دخلت المانيا أمس مرحلة جديدة في تاريخها المعاصر، إذ انتقل البرلمان الفيديرالي بوندستاغ رسمياً من بون إلى برلين، واجتمع البرلمانيون للمرة الأولى في مقر "رايشستاغ" البرلمان القيصري الذي افتتح رسمياً بعد انتهاء أعمال الترميم التي استمرت أربع سنوات، وكلفت أكثر من 6000 مليون مارك. كان المقر الواقع في وسط العاصمة على بعد مرمى حجر من بوابة "براندنبرغ" وجدار برلين الشهير، غرق لعقود طويلة في سبات عميق إلى أن تقررت إعادة ترميمه أواسط التسعينات. مع انتقال البرلمان الفيديرالي إلى العاصمة القديمة - الجديدة، يبدأ عهد ما يسمى "جمهورية برلين" وانتهاء مرحلة "جمهورية بون" بعد مرور نصف قرن على تأسيسها. وترى غالبية المسؤولين الألمان ان العهد الجديد سيشكل استمراراً لتقاليد سلفه. وقال وولفغانغ تيرزي، رئيس البرلمان، في جلسة الافتتاح أمس أن المانيا ستستمر في الوقوف إلى جانب قضايا الحرية والديموقراطية، وستكون شريكاً يعتمد عليه في أوروبا. وأضاف: "لا نريد جمهورية جديدة ولا نريد العودة إلى ممارسة سياسة القوة العظمى". واعتبر أن مشاركة بلاده في عمليات الأطلسي في البلقان لا تشكل طموحاً بهذا الاتجاه، فهي، حسب تعبيره، "عمل إنساني يهدف إلى وقف القتل والتهجير". واعتبر المستشار غيرهارد شرودر ان افتتاح المقر وانتقال البرلمان إليه يشكلان رمزاً من رموز إتمام الوحدة الألمانية التي تحققت قبل نحو عشر سنوات. وبغض النظر عن آراء السياسيين، فإن ممارسة الحكم من مدينة بقيت مقسمة لأكثر من ربع قرن سيختلف عنه في مدينة صغيرة وهادئة كمدينة بون. وتقول إحدى البرلينيات إن البرلمانيين وأعضاء الحكومة الذين تعودوا على الحكم من بون أو من مدينة الفيلات والقصور والظلال والحدائق، سيواجهون هنا مدينة لا تزال تعاني من آثار التقسيم والازدحام والضجيج والتلوث وضعف مستوى البنية التحتية وارتفاع نسبة العاطلين عن العمل. فيما يعلق برليني على تكاليف الترميم بالقول: "إن سياسيينا يبالغون في تبذير المال في وقت تتفاقم أزمة العاطلين عن العمل في البلاد وبشكل خاص في برلين، حيث يوجد 17 في المئة عاطلون عن العمل". ويضيف آخر ان ذلك إن دل على شيء فعلى "مدى ابتعادهم عن الواقع الذي نعيشه. ولذا فإننا نأمل بأن تقربهم مدينتنا من هذا الواقع، كونها تعيش في خضم المشاكل التي نعاني منها". غير أن قسماً مهماً من البرلينيين لا ينظر إلى الأمر بعين التبذير وإنما بعين الضرورة، فعودة برلين كعاصمة لألمانيا الموحدة وكمركز للقرار في أوروبا يتطلب "مقراً يليق بدورها الجديد"، حسب تعبير أحد أصحاب المحلات التجارية في ضاحية شالونتبورغ. ومن جهة أخرى، لم يمر افتتاح مقر البرلمان المرمم من دون احتجاجات، إذ تظاهر المئات من عمال البناء الذين أرادوا لفت انتباه المسؤولين إلى مشكلة البطالة المتفشية في صفوفهم. كما ارادوا تذكيرهم بأن أعمال الترميم والبناء التي تشهدها برلين، يجب أن تتم بالأيدي العاملة الألمانية لا بمثيلاتها الأجنبية التي يتم تشغيلها بطرق غير شرعية وبأجور منخفضة. ويذكر ان ترميم البرلمان تم بتشغيل المئات من العمال الأجانب بمثل هذه الأجور.