في ذلك الحين كان ليندون ب. جونسون رئيساً للولايات المتحدة الاميركية. في البدء كان الرجل نائباً لجون كنيدي، ودخلت التاريخ صورته وهو يقسم يمين الولاء للأمة والى جانبه جاكلين كنيدي وعلى وجهها آثار الفاجعة، فور اغتيال زوجها الرئيس. أقسم جونسون اليمين اذ صار رئيساً كبديل عن الرئيس المقتول. وهكذا اخرج من الظل، وبعد حين جرى انتخابه رئيساً أصيلاً عن الحزب الديموقراطي. وكان من شأنه ان يطلب ولاية ثانية اصيلة، لولا ان روبرت كنيدي، شقيق جون كنيدي، وأحد اعمدة الحزب الديمقوراطي في ذلك الحين، وقف ليعلن انه لن يؤيد انتخاب جونسون ولا ترشيحه لولاية جديدة. والسبب؟ حرب فيتنام. فروبرت كنيدي، مثله في ذلك مثل العديد من الزعامات الديموقراطية الاميركية اعتبر جونسون مسؤولاً اساسياً عن تصعيد حرب فيتنام، وكان من رأي روبرت ان تلك الحرب كان يمكن ان تصل الى حدود معقولة ومقبولة، لولا تورط جونسون في تصعيدها. روبرت كنيدي اعلن ذلك يوم السادس عشر من آذار مارس 1968. ما اعتبر في ذلك اليوم بالذات محاولة منه - نجحت على أية حال - في ضرب مستقبل جونسون السياسي. والحقيقة ان كنيدي تمكن من ذلك اذ في اليوم نفسه بات من المؤكد ان جونسون لن يصبح مرة اخرى رئيساً للولايات المتحدة، حتى وإن اصرّ على ترشيح نفسه. كانت ضربة قاسمة لجونسون. وانتصاراً كبيراً لروبرت كنيدي. هذا الاخير سوف يصار الى اغتياله بعد شهور قليلة على يد شاب فلسطيني هو سرحان سرحان، وسوف توجه اصابع الاتهام الى اطراف كثيرة، من بينها بالطبع اطراف ذات علاقة مع جونسون. مهما يكن فان هذا الاخير، وقبل اغتيال روبرت كنيدي بكثير، رد على موقف هذا الاخير ولسان حاله يقول: تريد ان تحرمني من الرئاسة بسبب حرب فيتنام؟ اليك اذن ردي: انه مزيد من التصعيد لهذه الحرب! وهكذا، في اليوم نفسه الذي اعلن فيه روبرت كنيدي معارضته ترشيح جونسون، اتخذ هذا الاخير قراره بأن يرسل الى الفيتنام ما بين 35 و50 الف جندي اميركي اضافي. كان تصرف يأس هذا بالطبع، لكنه كان في الوقت نفسه آخر هدية كبيرة قدمها ليندون ب. جونسون، الى الاطراف العسكرية والى الجهات المصنعة للأسلحة في الولاياتالمتحدة والتي كان يهمها ان تتواصل حرب الفيتنام. بعد ذلك بأقل من اسبوعين سوف يستكمل جونسون موقفه باعلان عدم ترشيح نفسه للرئاسة وذلك عبر خطاب متلفز قال فيه، امام دهشة الاميركيين الذين كانوا واثقين من انه سيكون مرشحاً وربما سينجح، انه يضحي بنفسه على مذبح الوحدة الوطنية، فهو لا يريد ان يكون مرشحاً وحزبه منقسم على ذلك. اذا، فعلها جونسون وانسحب ولكن... بعد ان ورط بلده في تصعيد مرعب لحرب فيتنام. ولئن كان العالم كله قد ابدى لامبالاة ازاء ما اذا كان جونسون سيترشح ام لا، فان هذا العالم ابدى قدراً كبيراً من المبالاة، في المقابل، ازاء قراره الآخر: قرار التصعيد. وهكذا، منذ اللحظة التي اعلن فيها ارسال مزيد من القوات والاسلحة الى فيتنام، راحت التظاهرات تعم شتى ارجاء العالم، ولا سيما العالم الغربي. فإلى التظاهرات العنيفة التي عرفتها العديد من المدن الاميركية والتي راح يشارك فيها مئات الألوف من الطلاب الغاضبين - وكان ذلك العام على اية حال عام الطلاب الغاضبين في شتى انحاء العالم، وليس من اجل فيتنام وهحدها -، شهدت باريسولندن وروما تظاهرات شديدة التنظيم والعنف، ولا سيما منها تظاهرات لندن، التي حاصر المتظاهرون خلالها يومي 16 و17 آذار من ذلك العام السفارة الاميركية محاولين احتلالها. في ذينك اليومين تحولت ساحة غروسفنور اللندنية الى ساحة حرب حقيقية، حيث دارت معارك عنيفة بين المتظاهرين المنددين بأميركا جونسون، وبين رجال الشرطة الذين حاولوا تفريقهم ومنعهم من دخول حرم السفارة الاميركية، ما اوقع اكثر من تسعين جريحاً في صفوف رجال الشرطة. اما هؤلاء فاعتقلوا المئات من الطلاب. في تلك الليلة نفسها تجمع نحو 80 الف شخص في ساحة ترافلغار، خطبت فيهم الفنانة فانيسا ريدغريف، وهتفوا جميعاً ضد ليندون جونسون، وضد التدخل الاميركي في فيتنام. من هنا حين اعلن جونسون أواخر ذلك الشهر عدم ترشحه، كان يعرف انه قد اصبح "عدو الناس الرقم واحد" في شتى انحاء العالم.