لأن العود ما زال طرياً، فإن من الصعب الخوض في تفاصيل شخصية واضحة ذات مزاج ومحددة الملامح لأيام عمان المسرحية الملتقى الدولي للفرق المسرحية المستقلة الذي باتت تشهده العاصمة الأردنية لمناسبة اليوم العالمي للمسرح وتنظمه وتشرف عليه فرقتا مسرح الفوانيس الأردنية والورشة المسرحية المصرية كأول مهرجان مسرحي أهلي بأبعاد دولية في المنطقة العربية. لهذا العام تقرر أن تنطلق فعاليات المهرجان بدءاً من الثامن من نيسان ابريل وحتى العشرين منه. وتشارك في هذه الدورة السادسة لأيام عمان المسرحية قرابة عشرين دولة عربية وأجنبية. وفي الأقل سوف تقدم عشرون مسرحية خمسة وأربعين عرضاً من غير مدينة أردنية. ومن المتوقع أن يبلغ عدد الضيوف 260 شخصاً من خارج الأردن من بينهم: فنانون ومديرو فرق وتقنيون وإعلاميون. لا تخفي إدارة المهرجان طموحها في أن ترقى أيام عمان المسرحية الى أيام الأردن المسرحية على غرار أفينيون الفرنسي وأدنبره الاسكتلندي. وبالفعل فقد انتقلت عروض مسرحية عدة الى مدينة إربد في الشمال. وخلال هذا العام سوف تشهد مدينتا العقبة الساحلية والكرك الجنوبية عروضاً مسرحية لفرق عربية وأجنبية عديدة. مع ذلك فإن الاتفاق الواسع في الوسط الثقافي في عمان على أن هذا المهرجان يمثل ظاهرة ثقافية هي الأبرز من سواها بين التظاهرات المسرحية غير أن مسألة التمويل ما زالت مأخذاً على الجهتين المنظمتين من قبل العديدين ومن ضمنهم نقابة الفنانين. ومن الواضح أن االظروف التمويلية لأيام عمان المسرحية تتحسن سنة إثر سنة. ان أغلبية الفرق المشاركة في هذه الدورة قد تم تمويلها عبر عدد من المؤسسات العالمية والعربية المعنية: سيدا السويدية، صندوق فورد الأميركي، المشروع العربي للفنون القاهرة والورشة المسرحية بالإضافة الى الجهتين الأردنيتين: وزارة الثقافة وأمانة عمان الكبرى. وتبعاً ل"صندوق فورد" تكاد إدارة المهرجان تُتهم بالتطبيع مع العدو الصهيوني لو أضفنا الى ذلك مشاركة فلسطينيي العام 48 وحملة جوازات سفر من الدولة العبرية عبر أعمال مسرحية فلسطينية. منذ العام 1996 توضح إدارة المهرجان انها تضطر الى هذه الرواية: إن هنري فورد صاحب وقف "صندوق فورد" رجل اقتصاد عالمي، أثار اليهود الأميركان في إثر نشره كتاباً في العام 1923 في عنوان "اليهودي العالمي". وفيه تحدث فورد عن مأساة تحيق بالعالم نتيجة سعي العقلية الصهيونية الى الإمساك بخيوط السيطرة السياسية على الاقتصاد في العالم. وفي الرواية أيضاً أن فورد لوحق في القضاء من طرف جمعيات صهيونية أميركية غير أن الرجل لم يعتذر مع أن الكتاب كان قد سُحب من الأسواق وأُحرق. وتعرض فورد الى ضغوطات مستمرة اضطرته أن يبيع الكثير من أسهمه في شركة مصنع فورد للسيارات. وباستثناء بضعة فنادق في جزر الكناري لم يتبق من ثروة الرجل شيء، وهي فضلاً عما ظلّ من أسهمه في الشركة المصدر الأساسي ل"صندوق فورد". تلك المؤسسة التي دعمت وتدعم أنشطة تربوية وتعليمية في مناطق مختلفة من العالم ومن بينها جامعة "بير زيت" طيلة فترة الاحتلال