اشتد الغليان السياسي في تركيا منذ جلسة افتتاح البرلمان الجديد في 2/5/1997. اذ تحولت الى ساحة حرب بين المتدينين والعلمانيين، وتمحورت المعارك على شرعية الحجاب، وعدم شرعية السفور في الجامعات والمدارس وحتى الشوارع. وكانت اعنفها تلك التي وقعت في ملاطية حين مُنعت المحجبات من دخول جامعة اينونو، بعد صلاة الجمعة في 7/5/1999. وأصدرت جامعة قيسيارية امراً بمنع المحجبات من دخول مطاعم الجامعة ابتداء من يوم الجمعة 14/5/1999 ورابطت قوات الامن على الابواب لمنع المحجبات من تناول وجبات الطعام الجامعية المدعومة. وشهدت الثانوية الشرعية في مرسين تظاهرة للطالبات اللواتي دخلن المدرسة بالقوة محجبات، فهجمت قوات الامن واشتبكت مع الاهالي وبدأت حملة اعتقالات. أصبحت النائبة مروة قاوقجي رمزاً لإرادة المرأة، حين اتسع نطاق الهجوم على النائبة المحجبة في الاعلام المعادي ونشرت الصحف الاميركية معلومات مغرضة تروج لقيام علاقات تعاون بين النائبة وحركة حماس الفلسطينية. وحرّك العلمانيون المدعي العام فورال ساواش، فرفع دعوى لحل حزب الفضيلة وحرمان نوابه من حق العضوية البرلمانية، لكن الدعوى رُدّت من المحكمة لضعف الأدلة. واستمرت الحملة على النائبة وقرعت وسائل الاعلام طبول الحرب، واتخذت مسألة ازدواج الجنسية مادة للنيل من شرعية نيابة النائبة في اعتبار ان القَسَم بالولاء لاميركا يعارض القسم بالولاء لتركيا. ولعب الاعلام الموجّه على وتر الولاء الذي يتضمنه القسم البرلماني التركي وقام وزراء حكومة بولنت اجاويد الموقتة بتوقيع عريضة رفعوها الى رئيس الجمهورية سليمان ديميريل يوم الخميس في 13/5/1999 يطلبون فيها حرمان النائبة قاوقجي من جنسيتها التركية وادعى الوزراء ان مروة لم تعترف بحمل الجنسية الاميركية حينما دوّنت استمارة الترشيح واعتبروا تلك قضية تضليل تستوجب حرمانها من جنسيتها وتهجيرها من وطنها. تبين ان مروة دوّنت الاستمارة في 24/2/1999 بينما نالت الجنسية الاميركية وادت القسم في 5/3/1999 اي انها انتخبت قبل حصولها على الجنسية. وكشف رئيس حزب الفضيلة النائب رجائي قوطان تدليس اجاويد واركان الحكم في تركيا وردّ عليهم في 12/5/1999 وبيّن ان قاوقجي لا تستحق الحرمان من جنسيتها اذا حملت جنسية اخرى لان القوانين التركية تسمح بتعدد الجنسية وان اكثر من خمسة ملايين تركي يحملون اكثر من جنسية، وتركيا ناضلت من اجل حصول المواطنين الاتراك على الجنسية الالمانية. وقال رئيس حزب الفضيلة ان اجاويد يستنكر حق مروة قاوقجي بالنيابة، وهي منتخبة، ولا يرى غضاضة في حمل وزيره ضياء أقطاش الجنسية الاميركية. والمضحك ان الوزير وقّع مع اجاويد على طلب اسقاط الجنسية عن النائبة قاوقجي. وكشف رجائي قوطان ان في المجلس النيابي التركي اكثر من 20 نائباً يحملون جنسيات اخرى اضافة الى الجنسية التركية. وشكل حزب الفضيلة لجنة برلمانية لكشف الحقائق. ورفع اربعون نائباً من الفضيلة دعاوى فردية الى القضاء ضد المدعي العام فورا ساواش بتهمة ذمّ المتدينين في تركيا. إلا أن الرئيس ديميريل تجاوب مع ضغوط أجاويد ووقع على قرار حرمان النائبة قاوقجي من الجنسية التركية، ونشر القرار في "الجريدة الرسمية" يوم الأحد الماضي. بداية الأزمة بدأت الأزمة حين حضرت قاوقجي الى مقر البرلمان في انقرة