وحيد حامد من أبرز الكتّاب السينمائيين في مصر حقق طوال 18 عاماً 40 فيلماً منها "طائر الليل الحزين" و"غريب في بيتي" و"الغول" و"التخشيبة" و"آخر الرجال المحترمين" و"الهلفوت" و"البريء" و"اللعب مع الكبار" و"الارهاب والكباب" و"طيور الظلام"... تتميز كتابات حامد السينمائية باقترابها من نبض الشارع، تتناول هموم الشعب والدفاع عن قضاياه والوقوف في وجه الفساد والارهاب، وعلى رغم ذلك يُتهم - حامد - انه كاتب حكومي، لكنه يقول: "هل كتابة افلام مناهضة للارهاب يعني انني عميل الحكومة"، ويتساءل: "لماذا لا تعيدوا مشاهدة افلام "البريء" و"طيور الظلام" و"الغول" وغيرها لتعرفوا أنني مهموم بقضايا الشعب، معظم افلامي وكتاباتي ضد الفساد الموجود ومن لا يصدق عليه الرجوع الى "الارشيف" الموجود في دور المؤسسات الصحافية ليعلم ان اكثر المعارك الرقابية كانت من نصيبي، ومثال ذلك ان فيلم "البريء" الذي راقبه عدد من الوزراء و"الغول" اتهم بأنه ضد النظام". "الحياة" التقت وحيد حامد في فندق "الميريديان"، مكانه المفضل منذ عشرين سنة لمناسبة فوز فيلم "اضحك الصورة تطلع حلوة" بثماني جوائز من مهرجان جمعية الفيلم في السينما المصرية، ولمناسبة الانتهاء من تصوير احدث افلامه "سوق المتعة"، بطولة محمود عبدالعزيز والهام شاهين وفاروق الفيشاوي ولورا وإخراج سمير سيف. ماذا عن مضمون "سوق المتعة"؟ - يناقش الفيلم قضية الانسان مع الحرية بكل انواعها، بدءاً من قضية الاختيار والارادة. لم يعرض هذا الفيلم بعد، واتهمت عقب عرض فيلم "اضحك الصورة...." انك ابتعدت عن القضايا الوطنية؟ - اعتقد ان فيلم "اضحك الصورة...." حقق ابتسامة كانت مطلوبة، وأقول هل التفكير بالرومانسية لا يعتبر من صميم العمل الوطني، نحن في حاجة الى الابتسامة والبهجة، وأرد على اتهامي بالابتعاد عن مشروعي الوطني ان على الجميع الانتظار حتى عرض "سوق المتعة" الذي يناقش مشكلة الانسان مع الحرية ليعلموا انني لن اتراجع عن مشروعي الوطني والشعبي. منذ ثلاث سنوات وهناك شبه قطيعة فنية بينك وبين عادل امام. متى تكون العودة؟ - أولاً انا ضد كلمة عودة لأننا، انا وعادل امام، لم نفترق حتى نعود، ولكن ظروف العمل جعلته يعمل مع غيري، وانا اعمل مع غيره وليس هناك اي حاجز يقف عقبة في سبيل ان ننجز اعمالاً مشرفة ومحترمة قريبا مثل ما قدمنا من قبل "الغول" و"طيور الظلام" و"الارهاب والكباب" و"المنسي" و"اللعب مع الكبار". لماذا تحرص على انتاج اعمالك التي تكتبها؟ - لكي انفق عليها بشكل جيد "ولما اقول كده" الكل يعلم ان هذه حقيقة لأن السينما ليست ورقاً جيداً او مخرجاً جيداً او ممثلاً مميزاً ولا توجد سينما جيدة من دون انتاج جيد. انتهيت أخيراً من كتابة احدث افلامك "ديل السمكة" من سيقوم ببطولته؟ - هذه المسألة يحددها المخرج لأن اعمالي تستدعي ابطالها من دون حسابات اخرى. تُتهم انك ترضي الحكومة في السينما وتهاجمها في مقالاتك الصحافية؟ - انا اكتب ما يمليه عليّ ضميري، سواء في الصحافة او السينما، وانا مع الحكومة اذا انجزت، وضد الحكومة اذا أهملت وأكره العداء من دون أسباب منطقية. ما اسباب التميز الذي تلاقيه افلامك؟ - اذا اعتبرتني متميزاً فهذا يرجع الى انني اخترت المهنة التي احبها وهي الكتابة، وهي تفرض على صاحبها ان يكون اميناً مع نفسه والآخرين، وأن يكون صاحب ضمير لا ينفصل عن الناس. كثر الحديث في الفترة الاخيرة عن جيل الممثلين الشباب والكبار، ما رأيك في هذه القضية المثارة؟ - ليست هناك "حاجة" اسمها جيل قديم وجديد، لأن الابناء لا يقدرون العيش من دون ابائهم، الآباء لا يستطعون العيش من دون سند من الابناء، والسينما ستعيش بأجيال متفاوتة الاعمار، فنان عنده 20 سنة وآخر 40 وثالث 70، لأن الفن يأخذ مادته من الحياة. ما رأيك في هجوم بعض الصحف على فنانين من دون اسباب منطقية؟ - نحن بلد ينسى اصحابها الدور الذي لعبه الفنانون والمثقفون والكتاب من اجل إسعاد الجمهور. يبدو انك تقصد شخصاً بعينه؟ - اقصد ان هذه ظاهرة عامة، ونكاد نكون البلد الوحيد الذي لا يهتم من الناحية الرسمية بالمبدعين ولكن من الناحية الجماهيرية يظل المبدع في وجدان الجمهور، وإذا أردت أمثلة على ذلك فخذ المخرج كمال سليم والريحاني وطه حسين ويحيى حقي والعقاد ومحمود مختار وام كلثوم وعبدالحليم حافظ واسماعيل ياسين... هؤلاء وغيرهم يعيشون في وجدان الناس وكلهم تعرض لهجوم وانتقادات. ما ردك على حصول افلامك وافلام عادل امام على تسهيلات رقابية؟ - بالنسبة إلي أؤكد انني احصل على تسهيلات رقابية ولكن لماذا؟ لأنني اعرف حقوقي وادافع عن عملي ولا استسلم، و"اناضل" و"مستعد" للذهاب الى ساحات المحاكم للدفاع عن عملي، والكل يعلم ذلك... هذه واحدة... واما الثانية فإنني احترم الفن الذي اكتبه وهو دائما يحمل قضايا وطنية ولست من المرتزقة والكل يعلم ذلك ايضا. الأساس في التسهيلات الرقابية هو الاجراء على أخذ الحق. اما بالنسبة الى الفنان عادل امام فهذه مقولة ظالمة لأنه - عادل امام - لا علاقة له بالرقابة في الاصل. فالمعارك مع الرقابة غالبا ما تكون مع المؤلف والمخرج والمنتج. فإذا كان فيلم لعادل امام او غيره من الممثلين وتدخل شأنه شأن الاخرين فهو يدافع عن عمله، ومن قال لك ان افلامي وعادل امام هي التي تحظى بتسهيلات في الرقابة. ما رأي الذين يروجون ذلك في ازمة فيلم الغول و"طيور الظلام" و"البريء"، من يريد ان يحصل على تسهيلات رقابية عليه ان يدافع عن حقوقه، وعموماً الرقابة في هذا الوقت لا تحتاج الى قتال فالرقيب مستنير وناقد واعٍ هو علي ابو شادي وهو يدافع عن الاعمال الفنية اكثر من اصحابها. فيلم "البريء" الذي يُعد من كلاسيكيات السينما العربية وأخرجه الراحل عاطف الطيب ويدين مضمونه السلطة التي تعجز عن تحقيق الديموقراطية والحرية، هذا الفيلم شاهدته قبل ايام مرة ثانية: كيف جاءت فكرته لك؟ - فكرة الفيلم واقعة حقيقية حدثت لي انا شخصيا في تظاهرات 1977 حين كنت أتجول قرب شارعي الالفي وعماد الدين وسط القاهرة و"ضربني احد العساكر" على ظهري بالهراوة، وعندما استدرت الى الخلف وجدت ان العسكري الذي ضربني من قريتي، وسألني سؤالاً بسيطاً جدا "انت مع اعداء الوطن دول ليه"... هذه المسألة ظلت في دماغي الى ان كتبت فيلم "البريء". هذا الفيلم تعرض لتعنت رقابي شديد؟ - الحقيقة ليست تعنتاً رقابياً لأن الرقابة لم تعترض عليه، ولكن الفيلم تعرض لرقابة من الاجهزة الامنية المختلفة، فشاهده وزير الداخلية - آنذاك - أحمد رشدي والدفاع المشير عبدالحليم ابو غزالة وتشاء الاقدار ان يتشابه فيلم "البريء" مع احداث الامن المركزي الشهيرة. ما مصير فيلم "قصاقيص العشاق" للمخرج سعيد مرزوق وبطولة نبيلة عبيد؟ - لا اعرف. وهذه التجربة قد تكون احد الاسباب التي تجعلني انتج اعمالي الفنية. هل ترى ان الكتابة تحتاج إلى مكان جميل مثل الطاولة الخاصة بك في فندق ميريديان؟ - الاساس في الفن الجمال. فأنا من مكاني هذا الذي نجلس فيه ارى النيل امامي والزرع لانني احب الاماكن المفتوحة. على رغم ان لديك حراسة خاصة الا انني في مرة شاهدتك تطلب منهم الانتظار بعيدا عن احد الاماكن التي كنت ستحضر فيها ندوة. لماذا؟ - الحراسة الخاصة عبء على الشخص المحروس، خصوصاً اذا كان فناناً. صعب جداً ان تكون هناك عين تراقبك دائماً حتى لو كانت تحرسك. الفنان يحتاج الى الحرية. ومن ضمن الاشياء المحببة انني كنت اجلس في احد المقاهي الشعبية بين الناس، ولكن حالياً لم يعد ذلك سهلاً، لأنني لا يمكن ان اجلس في مقهى وبجواري حراس. هذا شيء صعب لا اطيقه واحيانا "اسرق نفسي" من الحراسة واذهب للجلوس في المقهى نفسه بين الناس والله خير حافظ.