تقريباً ومؤسسات فلسطينية على صلة بالأبحاث والدراسات وجمعيات تعنى بالدفاع عن حقوق المرأة والطفل من دون أن تدعم مشروعاً صهيونياً واحداً حتى الآن. وقد قيل في هذه المؤسسة بأنها صاحبة اتجاه يساري الى حد وضعها في اللائحة السوداء خلال الفترة المكارثية الأميركية بدعوى تمويلها مؤسسات إنسانية في كوريا وفييتنام الشماليتين. وفي غير مرة أوضحت إدارة المهرجان بلسان المدير العام المخرج المسرحي نادر عمران ان الصندوق يدعم عروضاً ولا يسهم في ميزانية المهرجان "فما من حاجة بها الى التورط من الشبهات". في حين تصر الإدارة بأن "أيام عمان المسرحية" متنفس لمسرحيي الداخل الفلسطيني... "إنهم فلسطينيون ولو حملوا جنسية القرود" يقول نادر عمران حانقاً أو ساخراً. لا يزال برنامج الدورة السادسة عرضة للتغيير. مع ذلك فقد تأكدت مشاركة الاعمال التالية: "لن نستطيع أن نبقى مكتومي الأنفاس" لفرقة الياس السويسرية، "الآزفة" للفوانيس من إخراج هشام حمادة وتمثيل سهير إياد ومحمد القباني، "غزل الأعمار" للورشة المسرحية، "مهاجر بريسبان" لمسرح القصبة القدس، "مسك الغزال" عن رواية لحنان الشيخ بإخراج هولندي وتمثيل نسائي فلسطيني: إيمان عون، منيرة زريقي، فاتن خوري، تهاني سليم، "أبو عرب في خانة اليك" فلسطين. "سيدرا" و"الرجال الجوف" من العراق، "حلم أبي" لمسرح بكّا السويد. "باجو موي" من تنزانيا، بالإضافة الى عرض بلجيكي وآخر هولندي وعرضين أردنيين لم يعلن عن مشاركتهما وعرضين من تونس لفاضل الجعايبي مونودراما وآخر لفرقة المسرح العضوي التي يديرها المخرج عزالدين قنون. الشاعر بيسوا في عرض الافتتاح "أنا لا شيء / وسأبقى دائماً لا شيء. / ولكن لست راغباً في أن أبقى لا شيء. / بعيداً عن كل هذا / إني أحمل في داخلي كل أحلام العالم". هذا المقطع من أشعار البرتغالي الشهير فيرناندو بيسوا أخذه المصمّم الكوريغرافي السويسري من أصل برازيلي بوتهيلو بؤرة لعمله "لن نبقى مكتومي الأنفاس" الذي سيكون عرض الافتتاح لهذا العام لأسباب تقنية تتعلق بتفاصيل العرض. وهذا العمل المسرحي الذي يتعامل مع لغة الجسد فقط يسعى الى إبراز فكرة محورها التساؤل عن معنى حاجة المرء في أن يكون محبوباً من خلال التصور الذي يحمله عن نفسه. ويقوم العمل على العلاقة بين الجسد الداخلي أعماق النفس والجسد الخارجي من خلال إطلاق تساؤلات عن الهوة التي تفصل أفعال المرء عن نواياه مثلما تفصل المظهر الخارجي عن الشعور الدفين... وكيف ينظر الى ذاته كشخص؟ وما صلة وجهة النظر هذه بالآخرين؟ وهل العلاقات الإنسانية مجرد "ديالوغ" سطحي؟ عرض "لن نبقى مكتومي الأنفاس" يجسده أربعة راقصين. وهو العمل الخامس لفرقة الياس التي تأسست في العام 1993 بغية تطوير أعمال كوريغرافية تستند الى فكرة البحث عن المعنى بوصفه المصدر لحركة الجسد، الأمر الذي هو على خلاف مع الاتجاهات السائدة في الرقص المعاصر إذ تختفي خلف النمط والجماليات منعزلة عن حقيقة الجسد ورغبته في التعبير عنها. وتزعم فرقة ألياس أن ما تؤجج الطاقة في الجسد هي الرغبة في