في 30/4/1999 واخذت مقعدها ووقعت الاوراق الخاصة بعضويتها كنائبة عن دائرتها في اسطنبول. فأثار نواب أجاويد عاصفة من الاحتجاجات، فرد معاون رئيس حزب الفضيلة النائب آيدن عدنان مندريس "ان مسألة الحجاب قضية شخصية تعني النائبة مروة، وليست قضية سياسية حزبية" وقال نائب رئيس الفضيلة عبدالله كول: "ان من حق مروة ان تأخذ مقعدها في البرلمان ونحن ندعمها ولا يجوز حرمانها من حق تمثيل ناخبيها بأية ذريعة". وتحول البرلمان الى مدرسة مشاغبين يوم الاحد 2/5/1999 حين حضر الرئيس سليمان ديميريل جلسة الافتتاح، واصطفت على مدخل البرلمان مجموعة من النساء ورددن "ان الحجاب يتناقض مع العلم ولن تمرّ المحجبة الى البرلمان". ولكن النائبة تجاوزت الحاجز الطيّار على باب البرلمان واخذت مقعدها وتصاعدت اعمال الشغب. اتخذ نواب حزب اليسار الديموقراطي موقفاً طفولياً بعيداً عن الديموقراطية فراح نواب اجاويد يصفقون ويدقّون على المقاعد وهتفوا هتافات مخلّة بالآداب. ونقلت القنوات الفضائية التركية وقائع مهزلة اداء اليمين الدستورية. لا توجد مادة صريحة تمنع دخول المحجبات الى مجلس الشعب التركي. ويستند اعداء التحجّب على قانون "القيافة والهندام" العام الذي لا يلحظ البرلمان في مواده، اذ لم يتوقع مشرّعو تركيا وصول محجبة الى البرلمان، لذلك لجأ المدعي العام التركي الى المادة 312 التي تسمح بمعاقبة المتدينين في اعتبارهم يشكلون خطراً على العلمانية. حافظت نائبة الفضيلة على رابطة الجأش، وبقيت حتى عُلقت الجلسة من دون ان يكمل كل النواب أداء القسم الدستوري، وتأجل اداء اليمين بالنسبة للنائبة مروة وعدد آخر من النواب. وتحركت "مافيا البرلمان" فشكلت لجنة لحرمانها من حق النيابة لكن اللجنة عجزت عن تخريج قرار اسقاط عضويتها، فأعلنت عن حل هذه المعضلة بشكل دستوري. وبناء على ذلك قررت اللجنة يوم الثلثاء الماضي طي هذا الملف وتحويله الى البرلمان للبت في الموضوع. معارك البرلمان خاض البرلمان التركي في معمعتين في الاسبوع الثالث من ايار مايو، الاولى تشكيل الوزارة السابعة والخمسين، والثانية انتخاب رئيس المجلس النيابي. وشكل حجاب النائبة المادة الاساسية لاختبار حسن النوايا. ففي الدورة الاولى احتل اولوج غوركان مرشح حزب اليسار الديموقراطي المرتبة الاولى، كذلك في الدورة الثانية، وجاءت الدورة الثالثة فسقط مرشح حزب "اليسار الديموقراطي" نال 142 صوتاً وصعد الى الدورة الرابعة مرشح حزب الوطن الام يلدريم أق بولوط نال 171 صوتاً ومرشح حزب الحركة القومية سعدي صومونجو اولو نال 152 صوتاً. شارك في الدورة الثالثة 542 نائباً من اصل 550 نائباً، ولوحظ ان اكثرية اصوات حزب الفضيلة ذهبت لصالح مرشح حزب الوطن الام الذي لا يعارض الحجاب. ارتفعت وتيرة حرب الحجاب في البرلمان التركي، وتراجعت الثقة بين اجاويد وبغجلي القومي اليميني. وجاءت الدورة الرابعة لانتخاب رئيس المجلس من النائبين المتقدمين واشترط حزب الحركة القومية على حزب اليسار الديموقراطي ان يؤيده في انتخاب رئيس المجلس النيابي مقابل ان يدعمه في تشكيل الوزارة واعتبر الموقف الانتخابي دليلاً على حسن النوايا. وفاز في الدورة الرابعة حضرها 541 نائباً برئاسة المجلس مرشح حزب الوطن الام النائب يلدريم أق بولوط نال 332 صوتاً وسقط مرشح