منذ اندلاع أزمة السويس التي نطلق عليها نحن العرب اسم "العدوان الثلاثي" في العام 1956، كانت المرة الأولى التي يدعى فيها مجلس العموم البريطاني للاجتماع يوم سبت. حدث ذلك يوم الثاني من نيسان ابريل 1982. ومع ذلك لم يستغرب الانكليز الأمر، هم الذين يثير استغرابهم عادة أي تبديل مفاجئ يقل عن ذلك أهمية بكثير. فلماذا لم يستغربوا؟ بكل بساطة لأن السبب الذي دعا نواب بريطانيا العظمى إلى الاجتماع في ذلك اليوم كان وجيهاً، وأمراً عظيماً: تجرأت أمة ثانوية الأهمية في أميركا اللاتينية على تحدي هيبة بريطانيا العظمى. إذ، في ذلك اليوم بالذات، ومنذ الصباح الباكر، انزلت الأرجنتين قواتها في جزر تطلق عليها بريطانيا اسم "فوكلاند"، فيما يعرفها الأرجنتينيون باسم "مالغيناس" - أو مالوين -. هذه الجزر هي محل نزاع قديم بين الأمتين عمره مئات السنين. ولكن لم يكن بإمكان أحد أن يتصور أن يقدم الأرجنتينيون حقاً على غزو الجزر التي لا يقطنها - في الواقع - إلا الانكليز، ولا تقوم بحمايتها سوى أعداد ضئيلة من جنود البحرية الانكليزية. لكن الأرجنتينيين فعلوها، من دون أي تمهيد. هكذا، فجأة وبكل بساطة وهدوء غزت القوات الأرجنتينية الجزر، فاندلعت أزمة سياسية، واندلعت حرب عنيفة، صحيح أنها لم تدم طويلاً، بين القوات البريطانية والأرجنتينية، لكن اثارها لا تزال ماثلة ربما حتى يومنا هذا. بل أن تأثيرها على الأرجنتين نفسها سيكون قوياً، لأنها ساهمت - إذ أسفرت عن هزيمة منكرة للأرجنتينيين - في إزاحة الحكم العسكري الذي كان يقوده الجنرال ليوبولدو غالتييري. بدأت حرب المالوين، إذاً، في اليوم الثاني من نيسان من ذلك العام بوصول القوات الأرجنتينية إلى الجزر، وسيطرتها على الحامية البحرية التي تحرس عاصمتها "بورت ستانلي". على الفور، اجتمعت الحكومة البريطانية بمجلس العموم، وتلت السيدة مارغريت ثاتشر، رئيسة الحكومة، بياناً يروي ما حدث من تطورات. ثم أعلن وزير الدفاع جون نوت، في مؤتمر صحافي، ان بريطانيا بدأت بتجميع 40 سفينة حربية وألف مقاتل لارسالهم إلى الجزر، لكنه أشار إلى أن الأوامر لم تصدر إلى الاسطول لكي يبحر. وكان الأنكليز يعرفون ان مهمتهم صعبة، لأن الوصول البحري إلى الجزر يستغرق منهم أسبوعين جزر الملوين تبعد 8000 كلم عن الشواطئ البريطانية، بينما لا تبعد عن شواطئ الأرجنتين أكثر من 400 كلم. فور اندلاع النبأ سارت التظاهرات صاخبة عنيفة في شوارع بوينس آيرس، حيث احتشد مئات الألوف من الأرجنتينيين، وانتشرت صور جنود الارجنتينيين وهم شاهرو السلاح على رجال البحرية الانكليزية المستسلمين. أما الرئيس الأرجنتيني غالتييري فإنه قال بأن العسكريين لم يفعلوا أكثر من أنهم عبروا عن مشيئة الشعب الأرجنتيني. لتلك المناسبة، كان ثمة بين الأرجنتينيين اجماع تام ولم يصدر أي صوت يعارض ما أقدمت عليه السلطات. وفي بريطانيا كان هناك اجماع ضد الأرجنتينين أيضاً. كانت الحادثة مناسبة لظهور المشاعر القومية وبروز التعصب الوطني لدى الطرفين. تلك الحرب استمرت، كما نعرف شهرين ونصف الشهر، وانتهت باستسلام القوات الأرجنتينية الغازية للجزيرة، وبعد ذلك بسقوط الطغمة العسكرية الحاكمة. أما من الناحية الديبلوماسية الدولية، فإن مجلس الأمن التابع لمنظمة الأممالمتحدة وضع يده على القضية منذ مساء اليوم الأول للغزو الأرجنتيني. حيث طالب المجلس بوقف القتال وبالانسحاب الفوري للقوات الأرجنتينية شرط أن تتلو ذلك مفاوضات تتعلق بمستقبل الجزر. المفاجئ عند ذلك ان 10 دول صوتت لصالح القرار، بينما عارضته دولة واحدة هي باناما التي قال مندوبها إن بريطانيا هي المعتدي. أما الصين والاتحاد السوفياتي، اللذان كانا في وسعهما معارضة القرار ونقضه، فلقد اكتفيا بالغياب، وكذلك فعلت اسبانيا وبولندا. ولم يؤثر في هؤلاء ما شرحه وزير الخارجية الأرجنتيني نيكانور غوستامنديز حين قال إن ما حدث إنما هو "مجرد استعادة الأرجنتين لاراضٍ تمتلكها"، و"محوها لأثر من آثار الامبريالية". وكانت حرب المالوين كما تعرف واحدة من أقسى وأسرع وأغرب الحروب التي عرفها العالم الغربي، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. في الصورة: جندي ارجنتيني يحرس جنوداً انكليز مستسلمين