الأعمال التي اتجهت إليها الأنظار في مزاد سوذبيز للوحات المستشرقين احتوت على مناظر للحيوانات، من فيلة الى نمور، ومن أحصنة الى جمال. بل إن اللوحة التي بيعت بأعلى سعر، ما يزيد عن نصف مليون دولار كانت تصور حصانا عربيا. وكان رسمها الفرنسي ألفرد دى درو 1810-1860 واشتملت على مغريات عدة: اللون الأحمر الداكن ومسحة الشفق في الخلفية . كلب يتطلع الى السائس في ثيابه التقليدية. الألوان تتقاطع من الحصان الى الثياب، ومن السرج الى لون السماء. ولعل الحصان كان يخصّ قائد ثورة جزائرية ضد الاحتلال الفرنسي. لكن اللوحة لم تكن لتخليد أي بطولة. إنها مرسومة في القرن الماضي لهواة الفروسية والجياد ذات السلالة الرفيعة، وكان من بين الهواة أولئك امراء ورؤساء دول. ويقال ان نابوليون الثالث كان من مشجعي هذا الرسام. لم تكن نوايا الفنانين المستشرقين الوصف الواقعي لمنطقة الشرق، ولا حتى انصافها. كان الاهتمام الاول هو البحث عن وحي يغذي المخيلة والتوسع والاقتباس. ومن خلال مغامراتهم شكّلوا اتجاهاً، ثم تناقلوه عن بعضهم، فتكررت الصورة، وتحول الجمود الى زينة. في لوحة أدوين لورد ويكس 1849-1903 "استعداد لرحلة صيد" التي بيعت بأكثر من 673 ألف دولار يكتمل المنظر الشرقي في الخيال الاوروبي: القصر الهندي الفخم وأجواء الضوء والسماء الزرقاء، والجياد والنمور، ثم الازياء التقليدية. كل هذه العناصر مرسومة بدقة واهتمام شديد بالجزئيات، حتى ليخيل لك ان الفنان كان يرسم المنظر من خلال عدسة مكبرة. وقد تجلى اهتمامه بالدقة في الهندسة المعمارية في لوحة "معبد بومباي" لم تبع إذ أضفى عليها تفاصيل توحي بالعظمة وتجذب المشاهد إليها من زوايا مختلفة. اعتاد المستشرقون مثل غيرهم من الرسامين اقتباس اجزاء من مناظر مختلفة. وكثيراً ما أعادوا تصميم ساحات وشوارع وبيوت. مطابقة الاصل لم تكن هي الغاية. فذلك اختصاص آخر. فهم كانوا يجمعون بين عناصر لعب الخيال فيها دوراً رفيعاً. الى جانب الحيوانات احتلت مناظر الأسواق مكانة في مجموعة المزاد. الموضوع كان صورة جاهزة وحيوية تطالب بتسجيلها. ونادراً ما تجاهلها رسام أوروبي في القرن التاسع عشر، مثل لوحة بائع السجاد في خان الخليلي لتشارلز ربيرستون 1844-1891 التي بيعت بأكثر من 100 ألف دولار. ومن المواضيع التي انطلق الخيال الجامح فيها كانت عن "الحريم". ومنها لوحة للفرنسي ادواردو فردريك ويلهام التي بيعت ب 90 ألف دولار، وأخرى للإيطالي فابيو فابي 35 ألف دولار، ثم لوحة جون فردريك لويس 1805-1876 التي تصور امرأتين في منظر مقرب مع آنية للزهور، ملامحهما كأنها أوروبية. رسمها الفنان بعد عودته من القاهرة حيث أقام عشر سنوات. بعض الفنانين الذين زاروا الشرق في تلك لفترة لم يكونوا يهتمون بالفولكلور ولا بالاسواق او مظاهر الحياة اليومية. كانوا يثيرون روح الشرق وثقافته في فنهم. التحدي ظل دائماً إطاراً، حتى في تذكر المناظر عند العودة الى بلادهم، فاستمدوا من صدى التجربة وجنوح الخيال كما في لوحة "قافلة في الجزائر" التي رسمها جان ليون جيروم 1824-1904 في آخر حياته وهو يتذكر رحلة قام بها من قبل في صحراء سورية.