المرأة ماري فايتسمان، التي أوقفتها قوى الأمن أول من أمس في صور، ليست اسرائيلية. احتاج الأمر الى يوم كامل من التحقيق ليعرف اللبنانيون ان اسمها سعاد نعمة وهي من شمال بلدهم. في نشرات الأخبار التي أذيعت يوم توقيفها أدخل التلفزيونيون عبارات شبه بوليسية على صياغتهم فقالوا إنها "ذكية وقوية الشخصية" وأنها، وهذا ورد في الصحف أيضاً، "اعترفت بأنها تجيد اللغة العربية بطلاقة"، وهي قالت اعترافها هذا بالعربية، لغتها، التي لا تجيد سواها. كما تردّد إنها ربما كانت عميلة للموساد الإسرائيلي أرسلها بسيارات السرفيس الى صور. وحين وصلت الى صور وقفت من فورها أمام مقرّ الأمن العام وجعلت تحدّق فيه الى حدٍّ أثار شبهة رجاله. في الصور التي بثتها التلفزيونات بدت ماري فايتسمان، أو سعاد نعمة كما تبيّن في ما بعد، حزينة وحائرة، بل وضائعة بمعنى ما يضيّع الشخص طريق بيته. وإذ صوّرت الكاميرات يديها وهما توثقان بالكلبشات، بدت تنظر الى ما يجري ليديها مستسلمة ساكتة. لكن في الكلام المصاحب للشريط المصور قال المذيعون إنها تقلّبت بين الفرح والحزن، وهذا ما جعل المستمعين يميلون الى تصديق ما أشيع عنها من فصام في الشخصية. وقد تأكد ذلك بالحرف في اليوم التالي عندما أعلن الإدعاء العام عن إصابتها بهذا المرض النفسي. "لم تكن هناك قصة" إذاً، بحسب ما علّق مصدر في السفارة الأميركية منذ نحو أسبوع حين "تصدّر نبأ فقدان صحافية أميركية في بعلبك واجهة الأحداث التي تناقلتها وسائل الإعلام". هذه المرأة الثانية، المفصوم خبرُها لا هي هذه المرة، تبيّن في ما بعد أنها كندية وليست أميركية. ثم أنها أصيبت بالدهشة حين علمت بنبأ اختطافها المزعوم، فسارعت الى فندق "مون لايت" في الحمراء حيث تقيم منذ عشرة أيام "فحزمت حقائبها وغادرت على الفور". "لم تكن هناك قصة"، قال المصدر في السفارة الأميركية بينما اكتفى الرئيس سليم الحص بوصف الخبر أنه من قبيل الإشاعات. أما بالنسبة الى اللبنانيين، مشاهدي التلفزيونات، فإن ما أصابهم يمكن وصفه بخيبة الأمل. ففي القصتين، واحدة بعد الأخرى، تلهّفوا لمتابعة رواية طاشت في منتصفها. إن هي إلا إشاعات أو وعود بقصص مثيرة لا تلبّي فضولاً ولا تشفي غليلاً. بل إنها تبدو، منذ بدايتها، فاقدة لعناصر الإستمرار ما دام أن السيدة فايتسمان، الإسرائيلية، بدت، أمام الكاميرا، غير مناسبة تماماً للدور البوليسي الذي وضعتها فيه وكالات الإعلام وأجهزته. "لا تكون الجاسوسة هكذا"، قالوا. ثم إنها كبيرة وبطيئة الحركة إلى درجة أنها لن تتمكن من الهرب إن ركض في إثرها أحد. اللبنانيون، مشاهدو التلفزيونات، يوعَدُون بقصص مثيرة لا تكتمل. وفي هذا خيبة أمل لهم ما دام أن بلدهم، الذي كان ما كانه في سنوات حربه كلها، لم يعد أهلاً لأن تُخطف فيه امرأة. أو أن تأتيه امرأة أخرى جاسوسة. بل إنه يكاد يكون بلداً لا يحدث فيه شيء ما دام أن تلفزيوناته وصحافته لا تجد شيئاً واحداً تسلي به جمهورها وتنقله، من ثم، الى حيّز الفضول الدولي. ما حدث، في حال الامرأتين، يشير الى الموقف الحرج الذي يعاني منه الإعلام. ففي خلال أسبوع فشلت محاولتان لإلقاء الضوء على أشياء تجري في لبنان. المصدر الأميركي قال عن الأولى "لم تكن هناك قصة.. لحسن الحظ"، والمصدر الاسرائيلي قال عن الثانية، ماري فايتسمان، "ليس لدينا احد بهذا الاسم".