الحركة القومية سعدي صومونجوأولو 191 صوتاً. اعتبر المراقبون نجاح النائب يلدريم أق بولوط في رئاسة المجلس النيابي مؤشراً واضحاً على ان اكثرية النواب لا يعارضون الحجاب بل اعتبر بعضهم انتخاب رئاسة المجلس انتصاراً حاسماً للنائبة قاوقجي لأن رئيس المجلس الحالي وعد بعض نواب الفضيلة بتوجيه المجلس وقيادته دستورياً دونما انحياز او خضوع للابتزاز. * زميل اكاديمي في كلية الدراسات الشرقية والافريقية في جامعة لندن ساوس. وُلدت النائبة مروة صفا قاوقجي في اسطنبول في 20/6/1968، وأنهت دراساتها العليا في الكومبيوتر، وتحجبت منذ طفولتها. كان جدها ضابطاً في الجيش وشارك في الدفاع عن تركيا. وفي انتخابات 18/4/1999 نالت اعلى نسبة اصوات في دائرتها الانتخابية. وبعد النجاح قالت: لن أنزع الحجاب ولن استقيل من مجلس الشعب. ونظراً لشجاعتها أطلق عليها "جان دارك". وح النائبة قاوقجي ين تطورت ازمة الحجاب في البرلمان التركي استضافت القناة الفضائية السابعة التركية والدها صفا قاوقجي في برنامج مباشر فتحدث عن ابنته التي تميزت بشخصيتها المستقلة واشار الى اختيارها الحجاب عن قناعة وايمان وأبدى امتعاضه من اسلوب رئيس الوزراء وانحراف وسائل الاعلام عن جادة الحق. واشار الى المضايقات التي تعرض لها الأهل والاقارب بمن فيهم طفلتا مروة الصغيرتان في المدرسة الابتدائية. مسقط رأس أجاويد جاء بولند أجاويد من مدينة أضنه. وتعتبر من اكبر مدن "دولة العلويين" التي خططت فرنسا لإنشائها سنة 1920. وبين الحربين العالميتين ضمت تركيا مناطق شمال سورية الى ولاية أضنه فبلغ عدد سكانها 1.549.233 نسمة، وبلغ تعداد سكان توابعها من بلدات وقرى 424.084 نسمة. وبلغ تعداد سكان أضنه وحدها 1.125.149 نسمة حسب احصاء سنة 1990. وتحد ولاية أضنه من الشمال ولاية قيسارية، ومن الغرب ولاية نيفدة وولاية طرسوس، ومن الجنوب ولاية هاطاي والبحر الابيض المتوسط، ومن الشرق ولاية عيناب وولاية مرعش. وتقع أضنه على نهر جيحان بين طرسوس والمصيصة. بناها الخليفة العباسي هارون الرشيد وأتمها ابنه الأمين، وبها كانت منازل ولاة الثغور وسكنها موالي الخلفاء وأخلاط من العجم والراغبون بالابتعاد عن العاصمة بغداد، واسمها القديم "أذنة". واعتنق عدد من العلويين الأضنيين الديانة المسيحية، وأشهرهم سليمان أفندي الأذني المولود في نهاية القرن التاسع عشر وألف كتابه "الباكورة السليمانية"، الذي طبع في بيروت سنة 1864 وترجمه سالسبري وتحدث عنه كارل بروكلمان ومحمد فريد وجدي. ومن مشاهير أضنه المعاصرين رئيس الوزراء التركي أجاويد الذي غادر والده الولاية الى اسطنبول. وهناك وُلد ابنه أجاويد سنة 1923 وعمل في بريطانيا واميركا وانتسب الى حزب الشعب الجمهوري حزب أتاتورك، فوصل الى رئاسة الحزب في 12/5/1972، ثم انشق عنه وشكّل حزب اليسار الديموقراطي. ويحظى أجاويد بتأييد الجنرالات في الجيش وعلى رأسهم الجنرال جيفيك بير الذي استبعد عن منصب قائد الجيش الذي حلم به بعد تقاعد اسماعيل حقي قره دايي. ولكن الجنرالات فضلوا الجنرال اركان حرب حسين كيفريك اوغلي من اهالي ولاية ارض روم. وكان لخلافات الجنرالات اثره على السياسة العامة واتضح ذلك في نتائج الانتخابات الاخيرة اذ أيّد بعضهم حزب أجاويد وبعضهم الآخر أيّد حزب الحركة القومية.