الدولي، فإذا لم يكن على رأسها رجل جرّب هذه المجالات لا يمكن ان ينجح. فالذي لم يدرس لا يستطيع ان يعرف معاناة المدرّسين والذي لم يُدر جهازاً لا يستطيع ان يدرس مشاكل الادارة، ومن لم يكتب لا يمكن ان يعرف معاناة الكتابة، وشاء قدري ان أتعاطف مع المثقفين لأنني أدرك ما يعانونه وأعرف مدى قيمة حرية الكلمة، لأن الابداع يتوقف على حرية الكلمة ومن دونها لا وجود لي. ومن هنا الحاجة الشديدة لأن يكون القائم على هذه المنظمة من أهل الأدب والثقافة، وحتى المدير العام الحالي بدأ يكتب الشعر بعد انتخابه لهذا المنصب". الى ذلك، التقى القصيبي أمس الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في مدينة اكسفورد البريطانية. وصرح بعد الاجتماع بأن "الأمين العام موظف دولي تفرض عليه وظيفته الحياد بين المرشحين لمنظمة يونيسكو، والهدف من الزيارة لم يكن طلب الدعم بل التعرف الى الأمين العام واحاطته بتفاصيل برامج ليونيسكو". ونوه بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتبار عام 2001 سنة حوار بين الحضارات.