اختبار الأشياء وتجريبها وليس رؤيتها فحسب بما يتضمنه ذلك من تساؤلات عن الطرق التي نخلق عبرها تصورنا عن الذات. عرض فلبيني من أميركا من بين أعمال "أيام عمان المسرحية" التي تأكد حضورها: "لابايان"، القادم من أميركا ومن سان فرانسيسكو على وجه التحديد حيث أكبر جالية فلبينية. العرض تم تقديمه في العام 98 ويتناول الإحساس الجمعي بالهوية الفلبينية ويروي عبر الجسد والموسيقى قصة الإعلان عن أول دولة دستورية في شرق آسيا في العام 1898 في إثر هزيمة تعرضت لها اسبانيا على يد قوات الولاياتالمتحدة في أرض الفلبين التي تنازلت عنها الأولى للأخيرة لقاء عشرين مليون فرنك في باريس. الفرقة الفلبينية الأميركية هذه تستند الى الموروث الفلبيني في الرقص لتجعل منه بنية فنية عالمية أو لغة عالمية للجسد إذ تجمع بين أساطير دينيية وشعر دول شمال أوروبا القديم والرقصات السلتية والباليه وموسيقى باخ وشوبيرت وشوستاكوفيتش وهاندل والموسيقى المعاصرة... وتسعى الرقصات الى اكتشاف الجمال والتضاد في الراقص كفرد من حيث هو بنية جسدية ومزاج وهوية وعرق وخلفية اجتماعية... سوى أن لغة التصميم يبرز فيها تحدرها من الرقص الشرقي وإيماءات الجسد في جنوب شرق آسيا وصرامة فنون الباليه الكلاسيكية. أخيراً يمكن الإشارة الى أن فكرة إقامة مهرجان أهلي للمسرح دائم "ومؤسسي" يقام في الأردن لمناسبة الاحتفال في اليوم العالمي للمسرح قد طرحتها فرقة "مسرح الفوانيس"، إحدى أبرز الفرق المسرحية الأردنية في العشرين عاماً الأخيرة، في 1986. وكررت طرحها في خلال العامين 92 و93. وفي العام 94 أعلنت الفوانيس عن مهرجان مسرحي حمل الإسم: "أيام عمان المسرحية" وشاركت فيه أربعة أعمال. وفي العام 95 تم الإعلان عن مشاركة عربية ودولية في الدورة الثانية لتكون "أيام عمان المسرحية" شرارة أول مهرجان عربي دولي للمسرح تنظمه وتشرف عليه فرقة أهلية. في الدورة ذاتها وعلى هامش المهرجان تم التآخي بين فرقتي "مسرح الفوانيس" و"الورشة المسرحية" التي أسهمت في دعم المهرجان لتصير جهة منظمة. وبدءاً من العام 96 صار المهرجان يعرف بإسم: أيام عمان المسرحية الملتقى الدولي للفرق المسرحية المستقلة، حيث تشكل من التقاء "مسرح الفوانيس" و"الورشة المسرحية" شبكة اتصالات من الجهات والفرق المسرحية الأهلية في العالم. وقد عقدت في غير عاصمة عربية وغربية اجتماعات ولقاءات مع شبكة الفنانين المسرحيين الأوروبيين IETM في السنتين الماضيتين نجم عنها توسيع العلاقة بين مسرحيين عرب وأوروبيين وأثمرت مشاركة ثلاث فرق مسرحية أوروبية لأول مرة في أيام عمان المسرحية لهذه الدورة ومن المتوقع أن يشارك في اجتماعات تقام على هامشها مسرحيون عالميون. غير أن الجدير بالذكر أيضاً أن حضور الجمهور بدءاً من هذه الدورة سيكون مجانياً وما البطاقات إلا لحجز المقاعد. فبعد أن اكتشفت إدارة المهرجان أن البطاقات تشكل عبئاً حقيقياً على جمهور المسرح قامت بإلغاء توزيع الدروع من الحفل الختامي التي تكلف أكثر من واردات بيع البطاقات في ميزانية المهرجان.