جوهانسبورغ - رويترز - يترك نيلسون مانديلا العمل السياسي في جنوب افريقيا بعد الثاني من حزيران يونيو المقبل، عملاقاً خرج من اعماق الريف ليهزم امبراطورية التفرقة العنصرية. وفي طريقه الى أن أصبح اكثر رجال الدولة شعبية في العالم امضى مانديلا 27 عاماً في السجن، الا انه خرج مرفوع الرأس داعياً الى المصالحة في بلد عانى قروناً من هيمنة البيض على الغالبية السوداء. وفاز مانديلا الذي يكمل عامه الحادي والثمانين في 18 تموز يوليو بمحبة الملايين في جميع انحاء العالم لدوره في هزيمة القهر العنصري في جنوب افريقيا. وكان اول الداعين الى المقاومة المسلحة ضد العنصرية في الستينات، الا انه سارع بالدعوة الى التسامح بعدما خففت الاقلية البيضاء الحاكمة قبضتها على السلطة بعد 30 عاماً. وفي واحدة من اشهر خطبه التي القاها أمام المحكمة التي دانته بمحاولة اطاحة الحكومة العنصرية عام 1964 قال مانديلا "اعتز بهدف اقامة مجتمع حر ديموقراطي يعيش فيه كل الناس في وفاق ويتمتعون بفرص متساوية. انه هدف أتمنى ان أعيش من أجله واحققه واذا قضت الضرورة فانني على استعداد للموت من اجله". واصدرت المحكمة حكماً بالسجن مدى الحياة على مانديلا الذي أمضى 18 عاماً في سجن جزيرة روبن الرهيب، ثم نقل في ما بعد الى سجون اخرى حتى الافراج عنه في شباط فبراير 1990. ومثل قرار الرئيس السابق اف. دبليو دي كليرك الافراج عن مانديلا واضفاء الصبغة الشرعية على حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه تحولاً كبيراً في تاريخ جنوب افريقيا ليبدأ العد التنازلي الحتمي ايذاناً ببدء حكم الغالبية. وفي نيسان ابريل 1994 قاد مانديلا حزبه الى انتصار ساحق في اول انتخابات لجميع الاعراق في جنوب افريقيا، ونصب رئيساً في الشهر التالي. وخلال حكمه للبلاد المنقسمة على نفسها وجهت انتقادات الى مانديلا بأنه متسلط، وغامض بشأن السياسية الخارجية بل وغريب الاطوار احياناً. واعتبرت الاسواق المالية وجود مانديلا حيوياً لاستمرار استقرار جنوب افريقيا وكانت صحته مصدر تكهنات واشاعات لفترة. ولكن مع حلول عيد ميلاده الثامن والسبعين اعلن مانديلا عزمه على الاستقالة من الرئاسة في 1999 وبدأ في تكليف نائبه ووريثه السياسي ثابو مبيكي بمهام اكثر. وساهم التزام مانديلا بالنضال من اجل الحرية في فشل زواجه مرتين. فقد اشتكت زوجته الاولى ايفيلين من انه يكرس وقتاً طويلا للسياسة وانفصلا عام 1953. وبعد خمسة اعوام تزوج من ويني ماديكيزيلا التي امسكت بيده عند اطلاق سراحه0 كما وقف مانديلا الى جوارها عندما وجهت اليها اتهامات التآمر في جريمة قتل صبي في الرابعة عشرة وعند ادانتها بالخطف والاعتداء. غير ان علاقتهما انهارت بعد الكشف عن علاقة ويني بمحام شاب وانفصلا عام 1996. وفي أيلول سبتمبر من العام نفسه كشف مانديلا عن حبه الجديد لغراسا ماشيل، ارملة رئيس موزامبيق الراحل، سامورا ماشيل، وتزوجها في عيد ميلاده الثمانين في تموز يوليو الماضي. ولد مانديلا في قرية كونو في منطقة ترانسكي الريفية وكان والده من اسرة حكام قبيلة ثيمبو. ودرس في جامعة فورت هار التي تخرج منها عدد من زعماء افريقيا من بينهم رئيس زيمبابوي روبرت موغابي. وكانت اول وظيفة لمانديلا حارس أمن في منجم ذهب، ثم انضم الى شركة محاماة، والتقى مع ناشط سياسي دفعه الى مقاومة التفرقة العنصرية، وكان اول احتجاج سياسي شارك فيه عام 1943. وبعد خمسين عاماً منح مانديلا ودي كليرك الذي اخلى سبيله جائزة نوبل للسلام. ولخص مانديلا التزامة المصالحة وهو امر حيوي لمساعدة جنوب افريقيا في تجاوز المرحلة الانتقالية الصعبة في كلمته لمناسبة تنصيبه عام 1994، اذ تعهد باقامة مجتمع يقف فيه جميع مواطني جنوب افريقيا مرفوعي الرأس ويتمتعون بحقهم في العيش بكرامة وفي سلام مع أنفسهم والعالم.